الثلاثاء، 21 يناير 2014

الفردانية و الجماعة

الفردانية و الجماعة




المشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاركون :

مهدي الرمضان:                             ثنائية الفرد و الجماعة
عماد بوخمسين:                              انسان الكهف و إنسان اليوم
ابراهيم البراهيم:                             الفردانية في آراء الفلاسفة
صلاح الهاجري:                              التـــــــــــــــــــــــــــــوازن
علي الحمـــــــد:                              الفردانية في العصر الحديث
عماد بوخمسين:                              حي بن يقظان الحقيقي
عقيل العلـــيوي:                              بين الفردية و الجماعة
يحيى الجاســم :                              الفردانية و القطيعة الاجتماعية
مهدي الرمضان:                             هل الفردانية هي جبلّتك التي جبلت عليها؟
فاخر السلطـان :                              الفردانية و الجماعة بعد الربيع العربي
علي البحراني :                              الفردانية بين الماضي و الحاضر
عقيل عبـدالله :                               بين فلسفتي الفرد و الجماعة















مهدي الرمضان:
ثنائية الفرد و الجماعة


في مسيرة تاريخ التحرر ناضل الانسان طويلا ضمن المجاميع البشرية للتخلص هو ومجاميعه من معظم اشكال السيطرة عليه وحرمانه من حريته و حقوقه.
تنعمت بعدها العديد من الشعوب بالحريات الجماعية.
وحتى بعد خلاص الانسان ضمن مجاميع من الافراد من اشكال الاضطهاد لم يتوقف الانسان عن مسيرته في طلب مزيدا من الحرية ومزيدا من الاعتراف بتفرده وطلبه ان تحقق رغباته وبعترف له بذلك.
بعد نيل الجماعة مساحة من الحرية، بدأت تبرز بجلاء على مسرح التاريخ ثنائية الفرد والجماعة.
الفردانية في مقابل الجماعة اصبحت عنوان كبير يعمل عليه الانسان في وقتنا الحاضر ليكّون لذاته خصوصية ضمن المجموع فبدأنا نرى حركات التفرد تجتاح المجتمعات المتقدمة فعلى سبيل المثال برزت حركة حقوق الانسان وتفرعت لحقوق المرأة وحقوق الطفل ومجموعات الضغط كحركة الخضر لحماية البيئة وتحولت بعض من هذه المجموعات لاحزاب مدنية سياسية تكاثرت جماعات الضغط ومنها حركات جامحة كحركة المثليين وهي تنتشر الآن في بلدان الغرب و غيرها وتنتزع الاعتراف بها وتعدل التشريعات والقوانين لإرضاء افرادها.
لم يعد الفرد مجرد رقم بلا قيمة بل اصبح يعمل له حساب ووزن في كل مناحي الحياة.
بدأنا نرى تزايد اهمية الدراسات الاجتماعية للتعرف على ميول و رغبات الافراد ونرى ابحاث استطلاع الرأي العام والاهتمام بالتحولات في الذوق العام والنمط الاستهلاكي للافراد وتتسابق الشركات العالمية الكبرى للتعرف على طلبات ورغبات الفرد لتقدم له ما يستهويه ويرضيه. وحتى على مستوى العلوم الطبية وعلاج الامراض، اهمت شركات الصيدلانيات بنتائج ابحاث ودراسات خرائط الجينوم للانسان لتتمكن من تصميم وتركيب ادوية متخصصة لامراض تمس افراد بعينهم. هذه صورة لقمة الفردانية.

تاريخيا، كانت المعرفة ولفترات طويلة تتركز بقوة مأسورة ومحتكرة في بؤر مثل الجامعات والمعاهد و دور العبادة مغلق عليها وتحت سيطرة اعداد قليلة من المتنفذين من رجال العلم ورجال الدين والساسة ولا يطالها من جمهور الناس إلا القلة والعدد اليسير.
كان للمعرفة خط مسار ذو اتجاه واحد فقط عمودي من الاعلى للاسفل وبتقنين يفرضه من يعلم على من لا يعلم. انشار المعرفة كان ضئيل ومقنن.
تغيرت الاحوال وحدث إنقلاب للصورة مع بداية القرن العشرين وبالذات مع انفتاح الفضاء الاعلامي وظهور شبكات التواصل والاتصال والانترنت حيت فك ذلك الاحتكار وكسرت القيود عن المعرفة وانطلقت حرة متاحة الجميع على قدم المساواة وتحول خط مسارها من العمودية للافقية واصبح عنوان العصر تبادل المعلومات ونشر المعرفة بين الجميع.
زاد ذلك مع اتساع مساحات التعليم النظامي من قدرات التمكين للافراد وشجع على توليد افكار و رغبات في تحقيق مطالب ما كان ممكن حصولها قبلا.
لم تعد المسافات او الازمان المختلفة تفصل بين شاب يعيش في شرق الارض او جنوبها بأخر يعيش في الطرف الاخر منها. اصبحت الارض مسطحة للجميع ولم تعد كروية. تنامت قدرات التمكين للافراد فزاد مستوى شعورهم وتمتعهم بالحرية وبالتالي ارتفع مستوى تطلعهم للانفكاك من قيود ارتباطهم بالجماعة و بالنسق السائد المفروض اجتماعيا عليهم.
وهذا ادى لبروز وإنطلاق مفهوم الفردانية مقابل الجماعة في ميادين كثيرة كالعلوم والاختراعات والسياسة والرياضة ومجالات الاعمال.
سيستمر الانسان كفرد يعيش مع مجاميع وفي مجتمعات ولكن في ظني ستستمر حركة الفردانية وستكسب مزيدا من الزخم وسيكون للافراد كأفراد وقع اكبر على مسار الاحداث والسياسات في العالم فلم يعد في الامكان بعد ان تذوق الفرد طعم الحرية وامتلك قدرة التمكين وزادت معرفته ان يعود مكبلا مسيرّا بغير رضاه او مشورته لتوجهات تمس حياته يقررها عنه قلة باسم الجماعة.
ما يصدق على النواحي المدنية لحياة الافراد حاليا، سيأتي مثله ولكن بوتيرة ابطأ وبزخم اضعف لاحقا ليمس النواحي الدينية لديهم.










عماد بوخمسين:
انسان الكهف و إنسان اليوم


يرى كارل ماركس أن الإنسان كان في بدايته فرداً وحيداً و أن المجتمعات تكوّنت بسبب الحاجة للتكافل الاقتصادي لجعل الحياة أسهل.

كان الإنسان يصطاد بنفسه و يأكل ما يصطاده و يقطف الثمار بنفسه و يأكل ما يقطفه. ثم تغير الحال فصار يعطي ما يصطاده لإنسان آخر في مقابل أن يأخذ منه الجلود المدبوغة مثلاً أو الحطب أو غيره... هنا بدأت التجارة و هنا بدأ المجتمع يتكوّن. و بعد أن تكوّن المجتمع ، لم تعد هناك فرصة للعودة إلى الفردية مرة أخرى، و الفردية هنا تعني الاكتفاء الذاتي بحيث لا يحتاج الفرد للآخرين ليعيش...

وجد البشر أنفسهم يعتمدون على بعضهم البعض و هذا استدعى وضع القوانين و الأعراف لكي يسهل تعاملهم و يتم تبادل المصالح بسلاسة. و كلما تطوّر المجتمع، من خلال تطوّر التجارة و زيادة عدد السكان، تطوّرت قوانينه و أعرافه و ازدادت تعقيداً.

كارل ماركس هنا يضع التبادل التجاري و الاقتصادي أساساً لنشوء المجتمعات. و حسب تعبيره فإن البنية التحتية Infrastructure استدعت ظهور البنية الفوقية Superstructure. البنية التحتية هي دوافع اجتماع الناس في بقعة واحدة و اتفاقهم الضمني على العيش معاً. أما البنية الفوقية فهي نتيجة لما سبق، و هي ظهور الأفكار و القوانين و التقاليد و الأديان الخاصة بكل شعب. العلاقة بين البنية التحتية و البنية الفوقية هي ما تصنع التفاوت بين كل مجتمع و آخر، ثقافيا و فكريا.

لدى علماء الاجتماع رأي مختلف قليلا عن رأي كارل ماركس.

كان الإنسان بدائيا و تطور، يمكن ملاحظة آثار التطور على الإنسان المعاصر سواء في خَلقه أو عقله، و لنركّز على الأخير الآن.

عقل الإنسان مصمم و يتصرّف بطريقة تدل بشكل واضح على أنه مهيّأ لطلب الرزق و الحفاظ على القطيع و ليس لطلب الحقيقة... الانسان ليس محايداً في الحكم على الأمور بل هو متحيّز لمصلحة نفسه و مصلحة جماعته.

يقول فريدريك نيتشه بكل بساطة أننا لا نحب الأشياء الحسنة التي يفعلها أعداؤنا. يمكن أن نرى أن الإنسان من أي شعب كان، يكره الأشياء الحسنة التي يفعلها عدوّه. قد يبني العدوّ مستشفى خيريا أو يتصدّق بالمال للفقراء و يؤوي المشردين أو غيره من الأفعال الحسنة، و لكن لا يمكن أن نثني على فعله، فهو في النهاية عدوّ. المشاعر تؤثر على الإنسان أكثر من العقل.

في المقابل لو فعل من نحبّه و نعتبره صديقا شيئاً قبيحاً فإننا لن نذمه بل سنحاول تبرير فعله بشتى الطرق. هنا تكمن المفارقة. قليلون حقاً هم من يتمكنون من تجاوز هذا النقص البشري و يصدرون أحكامهم على الأمور بحياد و إنصاف.

هكذا نرى أن الفرد في سلوكه و تفكيره يضع الجماعة دائماً في اعتباره دون أن يشعر. رأينا علاقة الفرد بالجماعة فماذا عن علاقة الجماعة بالفرد؟

لو حاول أحد الأفراد أن يتسبب بخلخلة المجتمع سواءً بسلوك يُعتبر خاطئا في العرف الاجتماعي أو حتى بالتعبير عن فكرة مخالفة، فإن الجماعة ستقف في وجهه كذلك إذ ستعتبره تهديداً يهدد وجود المجتمع و أمنه. قلنا سابقاً أن الفردية لدى الإنسان القديم كانت هي أن يعيش الفرد مكتفياًً ذاتياً، أما الآن فالفردية هي أن يكون الإنسان مستقلاً بتفكيره و حراً في تصرفاته حتى لو خالف ذلك أعراف الجماعة (أتحدث عن الحرية الشخصية التي لا تؤذي الآخرين). هذه الفردية الخارجة عن عرف المجتمع تمثّل خطراً في اللاوعي الجمعي، و تُجابه عادةً بالاعتراض و الهجوم.

من يصرّح بفكرة جديدة تصطدم مع روح الجماعة الموروثة فإن عليه أن يتوقع كل أنواع البلاء من مجتمعه، حتى من أقاربه!

و كما رأينا أن قليلين فقط من الأفراد تمكنوا من التخلّص من النوازع البشرية التي تدفعهم للتحيّز لجماعاتهم، فإن المجتمعات التي تمكنت من التخلّص من الضمير الجمعي الذي يكبت حريّات الأفراد هي كذلك قليلة.

بقايا إنسان الكهف لا زالت باقية في إنسان اليوم. إنسان الكهف عاش صراعاً مريراً مع الطبيعة من أجل البقاء على قيد الحياة، بل عاش صراعاً مريراً مع أخيه الإنسان الذي ينافسه على مصادر الرزق... هكذا نشأت المجتمعات لتسهيل الحياة و استمرار البقاء. غريزة البقاء لا زالت باقية في إنسان اليوم و أحد أشكالها هو الحفاظ على الجماعة، حتى لو تعارض ذلك مع حرية الأفراد. الوعي فقط يستطيع نقل الفرد إلى مرحلة أعلى ليتخلص من بقايا الإنسان البدائي في داخله... و رفع مستوى وعي المجتمعات، يبدأ برفع مستوى وعي أفرادها.







ابراهيم البراهيم:
الفردانية في آراء الفلاسفة

 يرى هوبز ان اسأس التعامل الاجتماعي هو الخوف المشترك بين الافراد على مصالحهم الذاتيه لان الأنانيه و الفردية هي الوازع الذي يدفع الانسان.
  ويرى دور كايم  ان الحياة العقلية ومبادئ الفكر ترجع الى أصول اجتماعيه وهي نتائج العقل الجمعى ومن خلقه .
ويرى افلاطون ان الحاجة الانسانية هي التي تدفع الى الاجتماع المنظم وعدم كفاية الحياة الفردية تدفع الانسان الى التعاون المشترك و الاشتراك في مجهود جمعي يكفل لهم تحقيق كمالهم المادي و الروحي  .
 اما ارسطو فيقول :الفرد اللذي لايستطيع ان يعيش في جماعه او ليست له حاجات اجتماعية لانه يكفي نفسه بنفسه فهم إما يكون حيوان أو الها  يكون نفسه بنفسه او  يكون حيوانا لانه ليس في حاجة لان يعيش في مجتمع بشري او يكون الها لأنه بلغ جميع كمالاته و ليس في حاجة الى من يكمله وهو الإله تخلتلف
الأراء بختلف الزمان و المكان و الثقافه و لكن لايختلف اثنان على ضرورة الاجتماع للافراد فالانسان  لا يستطيع البقاء على قيد الحياة بعد ميلاده بمفرده  بدون مساعده الا لساعات قليلة .




صلاح الهاجري:
التـــــــــــــــــــــــــوازن

التوازن من اهم مقومات الحياة فالزياده في كل شيئ تحولها الى النقيض او كما قيل كل فضيلة و سط بين رذيلتين فالكرم و سط بين الشح و التبذير و الشجاعة وسط بين الجبن و التهور و كذلك الفرد و الجماعه يجب ان يكون هناك توازن بين الفرد و ذاته من جهة و ببنه وبين المجتمع من جهة اخرى
لا يمكن للأنسان ان يعيش وحيدا في هذه الحياة فهو يحتاج لبقية المجتمع و يتكامل معه ، حتى قراءة الكتب هي علاقه مع الآخرين و الاستفاده من تجاربهم و خبراتهم المكتوبه من هنا تطورت الحياة و تقدمت فهل نعتبر قراء الكتب و  اتباع مافي الكتب نوع من التبعيه؟
اذا يجب التعامل مع الآخرين و الأستفادة من خبراتهم وتكمله مسيرة الحياة من حيث انتهى الآخرون ، فالسعيد من اتعض بغيره و الشقي من اتعض بنفسه ، و الأشقى من الأثنين الذي استغنى عن كل هذا الأرث البشري في كافة انواع المعرفه و اراد ان يكون مستقلا فرجع و عاد من الصفر ''و طبعا هذا مستحيل ''.




علي الحمد:
الفردانية في العصر الحديث

في اعتقادي، ليست الفردانية التي يظن الإنسان المعاصر أنه يعيشها إلا وهم خلقته العولمة. فالإنسان لم يكن في أي وقت من الأوقات عبر تاريخه أكثر اعتماداً وحاجة لسواه من البشر، ولكن البعد الخدمي وطول السلسلة التموينية هي التي مكنت الإنسان الحديث من العيش دون التفاعل بشكل مباشر مع كل أولئك الذي يقومون بصناعة ما يحتاجه واختراع ما يستخدمه واكتشاف ما يتعلمه، وهي التي مكنته من الحياة المترفة دون احتكاك مباشر (إن أراد) بأي منهم، أو حتى بأي إنسان آخر، اللهم إلا ساعي البريد.

نعم، لقد حدث تطور كبير على مستوى علاقة الفرد والمجتمع حيث أصبح المجتمع أكبر بكثير من أن يستطيع فرض أي شكل معين للحياة الخاصة على أفراده. ولكن يبدو لي أن هذا أمر عرضي وغير مقصود. فقد كان المجتمع الصغير المكتفي ذاتياً في قرية نائية يملك مساحة من الخيارات محدودة بعدد السكان الصغير وبظروف الحياة المتشابهة وبطبيعة الأعمال المتوفرة وبوسائل الاتصال البطيئة والنادرة. أما المجتمع الكوني الضخم الذي نعيش فيه حالياً، فهو يوفر للفرد مساحة أكبر من الخيارات الشخصية للعيش ولاختيار العمل والهوايات والطقوس وأماكن السكن وغيرها، مما يتجاوز تلك المتوفرة ضمن الحدود الجغرافية والسياسية التي يعيش فيها بمراحل.

هذه الطفرة العالمية في التواصل البشري المتشابك والمستمر والمتزايد التعقيد، يقرّب، في واقعه، الأفراد أكثر وأكثر وإن ابتعدت أجسادهم ويزيد من تكافلهم وتعاونهم بحيث تقترب البشرية أكثر وأكثر من التحول إلى كائن عضوي واحد جبار يحمل سبعة مليارات خلية (إنسان) تتشارك فيما بينها مهمات توفير الغذاء والتخلص من الفضلات والدفاع والتفكير واتخاذ القرارات والاهتمام بالمسكن (الكرة الأرضية) وحتى السفر للخارج. هذا الكائن العضوي الجبار (البشرية) يختزن في ذاكرته كل التجارب والاكتشافات والاختراعات التي قام بها على مر تاريخه كي يؤمّن في كل عصر البقاء لأعضائه وخلاياه وأجزائه فيضمن بالتالي استمراره. وهذا وإن بدا كتغير نوعي كبير بالمقارنة مع النظام العالمي السابق والذي كانت كل دولة أو إمبراطورية فيه تعيش باستقلالية وانعزال أو في صراع وتناحر مع جاراتها الأخرى، وكانت كل واحدة منها تبدو وكأنها تعيش من أجل رجل واحد (الإمبراطور، الملك، النبي، إلخ). إلا أن تلك أيضاً كانت تشكل مراحل زمنية وخبراتٍ لابد منها لتطور البشرية إلى ماهي عليه الآن.

أيضاً، ما زالت البشرية مستمرة في ابتكار وسائل تواصل أفضل وفي استحداث أنظمة أقدر على تنظيم العمل وتحقيق أفضل مقدار من الإنتاجية والكفاءة التشغيلية وفي تجربة أفضل وسائل البقاء وأنظمة الحكم وفي محاولة توفير أكبر قدر ممكن من الاستقرار المعيشي والتوازن بين خلاياها وأعضائها المختلفة. فإن توصلت البشرية إلى نظام يحقق المساواة بين أطرافها بحيث أصبحت كل الخلايا على ذات القدر من الأهمية بالنسبة لها، وظنت كل خلية أنها أصبحت بذلك حرة ومتفردة. فليس ذلك وبكل تأكيد إلا لأنها استفادت من هذا الشعور كي تقدم أفضل مالديها لخدمة الكائن الجبار التي هي في النهاية مجرد خلية أو جزء صغير منه.

نحن لا نعلم تماماً ماذا يخبئ لنا المستقبل، إذ تبقى كل الاحتمالات مفتوحة فيه، ولكن من الواضح تماماً أن هذا الكائن البشري الجبار يجدد أنظمته ووسائل التواصل لديه بل وحتى خلاياه وأجزاءه باستمرار. فلسنا نحن وإن ظننا أننا في غاية التفرد والأهمية، إلا خلايا قامت بدورها في خدمة الكائن الذي تنتمي إليه وستموت وتسقط عما قريب، ولن يحمل في ذاكرته عنها إلا ما ينفعه ليستمر بقاؤه.





عماد بوخمسين:
حي بن يقظان الحقيقي

 وصل ذلك الصندوق الصغير و المتهالك إلى شاطئ جزيرة مهجورة... ارتفع صراخ الطفل الذي بداخله... صادف أن هناك غزالة تمر بالقرب و قد فقدت حديثاً طفلها. تتحرك غريزة الأمومة في داخلها فتلتقط الآدمي الصغير و تتخذه ولداً تلقمه ثديها و تعتني به. يكبر الطفل "حي بن يقظان" في هذه الجزيرة الخالية من البشر ليكتشف أسرار الحياة و يتمكن من فك بعض ألغازها المستعصية من خلال "الفطرة" التي تهديه لوجود الخالق.

هكذا تمضي القصة الفلسفية الخالدة "حي بن يقظان" التي وضعها ابن الطفيل الأندلسي (ت 581 هـ) و اعتمد فيها على قصة قصيرة كتبها قبله الشيخ الرئيس ابن سينا (ت 427 هـ). تعتبر "حي بن يقظان" أول قصة في التاريخ العربي، سبقها قبل ذلك كتابان يعتبران محاولة للقص هما "رسالة التوابع و الزوابع" لابن شهيد الأندلسي (ت 426 هـ) و "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعرّي (ت 449 هـ) و لكن شتّان بينهما و بينها، فقصة حي بن يقظان أكثر صلابة و قوة من ناحية الحبكة القصصية و عمق الأهداف.

سارت قصة حي بن يقظان في الآفاق و تلقفها الأدباء و المفكرون بقدر كبير من الإعجاب بعد ترجمتها للغات عدة. كانت هي الأساس للعديد من روائع الفكر و الأدب العالمي مثل كتاب "عقيدة القس من جبل السافوا" للفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، و كذلك نجد المشتركات واضحة بينها و بين رواية "روبنسون كروزو" للبريطاني دانييل ديفو و قصة ماوكلي فتى الأدغال و شخصية طرزان إنسان الغابة، و التي تتناول كلها سلوك الإنسان عندما تجبره الظروف على العيش في بيئة خالية من البشر.

لا يخفى على أحد رمزية الإسم حي بن يقظان حيث الحياة مقترنة باليقظة، و مفردة اليقظة اليوم يمكن أن نترجمها إلى الوعي و المعرفة. فالإنسان الذي يحيا بلا وعي و معرفة هو أشبه بالميت الذي يسير على قدمين!

تصل القصة إلى ذروتها في عدة مواضع. عندما تموت الغزالة الأم و تخمد حركتها، يقترب منها الصبي حي بن يقظان و يناديها بالصوت الذي كان يناديها به فلا تجيبه فيجلس بجوارها عدة ساعات. ثم يدرك أن لا أمل في حركتها فهو قد رأى الحيوانات الأخرى عندما تصبح في مثل هذا الوضع فإنها لا تعود للحياة مرة أخرى. هنا يتحرك الفضول لدى هذا البشري، ما الذي كان موجوداً في داخل الغزالة و فقدته بحيث أصبحت جثة هامدة؟ أين كان يوجد هذا الشيء السحري، في الرأس أم الصدر أم الأطراف؟ ما شكل هذا الشيء الذي يحرك الحيوانات و يبعث فيها الحياة؟ في تصرف عجيب لا يتوقعه القارئ، يحمل حي بن يقظان حجراً حاداً و يشق صدر أمه الغزالة الهالكة و يبدأ عملية الاكتشاف.

في موقف آخر، تضرب صاعقة أحد الأشجار العتيقة في الجزيرة و تشتعل فيها النار. تهلع الحيوانات و تفر بحياتها و يفر معها ابن يقظان فهو لم يرَ الزهرة النارية من قبل. و لكن فضول المعرفة الذي جعل آدم يأكل من الشجرة جعل حي بن يقظان يعود و يمد يده بحذر إلى غصن مشتعل ملقى على الأرض. يضع يده على النار فتحرقه ثم يتجرأ و يضع يده على الطرف الآخر من الغصن فيقبض عليه و يرفعه عالياً و يجري منتشياً باكتشافه الجديد. ما هذه النار التي تبعث الدفء في جسمه و تنير طريقه و تخيف أعداءه من الضواري؟ أصبح يمتلك قوّة الآن لا تمتلكها باقي المخلوقات التي كانت تباهيه بسرعة جريها أو قوة افتراسها. ظل يراعي النار و يغذيها بالخشب و الأوراق المتساقطة لتبقى مشتعلة ليلاً نهاراً، فقد أصبحت الآن جزءً من وجوده. إنها ليست النار فقط، و إنما هي رمز المعرفة و القدرة و التفوّق.

تمضي القصة لتغرق أكثر في الفلسفة و التصوف و تحفر في مسائل شائكة يطرح من خلالها ابن طفيل وجهات نظره في المسائل المختلف عليها بين فلاسفة عصره، أهمها علاقة المادة بالروح، و سر القوة المحرّكة للكون و علاقة الإنسان بها. بعد أن يشيخ ابن يقظان في جزيرته المعزولة، يلمح شبح رجل يمشي بين الأدغال. يشعر بالخوف فهو لم ير شبيهاً له من قبل، و لكنه يتشجع للقائه فيسعى إليه. إنه رجل ترك قومه باختياره بعد أن سأم من كذبهم و غشهم و صخبهم الفارغ... جاء لهذه الجزيرة ليعيش فيها معتزلاً و متأمّلاً. يتمكن الإثنان، حي بن يقظان و الضيف الجديد، من التفاهم و التواصل بعد ردح من الزمن، و يبدي ابن يقظان استنكاره لواقع البشر الذي وصفه له صاحبه و يقرر أنه يجب أن يزور تلك البلاد ليدعوهم للحقيقة في منعطف مثير يختتم به المؤلف أحداث القصة.

ظلت قصة حي بن يقظان على مدى قرون محط إعجاب المسلمين فهي في ظاهرها تؤيّد النظرية الإسلامية التي تنص على أن كل إنسان مولود على الفطرة. و من الناحية النظرية فالقصة مقنعة و مؤثرة أما من الناحية العملية فقد ثبت خطؤها كما تؤكد ذلك الوقائع.

في حالات نادرة و متفرقة حقيقية و موثّقة، يضيع طفل في غابة معزولة و يتمكن من البقاء على قيد الحياة لسنين، ثم يجده الناس و قد أصبح متوحشاً بدائياً و يمشي على أربع و لا يكاد يقبل أي تواصل مع البشر، و حتى بعد أن تم استئناس أحد الحالات و إعادته لمجتمع البشر مرة أخرى و تعلّم لغتهم، فقد اتضح أنه لم يكن يعي شيئاً مما يدور حوله في فترة ضياعه بل كان همه هو طعامه و نومه و البقاء على قيد الحياة حتى صباح اليوم التالي. هذه الوقائع تنسف قصة حي بن يقظان من أساسها و تشكك في كل النتائج الفلسفية التي وصل لها. بل و تطرح تساؤلات كثيرة حول مفهوم "الفطرة" و حول طبيعة الإنسان و علاقته بالمجتمع!

و لكن لو تناولنا القصة من منظور أوسع لاتضح لنا أنها لا تهتم أساساً بفكرة أن الإنسان يعيش في الغابة و يصبح مع ذلك فيلسوفاً و مؤمناً، و إنما همها هو مسيرة عقل الإنسان منذ بدء الخليقة حتى اليوم، و بحثه الدائم عن اليقظة: المزيد من الوعي و المزيد من المعرفة!





عقيل العليوي:
بين الفردية و الجماعة

الفردية اصبحت تذوب وسط الجماعه لم يعد انسان هذا العصر يتحلى بالفردية المطلقه اصبحت برامج التواصل الاجتماعي وسيلة للتخلي من الحاله الفردية الى الجماعة .
التفاعل الذي احدثته برامج التواصل جعلت من الفرد ان يكون جماعه من حيث لايشعر وذلك من خلال قرارته وشعوره وكتاباته الفرد الذي كنا نتصوره فالسابق لا يستطيع الرجوع الى حالته الاولى الا اذا قطع نفسه عن برامج التواصل وايضا العوامل التي تدخل في تكوين الجماعه العزلة مطلب يحتاج له الفرد لا عادة ترتيباته واحتياجاته واعداد خططه المستقبلية .
الفردية لا تعتبر حالة نشاز اذا مورست في محلها مثلا فالتصويت في ابدا الراي فالمتخصص في علم ما ايضا يمارس الفردية على الرغم من تسميت رائيه بالشاذ فالاخير يبقى احتمال ويعتبر احتمال وارد قد ياتي يوما من الايام ويصبح رائي جماعه بل باستطاعه الفرد ان يفرض رائيه ومنطقه على جماعه  وهذا ما نلاحظه من اراء الفقهاء المتعدده والتي ترى على ان بعضها شاذ في عصره يصبح اجماع في عصور اخرى الفرد المبدع هو الذي يخلق جماعه والجماعه الفاشلة هي التي تتحول الى تجربه منتهيه الصلاحية .






يحيى الجاسم :
الفردانية و القطيعة الاجتماعية

يقول ابن خلدون في مقدمته : ( إن الإنسان اجتماعي بطبعه )، و يقال في الأمثال الشعبية : ( الجنة بلا ناس ما تنداس ). هاتان العبارتان و غيرهما تأتيان من وحي مسلمة اجتماعية واحدة و هي أن الأصل في المجتمعات هو التواصل و التراحم و التلاقي و التزاور، و أن أي افتراض خارج هذا الإطار ينبغي أن يكون مستندا إلى بحث اجتماعي يحدد وجه القطيعة و نوعها و نسبتها.
لا أعلم عن أي قطيعة يتحدث السؤال في المنظومة الاجتماعية ! . فليس كل اجتماع تواصل و ليس كل افتراق قطيعة . فالعائلة المتحولقة حول بعضها في ظل انشغال أفرادها بالتصفح الرقمي تشعرك بالقطيعة رغم تقارب أجسادهم ، في حين يفاجئك آخرون بقربهم رغم بعد المسافات بينهم .
إذا التواصل أمر واقع ، و لكن ما نلحظه اليوم هو تجدد طرق التواصل بفضل الثورة المعلوماتية و وسائل التقنية الحديثة حيث سجلت المملكة العربية السعودية أعلى معدل نمو عالمي على برنامج (Twitter) حسب إحصائيات  Social Clinic  لعام 2012م .
بعد هاتين المقدمتين حول أصل التواصل الاجتماعي و تجدد صوره و أن خلاف ذلك يحتاج إلى إثبات أقول : إن التواصل الاجتماعي رغم عبوره للقارات و كثرة تكتلاته إلا إن ذلك لا يعني أن نغفل بعض مظاهر البرود الاجتماعي داخل العائلة الواحدة و حاجتنا الماسة لما يسمى اليوم بالذكاء الاجتماعي  .





مهدي الرمضان:
هل الفردانية هي جبلّتك التي جبلت عليها؟

تصادف تواجد والداك في بقعة جغرافية معينة من هذه الارض وبنفس الفترة الزمنية من التاريخ فسمح لهما ذلك ولعائلتيهما بالتوافق والتعاقد والارتباط بالزواج.
تم التزاوج والتقى حيوان منوي واحد من بين ملايين غيره في مسيرة مباركة ببويضة كانت في وضع مناسب فتم تخصيبها في تلك اللحظة السعيدة وفي ذلك المكان فانتجت العملية كائن حي فريد هو انت.
لو اختلف تاريخ الزمن او البقعة الجغرافية بين والديك لما حدثت الصدفة التي هي انت.
وهذا اول مرتكز لفردانيتك. 
 انت كائن متفرد تمام التفرد لا يوجد ولن يوجد شبيه يماثلك ولا فرد آخر يطابقك منذ بدء الخليقة وإلى ان تنتهي حياة الكون. حتى وإن كنت احد توائم فأنت لا تزال وحيد في مكوناتك البيولوجية وسماتك وسجاياك الشخصية فانت وحيد فريد في هذا الكون.
انت تكونت جنينا في معزل عن غيرك وخرجت للعالم مولودا بمفردك وعشت لك كيانك وأنت محاطا باهلك وسرت في هذه الحياة وسط الزحام ولم تنسى للحظة ان لك كينونتك ووجودك المنفصل عن غيرك.
فإن شعرت بألم او بلذة او بسعادة وحزن  فهي احاسيسك ومشاعرك انت فلربما تشارك غيرك او يشاركك غيرك العواطف ولكن ذلك لا يلغي انك تمر في التجربة ذاتيا.
تعيش وسط كتل بشرية ولكنك لا تنفك تنشغل بأفكارك وهواجسك ومخاوفك ورغباتك وتطلعاتك وتصيغ منها جميعا خط مسلكية فريد يفرزك ويمايزك عن مسارات غيرك.
انت محظوظ لان جميع حواسك سليمة وتجعلك تتواصل بوضوح مع غيرك.
فقد تعلمت من صغرك إصدار اصوات يسميها الناس لغة وتخاطب بهذه الاصوات غيرك لتنقل لهم ما يدور بداخلك وايضا تتلقى منهم نفس الاصوات عبر اذنيك ليترجمها دماغك لمفاهيم و معاني.
جاركم عبد الله لديه ابن اسمه صالح ولد فاقد لحاسة السمع ولم يحصل على علاج لحالته للاسف فهو لا يتكلم ويعيش في شبه عزلة فيما عدى تواصله بما يفهمه من إشارات تعلمها من صغره وبصعوبة.

قد يتبادر لذهنك انك وانت تصلي جماعة في مسجد حارتكم ايام الجمع ان فردانيتك تنتهي بدخولك المسجد لتستعيدها بعد انتهاء مراسيم صلاة الجمعة.
ليس تماما.
العبادة والعلاقة بينك وبين خالقك هي خصوصية ذاتية تتحمل انت مسؤوليتها وتأخذ انت مكاسبها من خلال حث دينك لك ان تساهم في تحسين اوضاع المؤمنين غيرك بشتى الوسائل ولكن ذلك مقابل ثواب تقطف انت لوحدك ثمرته.
كل عمل جماعي خيّر تقدم عليه، هو مقابل شخصي لك انت لينتهي مضافا لرصيدك من الجزاء.
فهنا نرى في التعامل الديني المفروض و العبادات الحدود و الفواصل واضحة ان تعمل بمفردك لتحصل على الجزاء بمفردك حتى وإن كان العمل جماعي.
يبدأ قطف المردود عملك لك اولا ثم تفضلك للاقرب ويليها الابعد (ربي اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين) العبادات لا تلغي ابدا فردانيتك بل تعززها لتستثمرها انت لصالحك ولصالح غيرك. والاكثر وضوحا انك في النهاية ستحاسب فردا تحمل اوزارك على ظهرك يوم الحساب لن بتبرع احد غيرك ليرفع عنك.

تحملك افكارك بعض المرات لتتأمل حقيقة ماهيتك وهويتك وأين هو مكمن ذاتك الحقيقي. فهل انت اعضائك من اليدين و الرجلين وباقي جسمك. هل لو (لا سمح الله) فقدت أي من اعضاءك تفقد هويتك ام لا؟ الجواب لا خلاف عليه. انت تبقى انت ويعرفك غيرك حتى بفقد اعضاء من جسمك او ببعض حواسك كالبصر او السمع. ولكن لو فقدت فدرتك العقلية لتغير نظر الاخرين لك. اذا الواضح ان فردانيتك منبعها دماغك.
بصالاحيته وسلامته انت انت. وبغير ذلك فانت لست انت.
من منظور علمي محض تقيس انت موضعك مقارنة بغيرك فترى ان لك واقعا عالمك الخاص المنعزل تماما عن غيرك و سبيلك للتواصل مع غيرك هو دماغك ان كان سليما.
ومع ذلك لا زلت ترى حتى مع جلوسك وحديثك مع غيرك انك معزول تماما عنهم بدليل ان انتقال الصوت (اللغة المتبادلة) تحتاج وقت لتصلك ويترجمها دماغك و انت بدورك ترد عليها باصوات مقابلة تطلقها. خلال الفترة الوجيزه هنالك انقطاع عن الاخر فانت هنا في معزل في عالمك الخاص وكلما ابتعدت عن الاخرين كلما وضحت عزلتك. فتخيل انك تقيم على كوكب المريخ وترسل رسائلك بالواتساب فتحتاج لثلاثة عشر دقيقة لتصل لصاحبك في المبرز وثلاثة عشر دقيقة اخرى ليصلك الرد.
انقطعت تماما عن اهلك برحلتك للمريخ.
ولكن شعورك بالعزلة اقل لما سافرت العام الفارط للنمسا فشعرت بحنين للوطن و الاصحاب حتى وانت وسط انبهارك بحضارة الغرب ومدنيته.
الفردانية تصاحبك اينما تذهب او تعمل لانها هي الاصل وهي جبلّتك التي جبلت عليها فانت من تنازلت عنها مقابل حصولك على هوية فرعية وإنتماء يعطيك احساس بالأمن ويرفع من قدرة التمكين لديك كونك تنتمي لتكتل بشري كبير تشاركه في خلفياتك الثقافية و التاريخية.    
لتقضي على ألم الشعور بالوحدة في فردانيتك، تتنازل عن قسط من خصوصيتك و تضحي بجزء من حريتك لتحصل في المقابل على مكاسب يشاركك فيها التجمع الذي الزمت نفسك بالارتباط به.





فاخر السلطان
الفردانية و الجماعة بعد الربيع العربي

على الرغم من الأحداث "الربيعية" التي تشهدها المنطقة العربية، والتطورات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تصاحبها، إلاّ أن عنوان "الربيع" لا يزال يعتبر مبهما في علاقته ببعض قيم الحداثة، وما زال يواجه تحديات أساسية تؤكد الحاجة إلى معالجة مسائل تمس أصل وجود هذا العنوان. وفي ظل تلك التحديات تطفو مسألة المواطنة بقوة على السطح لتبرهن عدم انتمائها إلى ثقافة الكثير ممن يقودون الحراكات العربية، لتصبح مخرجات الحركة الشعبية التغييرية خارج أجندة تلك المسألة.

والمواطنة تبدو هنا جلية، خاصة حينما تتأسس على جملة من المفاهيم، من ضمنها بل وعلى رأسها مفهوم الفردانية، الذي يعتبر مفهوما جوهريا في التأسيس. فكثير من المراقبين والباحثين يؤكدون بأن الربيع العربي لم يؤد إلى تحقيق الفرد العربي لفردانيته، لأنها - أي الفردانية - لم تكن هدفا سعى دعاة التغيير إلى تحقيقه، ولم يكن الفرد هو هدف حركات التغيير، وذلك انطلاقا من أن الفرد على الرغم من تحقيق بعض التغيير لا يزال يخضع لمكونات المجتمع الخاصة بمختلف تشكيلاتها، كالعائلة والطائفة والقبيلة، حتى في ظل بعض التطورات "الإيجابية" التي صاحبت خضوع الفرد للجماعة في بعض المجتمعات، لكن ذلك لم يؤثر في إنهاء أو تقليص ريادة الجماعة على الفرد. فعلى الرغم من سعي الربيع العربي إلى إنقاذ المواطنين من الاستبداد الجاثم على صدورهم، والذي أثر سلبا في حياتهم، إلا أن ذلك لم يساهم في معالجة استبداد آخر متمثل في وصاية الجماعة على الفرد، ولم يتطرق إلى مساعي حصول الفرد على هويته الذاتية أو على فردانيته.

لا أشك للحظة بأن الأحداث التي سبقت ولحقت انتخابات مجلس الأمة الكويتي الأخيرة كانت لها علاقة ملموسة بشعارات وتطورات أحداث الربيع العربي، خاصة الشعارات الحقوقية والقانونية الدستورية التي رفعت أثناءها، والتطورات المرتبطة لا باستقالة الحكومة فحسب وإنما بتغيير شخص رئيس الوزراء السابق، لكننا لم نلحظ خلال الأحداث أي شعارات تحث على المواطنة المنطلقة من الفردانية، بل كل ما تم طرحه كان حثّاً على المواطنة دون الاستقلال من هيمنة وسيطرة أطر الجماعة، وبالذات جماعة القبيلة والطائفة. فالمواطنة الخاضعة للجماعة لا يمكن إلا أن تكون صورا مغايرة من الاستبداد. إنها شعور بالتحول تجاه صور الاستبداد السياسي، واستمرار في الخضوع لصور الاستبداد الاجتماعي. فأحد صور معالجة الاستبداد هو ذاك المنطلق من الفرد والساعي إلى تحريره من كل صور الخضوع في المجتمع.

لا يمكن لأحد أن يدّعي تحقيق إنجاز إيجابي متعلق بصورة المواطن الكويتي بجعله قادرا على أن يطالب السلطة السياسية بحقوق المواطنة الحقّة، في حين هو لم يستطع أن يتحرّر من أسر سلطته الاجتماعية المتمثلة بالقبيلة والطائفة. وحينما لا يتحقق الاستقلال من التبعية للجماعة الاجتماعية، سيستمر اهتزاز صورة المواطنة، وسيغدو الشك مسيطرا على ولاء الفرد للوطن انطلاقا من ضرورة اعتبار الفرد وحدة مستقلة منتمية للوطن، أي انطلاقا من الفردانية.

لذلك، لا يزال شعار المواطن أولاً، انطلاقا من علاقة ذلك بالولاء للوطن، ولتنظيم علاقاته السياسية والاجتماعية، بعيدا عن أولويات الخطاب العربي التغييري، ومنها الكويتي، باعتبار أنه لا يزال خطابا غير حداثي في علاقته بالفردانية، بل هو خطاب يضع حائطا بين شروط الحداثة وبين شعاراتها السياسية والاجتماعية، خطاب يبني شروط الحاضر على أسس الماضي غير المهموم بالفردانية.

فالفردانية هي شرط تاريخي لتحقيق التغيير البعيد عن مختلف صور الخضوع، ودعامة أساسية لبناء ديمقراطية حقيقية يراد من خلالها التأسيس لحرية الرأي والتعبير والاعتراض والنقد والنهوض باحترام حقوق الإنسان. ولن يتحقق ذلك إلا عبر عملية نقل انتماء الإنسان، من جماعات المجتمع الخاصة إلى الدولة غير الخاضعة لأي جماعة، بهدف تأسيس مواطنة حقّة ترفض مبدأ تجمع القوى وارتكازها في جهة واحدة.

وفي حين كانت الجماعات الاجتماعية سببا في عدم تطور الفردانية في إطار حركات التغيير العربية، لكننا يجب أن لا نغفل دور الجماعات السياسية المؤدلجة، من إسلامية واشتراكية وقومية، التي تراهن أيضا على ذوبان الفرد في الجماعة انطلاقا من أيديولوجيتها الرافضة للخصوصية الفردية، أي الرافضة للفردانية. هذا إلى جانب عدم إغفال حضنها الشمولي الذي يمتلك الحقيقة المطلقة مما يساهم في معاقبة أي فرد يخرج عن خط سير تلك الحقيقة التي تمثّل في نظرها "الخلاص النهائي" للبشر. فكيف يمكن لتلك الأيديولوجيات أن تقبل لفرد أو لأفراد أن ينازعوها حقيقتها المطلقة ورؤيتها للخلاص وللنهائية الحتمية؟

خارج أسوار "المطلق" لا وجود للرأي والرأي الآخر، ولا وجود لاحترام حقوق الإنسان الفرد. لذلك، علينا مواجهة الظاهرة "الجماهيرية أو القطيعية" - على حد قول جاد الكريم الجباعي في "الأوان" - التي تؤسسها ثقافة ذوبان الفرد في الجماعة، من أجل بناء فرد قادر على مواجهة الفرد والجماعة معا، فرد مستقل بذاته، إذ لولا تلك الاستقلالية الفردية فإن حركات التغيير العربية ستنتقل من صور استبداد معينة تابعة لأنظمة خاصة، إلى صور استبداد أخرى تهيمن عليها جماعات جديدة، اجتماعية وأيديولوجية.




علي البحراني  :

الفردانية بين الماضي و الحاضر

 كنا في السابق نميل للجماعة وعدم الانعزال بسبب ان لا مجال للانتماء الجماعي غير التجمعات العائلية منها والاجتماعية لذلك كان اللقاء هو المجال لتعرف ولتعرف بضم التاء عند الاخرين وللتعبير عن ذاتك بين الناس لكنها مهما امتدت تظل في نطاق ضيق محدود بحكم الحي والمنطقة والبلد

اما في وقتنا الحاضر فالامتداد الاجتماعي وعبر العالم الافتراضي غدى على أوسع نطاق واكثر شمولية فامكانية الانتماء للفرق والجماعات فضلا عن تكوينها اصبح من السهل جداً ناهيك عن اختلافهم دينيا وعرقيا ووطنيا حيث اصبح بالامكان تكوين تجمع من اقظار البسيطه وبالملايين في غرفة واحده من على هاتفك عبر تويتر كما ان حدود الحوار او النقاش قد زالت مع تعدد الثقافات والحريات

الا ان هذا الامر وسع معارفك من جهة واغلق عليك الباب داخل غرفتك من الجهة الاخرى فكثيرون من يديرون مجموعات ويعرفون ويحادثون الملايين من الناس لكنهم لا يستخدمون معهم حاسة اللمس فقد يرونهم ويسمعونهم ويحادثونهم لكن تبقى حاستي اللمس والشم غير قادرتين على تفعيلهما في ظل هذه الظروف

نعم وسع دائرة الجماعه لكنه أغلق على نفسه الغرفه وحتى ان اجتمع مع الاخرين تراه مشغولا بعالمه الافتراضي اكثر من الواقعي فقد اصبح ميالا للفرجماعية ( الفردية الواقعية من اجل الجماعية الافتراضيه )
وكلما زادت وتنوعت التقنية في هذا المجال كلما تفردج الفرد منا اكثر

فنحن على سبيل المثال ربما لم يعرف بعضنا بعضا في الواقع حتى اللحظة الا اننا عرفنا بعضنا هنا وشكلنا جماعة.





عقيل عبدالله :
بين فلسفتي الفرد و الجماعة

 ﺑﻌﺪ ﺍﻧﺘﻬﺎﺀ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻥ ﻳﺨﺘﺎﺭ ﺑﻴﻦ ﻓﻠﺴﻔﺘﻴﻦ ﺃﺛﻨﺘﻴﻦ ﻗﺴﻤﺖ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ، ﺍﻻ‌ﻭﻟﻰ ﺷﺮﻗﻴﺔ ﺳﻮﻓﻴﺘﻴﺔ ﺍﺷﺘﺮﺍﻛﻴﺔ ﺗﺮﻓﻊ ﺷﻌﺎﺭ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﺟﻞ ﺍﻟﻜﻞ ، ﺃﻣﺎ  ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻏﺮﺑﻴﺔ ﻟﻴﺒﺮﺍﻟﻴﺔ ﺗﻌﻠﻲ ﻣﻦ ﺷﺄﻥ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭ ﺭﻓﺎﻫﻴﺘﻪ ﻭ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺍﻥ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻫﻮ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻻ‌ﺻﻐﺮ ﻭ ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺈﻥ ﺇﻛﺘﻔﺎﺀﻩ ﻳﻌﻨﻲ ﺇﻛﺘﻔﺎﺀ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭ ﻧﺠﺎﺣﻪ .ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﺷﺪﻩ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﺴﻜﺮﻳﻦ ﻭ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺃﺳﺘﻄﺎﻉ ﺍﻥ ﻳﺤﻘﻖ ﺍﻟﻤﻌﺴﻜﺮ ﺍﻻ‌ﺷﺘﺮﺍﻛﻲ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻻ‌ﻧﺠﺎﺯﺍﺕ ﻭ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﺍﻟﺸﺮﺳﺔ ﺇﻻ‌ ﺃﻧﻪ ﻓﺸﻞ ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺭﻓﺎﻫﻴﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻔﺮﺩ ، ﻭ ﺃﻧﺘﻬﻰ ﻣﺸﺮﻭﻋﻪ ﺍﻻ‌ﺷﺘﺮﺍﻛﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺣﻮﻝ ﺭﺟﻞ ﻛﺴﺘﺎﻟﻴﻦ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻣﻦ ﺍﺟﻞ ﺍﻟﻜﻞ ﺍﻟﻰ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻗﻠﻴﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ ﺭﺃﺳﻬﺎ ﺳﻜﺮﺗﻴﺮ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﺍﻻ‌ﺷﺘﺮﺍﻛﻲ .ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﺗﺴﺒﺒﺖ ﺍﻟﻠﻴﺒﺮﺍﻟﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﺩﺓ ﻭ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺃﻥ ﻳﻈﻬﺮ ﺍﻻ‌ﻧﺴﺎﻥ ﺃﺳﻮﺀ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺷﻬﻮﺍﺕ ﻭ ﻏﺮﺍﺋﺰ ﻭ ﺷﺬﻭﺫ ﻣﻤﺎ ﻫﺪﺩ ﺗﺮﻛﻴﺒﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭ ﺣﻴﻮﻳﺘﻪ ﺑﻞ ﻭ ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺣﻴﺚ ﺗﺸﻬﺪ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻻ‌ﻭﺭﺑﻴﺔ ﺗﺮﺍﺟﻌﺎ ﻓﻲ ﺍﻋﺪﺍﺩ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ .ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ ﺣﺮﻳﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭ ﺣﻖ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺗﺸﻬﺪ ﺟﺪﺍﻻ‌ ﺩﺭﻭﻳﺎ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺳﻢ ﺍﻻ‌ﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ، ﻓﻘﻀﻴﺔ (ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺍﻟﻤﺜﻠﻲ) ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﺑﺮﺯ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻠﻴﺒﺮﺍﻟﻴﻴﻦ ﻭ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﻴﻦ ﻭ ﻫﻮ ﺍﻧﻘﺴﺎﻡ ﺑﻴﻦ ﺣﺮﻳﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭ ﺣﻖ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ، ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻻ‌ﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻣﺆﺧﺮﺍ ﺳﻌﻰ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺃﻭﺑﺎﻣﺎ ﻹ‌ﻗﺮﺍﺭ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﻳﻤﻨﺢ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺍﻟﻤﺜﻠﻲ  ﺻﻔﺔ ﺍﻻ‌ﺳﺮﺓ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻄﻲ ﺍﻟﻤﺜﻠﻴﻴﻦ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻻ‌ﻣﺘﻴﺎﺯﺍﺕ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻻ‌ﺳﺮ ﻛﺤﻖ ﺍﻟﺘﺒﻨﻲ ﻭ ﺍﻟﺪﻋﻢ ﺍﻟﻤﺎﻟﻲ ﻭ ﻏﻴﺮﻫﺎ ، ﻭ ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﺟﻮﺭﺝ ﺑﻮﺵ ﻣﻌﺎﺭﺿﺎ ﺑﺸﺪﺓ ﻟﻠﻤﺜﻠﻴﺔ ﻭ ﺳﻌﻰ ﻟﻤﻨﻊ ﺍﻱ ﺗﺸﺮﻳﻊ ﻟﺼﺎﻟﺤﻬﺎ ﻣﻌﺒﺮﺍ ﺍﻳﺎﻫﺎ ﻣﻬﺪﺩﺓ ﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻻ‌ﻣﺮﻳﻜﻲ . ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺍﺭﺍﺩ ﺍﻻ‌ﺑﺎﺀ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻻ‌ﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻻ‌ﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻛﺎﻥ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﻫﺎﺟﺲ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﻴﻦ ﺩﻳﻜﺘﺎﺗﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭ ﻃﻐﻴﺎﻥ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻟﺬﺍ ﺳﻌﻮﺍ ﺍﻟﻰ ﺻﻴﻐﺔ ﻓﺮﻳﺪﺓ ﻣﻦ ﻧﻮﻋﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻮﺍﺯﻥ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ، ﻓﺎﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﺍﻻ‌ﻣﺮﻳﻜﻲ ﻳﻤﻨﺢ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺣﻖ ﺇﻟﻐﺎﺀ ﺍﻱ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﻳﺼﺪﺭ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﻮﻧﺠﺮﺱ ﻣﺴﺘﺨﺪﻣﺎ ﺣﻖ ﺍﻟﻔﻴﺘﻮ ﻭ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻨﻮﺍﺏ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺘﻨﺴﻴﻖ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻣﻤﺎ ﻳﺨﻔﻒ ﻣﻦ ﻋﻨﺖ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ، ﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﻨﺢ ﺍﻟﻤﺸﺮﻉ ﺍﻻ‌ﻣﺮﻳﻜﻲ ﻟﻠﻜﻮﻧﺠﺮﺱ ﺣﻖ ﺍﻟﻮﺻﺎﻳﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻣﻤﺎ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻋﺎﺟﺰﺍ ﻋﻦ ﺻﺮﻑ ﺳﻨﺖ ﻭﺍﺣﺪ ﺩﻭﻥ ﻣﻮﺍﻓﻘﺔ ﺍﻟﻜﻮﻧﺠﺮﺱ ﻓﻲ ﺇﺟﺮﺍﺀ ﻳﻤﻨﻊ ﺗﻐﻮﻝ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭ ﺗﺤﻮﻟﻪ ﺍﻟﻰ ﺩﻳﻜﺘﺎﺗﻮﺭ ﻳﺘﺼﺮﻑ ﻛﻴﻔﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ . ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻻ‌ﺳﻼ‌ﻡ ﻭ ﻣﻦ ﺧﻼ‌ﻝ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺑﺴﻴﻄﺔ ﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻻ‌ﺳﻼ‌ﻣﻴﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺨﺎﻃﺐ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻛﻤﻜﻠﻒ ﻛﻤﺎ ﺍﻥ ﺍﻟﺤﺴﺎﺏ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻓﺮﺩﻱ ﻻ‌ ﺟﻤﺎﻋﻲ ﻭ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻻ‌ﺳﻼ‌ﻡ ﻓﺮﺩﻳﺔ ﺑﻘﺎﻋﺪﺓ (ﻭَﻟَﺎ ﺗَﺰِﺭُ ﻭَﺍﺯِﺭَﺓٌ ﻭِﺯْﺭَ ﺃُﺧْﺮَﻯ) ﻭ ﻟﻜﻦ ﺍﻻ‌ﺳﻼ‌ﻡ ﻻ‌ ﻳﻬﻤﻞ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻓﻬﻨﺎﻙ ﻣﺎ ﻳﻌﺮﻑ ﺑـ (ﻓﺮﺽ ﺍﻟﻜﻔﺎﻳﺔ) ﻭﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﺟﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ، ﻭ ﺍﻻ‌ﺛﻢ ﻻ‌ﺯﻡ ﻟﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻮﻡ ﺑﻪ ﺑﻌﻀﻬﻢ ، ﻭ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻄﺒﻴﻘﺎﺕ ﻛﺎﻟﺠﻬﺎﺩ ﻭ ﺍﻻ‌ﻣﺮﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻭ ﺍﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﻜﺮ ﻭ ﻏﻴﺮﻫﺎ .ﻭ ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻻ‌ﺳﻼ‌ﻣﻴﺔ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺗﻀﻌﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻣﻤﺎ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻧﺘﻬﺎﻛﺎ ﻟﺤﻖ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭ ﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﺇﻧﻐﻼ‌ﻗﺎ ﻭ ﺗﻄﺮﻓﺎ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺍﻟﻤﺘﻤﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﻧﺴﻖ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻣﻤﺎ ﻭﻟّﺪ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ "ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﻨﻔﺎﻗﻴﺔ" ﺣﻴﺚ ﻳﻠﺘﺰﻡ ﺍﻻ‌ﻓﺮﺍﺩ ﺑﺄﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺩﻭﻥ ﻗﻨﺎﻋﺔ ﻭ ﻳﻤﺤﻮ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﺷﺨﺼﻴﺘﻪ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﺫﺍﺗﻪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺠﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭ ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﺎﻓﺮ ﺧﺎﺭﺟﺎ . ﺇﻥ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻻ‌ﻋﺘﺒﺎﺭ ﻟﻠﻔﺮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻻ‌ﺳﻼ‌ﻣﻴﺔ ﺑﺎﺕ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻣﻠﺤﺔ ﻭ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺍﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻮﺍﺟﻪ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺫﺍﺗﻪ ، ﻭ ﺣﻮﺍﺭ ﻓﻜﺮﻱ ﺟﺎﺩ ﻳﻮﺍﺯﻥ ﺑﻴﻦ ﺭﻏﺒﺎﺕ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭ ﻳﺤﻤﻲ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ .