الجمعة، 15 نوفمبر 2013

الرثــاء والشعــر الحسيني

الرثــاء والشعــر الحسيني






المشاركون 

فارس النهر                                                     جاسم الصحيح
بحيرة ورد                                                      جاسم عساكر
سدرة العز                                                      جاسم عساكر
الحسين صرخة موجعة عبر الزمن                        مهدي الرمضان
لما فقدتك يا حسين                                           عقيل عبدالله
في حضرة الحسين عليه السلام                           جاسم الصحيح
الحمالي وهب و قداسة الاسماء                           كاظم الخليفة
في رحاب الشمعة الربانية                                  يحيى الجاسم
صورة عشق ضوئية                                        جاسم عساكر
سماسرة الدم                                                 جاسم عساكر
جدلية العقل والوجدان في الخطاب الشيعي             كاظم الخليفة
(الحسين) جرح يتدفق في مجرى أبديته                 جاسم الصحيح
شباكك المبكي ونحن مآسي                               جاسم الصحيح
المراثي والشعر الحسيني                                 حسين الملاك







فارس النهر))

في حضرة قمر الهاشميِّين العباس بن علي بن أبي طالب عليهما السلام..

وَقَفَ على الماءِ ظامئاً.. اغترف النهرَ في يده وتذكّر عطش أخيه فرماه إلى الأرض!



وَقفتَ على شطِّ الفراتِ مُعَلِّماَ

وسَطَّرتَ ناموسَ الأُخُوَّةِ بالظَّماَ

وعُدتَ.. وفي عينيكَ حَطَّتْ قبيلةٌ

من الشَّرفِ العالي فأَلفَتْ لها حِمَى

كأنَّكَ لم تحملْ من الماءِ (قِربَةً)

 ولم تنعقدْ زنداً عليها، ومعصماَ

ولكنْ حملتَ النهرَ من مستقرِّهِ

وأقبلتَ في أمواجِهِ ثائرَ الدِّماَ

وما عُدْتَ تزهو بالحديدِ مُحَزَّماً

ولكنْ بدستور الوفاءِ مُحَزَّماَ!

مشيتَ كما تمشي القصيدةُ في الهوَى

(مجازاً) شجيًّا أو (بديعاً) مُتَيَّماَ

حسامُكَ أهدَى الأبجديَّةَ حَدَّهُ

وباللغةِ الفصحَى جوادُكَ حمحماَ

هنا فارسٌ.. سيفٌ.. حصانٌ.. وقصَّةٌ

رواها لسانُ الريحِ حتَّى تلعثماَ

هنا أنت تغتالُ المسافةَ عابراً

من النهر أو بالنهرِ تنوي (الـمُخَيَّماَ)

هنا رُحْتَ تختطُّ المنايا قصائداً

وتكسو قوافيهنَّ لحماً وأعظماَ

هنا (القِرْبَةُ) الحُبلَى أراقوا جنينَها

من الماءِ فاغتالوكَ ورداً وموسماَ

هنا دمُكَ الممتدُّ من وَجَعِ الثرَى

إلى نجمة الحبِّ الأخيرةِ في السَّماَ

ذراعاكَ منهوبانِ إلاَّ عزيمةً

تمدُّ ذراعَيها إلى الله سُلَّماَ


ذراعانِ ما زالا على كلِّ موقفٍ

  يفيضانِ في مجرَى الضمائرِ (زمزماَ)

{    {    {


(أبا الفضلِ).. وارتدَّ الصدَى مثلما الندَى

رقيقاً كأنَّ الماءَ باسمِكَ تمتماَ

هنا روحُكَ انصَبَّتْ (فراتاً) و(دجلةً)

وأهدَتْكَ للدُّنياَ (عراقاً) مُعَظَّماَ

وجرحُكَ من فرط القداسةِ لم يزلْ

على هامةِ التاريخِ جرحاً مُعَمَّماَ

وكلُّ ذراعٍ من ذراعيكِ كوكبٌ

تَجَلَّى ليمحو عن سماواتِنا العَمَى

أتيتُكَ للسُّقياَ .. وهذا أوانُها..

فقد عادَتِ الذكرَى تهزُّ (المحرَّماَ)

تَدَلَّى على جفنيَّ غيمٌ من الأسَى

وألفاكَ عنوانَ الإباءِ فما هَمَى

ذراعايَ لو كانَتْ تليقُ بضيغمٍ

لَماَ خِلْتُها تختارُ غيرَكَ ضيغماَ !

أَتيتُكَ للسُّقيا ففي القلبِ صارمٌ

من العطشِ المسلولِ جمراً وعلقماَ

وثَمَّةَ أطفالٌ عُطاشَى بداخلي

تناديكَ: يا عمَّاهُ.. من خيمةِ الظَّماَ

فهَبْني بياناً يستعيدُكَ معجماً

من الشِّيَمِ الكبرَى ، ويجلوكَ منجماَ

فيا طالما اشتاقَتْ مدائنُ خاطري

تُوَشِّي مداهاَ من معانيكَ أنجماَ

ولكنْ تَخَطَّفْتَ العبارةَ من فمي

وعُدتَ .. وهذا أنتَ تختطفُ الفَماَ

كأنِّيَ في نجواكَ من فرط خشعتي

أقيمُ لنفسي في رحابِكَ مأتما

جاسم الصحيح 
************

) بحيرةُ ورد (

حكاية الدم الذي أزهر حباً وكرامة صبيحة سال من شرايين
)
الحسيـــــــــن) عليه الســلام فأوغل في شرايين الخلـــود :

إلى الله فوقَ براقِ المواجعِ في ذكرياتكَ
يسمُو بنا الشعرُ أطيارَ حزنٍ ترفرفُ بينَ الحروفْ

فينكشفُ الجرحُ عن مأتمٍ للجمالِ
يسائلُ :
ماذا تخبئُ خلفكَ من أغنياتٍ !!
يلحنّها الحبُّ للعاطلينَ عن الحبِّ
في كلِّ عامٍ يبيعونَ باسمِ العزاءِ جراحكَ
حينَ احتوتكَ السيوفْ

فخُذنا عريسَ الشهادةِ
ها نحنُ نطبعُ فوقَ جبينِ ( طفوفكَ )
مقطعَ أحلامِنَا فانتهينَا إليكَ
أتيناكَ ظمأىً كيومكَ يُلهبنا الشوقُ سوطاً
نجرجرُ قيدَ العذابِ الأليمِ ..
نلمُّ خطاكَ التي أزهرتْ بالفدى فوقَ أرضِ( الطفوفْ )

فتعشبُ فينا صلاةً سماويةً
وحقولاً من المجدِ تزهو ، وبيدرَ عزٍّ
وقافيةً منْ حتوفْ

تحلّقُ فيها طيورُ الكرامةِ  شوقاً
وركبُ الأماني عليها يطوفْ

وجرحُكَ يروي عروقَ الفداءِ برغم الفضاءِ اليبابِ
وعطرُ الشهادةِ في ( كربلائكَ ) يزكو
يعيدُكَ منكَ إلينَا
نضارةَ صبحٍ لهذي الحياةِ برغم الدخانِ ورغم الخسوفْ

و ( عاشورُ ) أيقونةٌ للوجودِ
نطلّ عليكَ ..
نراكَ بكلِّ الوجوهِ الثكالى
تَفَتَّقتَ سنبلةً من جراحٍ
إلى أن تدلَّتْ علينا القطوفْ

قرأناكَ في أعينِ البؤساءْ
أماناً كبيراً
يسيّج تلكَ القلوبَ التي أفزَعَتها الفجيعةُ في ( كربلاءْ)

وحُلماً جميلاً يداعبُ جفنَ العيونِ التي أسهبتْ في العذابِ
يغلِّفُها الحزنُ والشوقُ والذكرياتُ لأجلكَ يا جنةَ الشهداءْ

تهاوى بها السهدُ مجروحةً في الظلامِ
على شفرةِ الحزنِ مغموسةً في البكاءْ
سقطتَ فسالتْ دماكَ
بحيرةَ وردٍ يجدِّفُ فيها الإباءْ

وكانَ ( الفراتُ ) حزيناً
يلملمُ ضوءَ الشموسِ
ويرحلُ نحو الخفاءْ

تموتُ الطيورُ على شاطئيهِ
وتسقطُ ظمأى
وتهوي الأزاهيرُ من ( هاشمٍ ) ..
ويخرُّ الصحابُ ..
تجفُّ على الطينِ آثارُهمْ مثخنينَ ..
و أشلاؤهمْ مسكنٌ للرياحِ
وطلاّبِ حقٍّ
قد ابتكرُوا الموتَ نهجاً
على أن يهانُوا
فمدّتْ عليهمْ نخيلُ ( العراقِ ) ظلالَ المساءْ

وأكرمْ بِها أن تسيلَ الدماءْ
فمن هاهنا الابتداءْ
إلى هاهنا الانتهاءْ

ويا أيُّ هذا المجرّدُ من كل شيءٍ
سوى العزّ يومَ المحرّمِ
تندى عليه الورودُ ..
تزاورهُ الطيرُ بينَ النبوةِ جسراً وبينَ الإمامَةْ

يموتُ وكفّاه مرفوعتانِ
علامةَ رفضٍ
ويرفعُ للحقِّ هامَهْ

رأيتُكََ فوقَ ثغورِ المنايَا
علَى عَرَصاتِ ( الطفوفِ )
طريحاً يُحاصركَ الجيشُ ملقىً
وأنتَ تنادي : كرامَةْ كرامَةْ

أقول :
خطرتَ ببالي
فقمتُ أبلِّغُ باسمكَ كلَّ الرسالاتِ
من أوّلِ الشعرِ حتّى انتهاءِ القصيدَةْ

وكنتَ تضيءُ قناديلَ روحيَ
عزماً
بكلِّ الدروبِ
وتدلقُ فيهَا زيوتَ العقيدَةْ

وتلكَ السيوفَ التّي مزَّقتكَ
وغاصتْ بنحركَ حدَّ الصبابةِ
أذكَتْ فتيلةَ جُرحي وأَورَتْ وقيدَهْ

فداؤكَ قلبي
فأيكمَا اليومَ تحتَ السنابكِ
حزُّوا وريدَه !!

وفي ( الطفِّ ) كانَ الإلـهُ
عليكَ يعَوِّلُ
في أنْ تعيدَ الحياةَ لوجهِ الحياةِ
يُعدُّكَ فتحاً مبيناً
ونصراً لكل المعاني المجيدَةْ

سقطتَ ولم تسقطِ الأمنياتُ ..
تأرَّجتَ نسمةَ لطفٍّ من الخلد هبتْ
وما جفُّ نُبلُكَ
إذ كنتَ أنتَ على الأرضِ
رغم المنيّةِ .. رغمَ الجراحاتِ
رغم اغترابكَ
حلمَ النفوسِ الشريدَةْ

ورأسُكَ مازالَ فوقَ الرماحِ
يرتلُ سِفْرَ البطولةِ ..
يقرأُ باسمِ الإباءِ نشيدَهْ

سلامٌ عليكَ .. على ( كربلاءَ )
على عاشقيكَ
على كلِّ روحٍ بيومكَ
خرّتْ بفيضِ الدماءِ شهيدَةْ
●     ●    ●
 جاسم عساكر



(سدرة العز)

تَمرُّ بيَ الذكرى فأستلهمُ الذكرى
صلاةً تعيدُ الفجرَ في أفقهِ فجْرَا

وآتيكَ من أقصى ابتهالاتـيَ التي
أهالتْ عليكَ الشوقَ هائمةً سَكْرَى

وأدخلُ محرابَ الفجيعةِ علّني
أقوّمُها وزناً وأجبرُها كَسْرَا

تضيءُ سماءَ الجرحِ روحي فأنحني
لأشبعَهُ لثماً وأسبرَهُ غَوْرَا

وألقاكَ حيثُ القلبُ عانقَ ( سهمَهُ )
فأورَقَتِ الأحلامُ من نزفهِ زهْرَا

كما أنتَ ( يومَ الطفِّ ) قدّمتُ خافقي
إلى مذبحِ الآلامِ يوسعُهُ نحْرَا

هُوَ الحزنُ لـمْ أنظمْهُ إلاّ مشعّباً
بثلثينِ من قلبي ولم ينتظمْ شعْرَا
●    ●    ●
أمطْ عنْ مُحيّا ( كربلاءٍ ) لثامَهُ
و دعْ صورةَ الأمجادِ مكشوفةً سِتْرَا

وعلّقْ مصابيحَ الكرامةِ ، علّها
متى ذلّتِ الأجيالُ أن تفهمَ السرّا

ويحيا بِها ( العبّاسُ ) إذ حلّقَتْ بهِ
سجاياهُ ، لا يُمنىً ترفُّ ولا يُسرَى

روائعُ منذُ ( الطفِّ ) شقّتْ قماطَها
إلى الآنَ لـمْ تبرحْ محامدُها تتْرَى

فخُذني ( أبا السجَّادِ ) خُذني حمامةً
تلهّتْ بِها ريحٌ فلاقتْ بكَ الوكْرَا

وأشرعْ أمامي نهرَ عزٍّ فلم تزلْ
مجردةً ، روحي لكي تعبُرَ النهْرَا

وهَبني منَ المصباحِ لمحَ فتيلةٍ
يرافقُني درباً ويرشدُني مسْرَى

و حسبي إذَا ما متُّ في الحبِّ أنّني 
أضيفُ إلى عمري ـ كما أشتهي ـ عُمْرَا

تُرى هل ستكفيكَ السواعدُ ضمةً
وقد جئتَ لا رأسا حملتَ ولا صدْرَا ؟!!

وها إنّني من ألفِ نارٍ تسومُني
حنيناً ، إلى لقياكَ أستبطنُ الجمْرَا

تَمزّقتِ الأكفانُ عنّي وها أنَا 
نَهَضْتُ إلى ذكراكَ منقلِباً حشْرَا

وجئتُكَ فـي مليونِ سطرٍ ، مولَّعاً
أخطُّ هنَا سطراً وأمحو هُنا سَطْرَا

إلى أنْ تناهى في شواطيكَ خافقي
ليقضي على زنديكَ من لهفتي وطْرَا

وينموُ على مرِّ المدى ياسمينةً
تهرِّبُ للأجيالِ من نفحِها عطْرَا
●    ●    ●
جاسم عساكر

********

الحسين صرخة موجعة عبر الزمن 

اي زلزال حسيني ضرب الزمن ولا تزال هزاته الارتدادية تحدث آثارها حفرا بعمق في قلوب المحبين؟ 

اي صرخة للحسين عبرت الزمن وانطلقت في نسيجه تتعدى الاجيال ولا تزال في قمة عنفوانها لم تتباطئ في تغلغها او يخفت تردد صداها او تنتهي امثولتها كصرخة لكل الثوار و الاحرار؟ 

اي زخم لثورة الحسين لا تزال تكتسب قوة و تزداد عزم واندفاع كل عام و تخترق بقيمها القلوب وتحتل العقول في المجتممعات البشرية في كل آن وزمان؟ 

اي معاني عظيمة اكتنفتها نهضة الحسين ولا يزال مداد الكتّاب لم ينضب في سبر اغوارها ولم تهجع قرائح الشعراء عن نظم قوافي التغني بها؟ 

اي مدارس اسسها للعالمين خروج الحسين في الإباء والعزة و الشمم وعدم الانثناء في مقارعة الظالمين او الانتكاس في المواقف امام ضراوة و وحشية الاستبداد؟

اي رواسخ إيمان تحلى بها الحسين حتى غدى قدوة لتغليب مبادئ الاخلاق وقيم الدين على سلامة الروح و حفظ الولد والزوج و المال؟

اي انتصار و ترسيخ للإسلام اتبعه الحسين يوم الطفوف لم يثني عزمه و لم يليّن عريكته مواجهته للموت والعلم بسبي النساء؟

اي كرم استجابة لباها الحسين بشهامة إيمانية ونبل فروسية عند استصراخه من اهل الكوفة ليخلصهم من الجور و الطغيان؟

اي شجاعة و قوة شكيمة اظهرها الحسين بثورته وبوقوفة شامخا متماسكا لم ينحني مع قلة صحبه وتخاذل ناصريه مقابل جيش دولة طغيان يفوقه باضعاف عددا وعدة؟

اي تضحيات قدمها الحسين واعيا ومدركا ليحفظ بيضة الدين و ينأى بالقيم و المبادئ من المساس والاختطاف من قوى الظلام والجبروت الغاشم؟

اي ألم اعتصر قلب الحسين وطفله يفرفر كطير دبيح بين يدية ضامئا وسقوط صحبه واخوته وابنائه مجندلين صرعى على بوغاء كربلاء؟

اي صبر للحسين وهو يقاسي وحيدا فريدا فقد مناصريه ويسمع نوح و بكاء النساء وصياح الاطفال عطشاً؟

اي ارواح غالية ارخصها الحسين ليظهر الحق على الباطل و ليقيم حكم الايمان على جور الفسوق؟ 

اي قيمة يمكن ان يمنحها التاريخ لسيد الثوار و ابا الاحرار مهما بلغت و ارتقت فلن تبلغ مدى ما بلغ الحسين من علياء وارتقاء في مراتب العز و الكرامة و الايمان؟

اي حزن ينتابنا واي تجديد عهد يبقينا متبعين نهجه سالكين سبيله في نصرة الاسلام وطريق الايمان في ذكرى استشهاد هذ الطود الاشم سليل النبوة وسيد الشهداء وابو الاحرار الإمام الحسين عليه السلام؟

عظم الله اجورنا و اجوركم بمصابنا في الإمام واهله و اصحابه.  

مهدي الرمضان
*********

(لما فقدتك يا حسين)


عندما كنت طفلا ..
كنت مؤنسي
وجدت فيك كل ما اريد
اشبعت غروري
و ارويت ظمئي

يا حسين ...
كنت يوما ما مرشدي
كنت الدليل الى حيث الطريق
كنت نجم لامعا حين يحل الظلام
كنت المنطلق و إليك المنتهى

يا حسين ..
لما فقدتك حينما احتجت اليك
لما احتجبت عني ايها الحبيب
لما جلل بهاؤك بعض السحاب
لما اختطفوك من بين احظاني

يا حسين
ألست قائد الاحرار في دروب الحياة
ألست أمير الحب في ميدان الوالهين
ألست معلم المعارف في جامعة الرب
فلماذا فقدتك يا سيدي

يا حسين
يا أملي الوحيد الذي بقي
لم غدوت بعيدا عن ناظري
و بيني وبينك الف رجل
و صار السبيل إليك صعب المنال

 عقيل عبدالله

*********

(في حضرة الحسين عليه السلام) 


مِنْ خلفِ جُرْحِكَ لا تُصَلِّي الأحرفُ

حتَّى يُوَضِّئَها بما هُوَ ينزفُ

الجرحُ ليسَ سوى إمامِ قيامةٍ

والمؤمنونُ بهِ الذين اسْتُضْعِفوا

الجرحُ مسرانا إليكَ، دليلُنا

عبر الدروبِ، حنينُنا المُتَلَهِّفُ

الجرحُ منظارٌ بـقَلْبِكَ مُوغِلٌ

أَبَداً يُطِلُّ على الخلودِ، ويُشْرِفُ

الجرحُ بستانُ الشهيدِ، ووَرْدُهُ

مُلْكٌ لـمَنْ عَرَفُوا شذاهُ، وعَرَّفوا

ما بالُ مَنْ عَرَفُوا شذاكَ، وشَفَّهُمْ

منكَ التَّوَرُّدُ.. فَاتَهُمْ أنْ يقطفوا ؟! 

نَتَفُوكَ من بستانِ جُرْحِكَ وردةً

والوردُ يُقْطَفُ..إنَّما لا يُنْتَفُ!

 {    {    {

يا قارئَ الأجيالِ أَصدقَ رؤيةً

مِمَّا بِها قَرَأَ السنابلَ، (يوسفُ)

المجدُ للرأسِ القطيعِ فلم يزلْ

يُعلي الرؤوسَ بمجدِهِ، ويُشَرِّفُ

ما أَخَّرَتْ عنكَ الحياةُ سجالَها

في كلِّ ما نَسَجَ الرُّواةُ وأَلَّفُوا

يتساءلونَ عن انتفاضةِ وَجْدِنَا:

ما سِرُّ هذا الوجدِ؟! كيفَ يُكَفْكَفُ؟!

رَبَّى لَكَ التاريخُ أشرفَ دمعةٍ

في الأرضِ.. لا زيفاً، ولاتَ تَزَلُّفُ

وتَفَجَّرَتْ لَكَ بالأنينِ بحيرةٌ

في جمرِها مُهَجُ السِّنين تُجَدِّفُ

أَمُوَفِّيًا كيلَ الفداءِ بـروحِهِ..

ها نحنُ في كيلِ الوفاءِ نُطَفِّفُ!

نحن الصدى العالي وما نفعُ الصدى

ما دام صوتُكَ في مدانا يهتفُ

نزهو بـصورتِـنا لأنَّكَ أصلُها

فإذا أضأتَ فـظِلُّنا يَتَقَصَّفُ

يُوحي لنا الزمنُ المُحَنَّطُ أنَّنا

أبداً لـذكراكَ الفَتِيَّةِ, مَتحفُ

جئناكَ بالصمتِ العميقِ,كأنَّنا

حقلٌ من القَصَبِ الشجيِّ مُجَرَّفُ

أَهْدَيْتَنَا الإعصارَ -ذاتَ قيامةٍ-

بـيَدٍ تشيرُ: تَعَلَّمُوا أنْ تَعْصِفُوا!

زُفُّوا النضالَ إلى الكرامةِ شائكاً..

هيهاتَ يَطْمِثُها النضالُ المُتْرَفُ!!

يا مَنْ سَكَكْتَ من الشهادةِ عُمْلَةً

أبدًا بغير ضحيَّةٍ لا تُصْرُفُ

ماذا يظلُّ من الضحايا حينما

يغدو الشهيدُ بضاعةً تُسْتَنْزَفُ؟!

{    {    {

يا أوَّل الدَّمِ في حكايةِ ثورةٍ

تُطوَى عليكَ فصولُها، وتُغَلَّفُ

أَشْجَى حصانَكَ أنْ رأى بكَ فارساً

شهماً، يرقُّ على الحياةِ، ويعطفُ

فـبَكَاكَ في وهج المعاركِ حينما

لم يلقَ مَنْ يحنو عليكَ ويرأفُ

وهناكَ سَيَّلْتَ الصهيلَ جداولاً

ترتادُها خيلُ الزمانِ، وترشفُ 

وَقَفَ الإلهُ مدافعاً عن مجدِهِ

في (كربلائِـ)ـكَ، والألوهةُ موقفُ!

رفقاً بـخيبةِ قاتليكَ، ورأفةً

إنْ قَطَّعَتْكَ رماحُهُمْ والأسيفُ

هذي رفاتُكَ في الشعوبِ تَوَزِّعَتْ

فأضاءَ منكَ لكلِّ شعبٍ, (مصحفُ)

مُذْ صاحَتِ الدنيا: (حسيييينُ) ولم يزلْ

لحنُ انسجامِ الكونِ باسمكَ يُعْزَفُ

ما غبتَ في جُبِّ السنين، وإنَّما

تفتضُّ أوردةَ العصورِ وتزحفُ

هذا ضميرُ الحرفِ يغمسُ كَفَّهُ

فيما تَجَمَّرَ من لظاكَ، ويغرفُ

الحبرُ ما لم يَعْتَنِقْكَ مُزَوَّرٌ

والفكرُ ما لم يَعْتَمِرْكَ مُزَيَّفُ

والحبُّ دون هواكَ نبعٌ غائرٌ

والوعيُ دون رؤاكَ قاعٌ صفصفُ

حَمَّلْتَنَا بالوجدِ ألفَ صبابةٍ

فنكادُ من صلصالنا نتخفَّفُ

فإذا تطرَّف مغرموكَ وأحرقوا

وجهَ الحقيقةِ، فالغرامُ تَطَرُّفُ!

زيتُ القناديلِ الجريحةِ لم يزلْ

بـضِيَاكَ في مشكاتِهِ يَتَصَوَّفُ

ضَعْنَا على مرمى الحقيقةِ، إنَّنا

عبر احتمالات الجهاتِ نُهَدِّفُ

واطمثْ بمائِكَ رَحْمَ كلِّ إرادةٍ

عَقِمَتْ، فماؤكَ بالخصوبةِ ينطفُ

لَكَ أنْ نُوَظِّبَ في قلوبِ صغارِنا

درسَ النضالِ.. ولاتَ قلبٌ يرجفُ!

{    {    {

يا مالئا منِّي الخيالَ بـصورةٍ

عظمى، يغصُّ بها الخيالُ الأجوفُ

بين (المُخَيَّمِ) و(الفراتِ) إخالُني

أسعى بـمُهْرِ قصيدتي، وأُطَوِّفُ

والوقتُ من سهرٍ يفيضُ، ومن دَمٍ

والأرضُ تقضمُها الطغاةُ، فـتَنْحَفُ

وأراكَ: تقدحُ منكَ ألفُ شرارةٍ

فتطيرُ ألفُ فراشةٍ وترفرفُ

يتوهَّج المعنى فـتُزْهِرُ فكرةٌ

وتُشِعُّ بالنُّقَطِ الوضاءِ، الأحرفُ

وأنا أخرُّ على البياضِ مضرَّجا

بالنصِّ حيث دمُ الشهادةِ يرعفُ

أُهدي (الفراتَ) من القوافي شاطئاً

يرمي بـغَرْقَاهُ عليهِ، ويقذفُ

عينايَ آخرُ خيمتينِ بـ(ـكربلا)

محروقتينِ بهاجسٍ لا يُذْرَفُ

ثَقَّفْتُ دمعيَ في عزاكَ فـخانَني..

ما ثَـمَّ دمعٌ في العزاءِ يُثَقَّفُ!

لا حزنَ في حزنٍ يُفَلْسِفُ نَفْسَهَ..

الحزنُ حيث الحزنُ لا يتفلسفُ!

نحتاجُ أنْ نبكيكَ أكثرَ، طالما

بالدمعِ يَصْقُلُناَ البكاءُ ويُرْهِفُ

هيهاتَ يرضَى عن طهارةِ نَفْسِهِ

مَنْ لا يُطَهِّرُهُ الأسَى ويُنَظِّفُ!

{    {    {

قَسَمًا بـبَعْضِكَ.. ما هناكَ عظيمةٌ

في الدَّهرِ تُقْنِعُنِي -بـكُلِّكَ- أحلفُ

قلبي عليكَ تَجَذَّرَتْ نَبَضَاتُهُ

نَخْلاً بآهاتِ الأسَى يَتَسَعَّفُ

من فيضِ نحرِكَ فاضَ نهرُ مبادئي

واجتاحَ ما زَعَمَ الطغاةُ، وأَرْجَفُوا

لم يَحْرِفُوني عن محطَّاتِ الفدى

فأنا وراءَكَ فكرةٌ لا تُحْرَفُ

بعضي يُغَطِّينِي ببعضيَ مثلما

حقلٌ عليهِ من السنابلِ شرشفُ

أَتْبَعْتُ غربتَكَ السحيقةَ غربتي

والدربُ يجمعُ خطوَنا، ويُؤَلِّفُ

في داخلي قمرٌ يضيءُ، وخارجي

قمرٌ ولكنْ من ضِيَاهُ مُجَفَّفُ

ما دامت الدنيا طريقَ مهاجرٍ

ستظلُّ فيها غربتي تَتَكَثَّفُ

{    {    

جاسم الصحيح

********

(الحمالي "وهب"، وقداسة الأسماء)

إلى جناب الأخوند العزيز.. 

الحسينية في آخر "الساباط".. قبلها تنحني "الصكة" ثم تستقيم متلويةً بجدرانٍ قرض في طينها الزمن وبانت نتوءات أحجارها الكلسية البيضاء وبالكاد يمسكها الطين .. ترفد في نهرها جداول الصكك الفرعية، وفتات الكلس يصبغ التراب أسفل الجدران بالأبيض ليخفف من اللون الرمادي لتراب "الصكة". ذلك هو المنظر وزرافات الناس القادمين إلى مجلس التعزية في ليلة السادس من المحرم. 
أصوات متداخلة، وأطفال يلاحقون قطةً شقيةً، لم يمنعها ركل أرجل المارة الكثيرة والغبار المنبعث من مناوراتها الأطفال والمواء. يُفهم من أصوات النداء أنها تبحث عن "وهب"!.
كبار السن تعودوا على أخذ جرعتهم الليلية من التبغ قبل بدء مأتم العزاء، بعضهم يصطف كالغربان السوداء "كما ينعتهم وهب" يمتصون أعواداً من القصب .. وتلك كانت إحدى مهام وهب في عمله الليلي طيلة أيام المحرم؛ تقديم الأعواد للمتشحين بالسواد، ووهب يجيد تقدير منسوب الماء في الإناء الخزفي، وكذلك تعبئة التبغ ورص الجمر. هكذا هم ضيوفه .. أما وهب  فيلتقمه مطبخ الحسينية الجانبي، يستلقي في ضيقه ويحتسي مشروب أعواد القرفة المغلية "الدارسين" والمحلاة بكثير من السكر، ولا ينوي الاستجابة للنداءات المتكررة. هي ليلته والتي يحتفي بها أكثر من يوم عاشوراء!! .. ما عدا ليلة السابع فهو يخاف من العباس أبن علي، ويحبه لأنه يحقق طلبات والدته المتكررة عندما تستشفع إلى الله بحق "كفوفه المقطوعة".

هذه الليلة، تخصص حسب الأجندة العاشورائية، لذكرى أصحاب الحسين، الذين استشهدوا في واقعة طف كربلاء.. ومن ضمنهم "وهب بن حباب الكلبي"، النصراني الذي أسلم وقاتل مع الحسين؛ ثم يستشهد هو وزوجته "هانية". 
يقدم كأس الماء إلى قارئ التعزية، ويخصه وحده هذه الليلة بقصب النرجيلة الخشبي الجديد الذي يحرص وهب على أن أول من يستخدمه هو "الملا"، وفي هذه الليلة بالذات. 

يستحضر وهب من خلال أقصوصة هذه الليلة خلاف والدته الدائم مع زوجته "فوزية"، وشكاواها التي لا تنتهي من تصرفاتها المشاكسه؛ هي طبيعة النساء!؟ يقولها في نفسه، وعندما يأتي الخطيب "الملا" على سرد قصة استشهاد وهب، ووالدته التي تحثه للذهاب إلى الجهاد مع الإمام الحسين، وزوجته التي تخشى عليه من القتل، ثم تبقى أرملة.. فقيرة وضعيفة. كما هو وضعهم قبل قدوم الإمام الحسين ومروره على خيمتهم المهترئة الناتئة في تلك البراري التي يشح فيها الماء. وقتها.. قام الإمام الحسين باقتلاع صخرة قريبة من الخيمة ليتفجر ينبوعاً ثرّاً بالماء؛ كما يفعل السيد المسيح مع الضعفاء. 
في يوم العاشر من المحرم يذهب وهب الكلبي إلى المعركة بالرغم من معارضة زوجته .. يقاتل دفاعاً عن الإمام ويستشهد.. وكذلك هم بقية أصحاب الإمام وإخوته. يوجه الإمام خطاباً لأعدائه ويستثير فيهم نخوة العرب وحمية الإسلام. معسكر يزيد بن معاوية غلب على قلبوهم الشيطان فأنساهم ذكر الله .. والحق .. ونصرة المظلوم .. إلا هانية! فقد أخذت عمود خيمتها التي انهارت بعد مقتل عميدها وهب؛ وأخذت تقاتل جيش الأعداء حتى أستشهدت في بطولة فريدة؛ فوزية قد تطالها مسحة قداسة الإمام وتكف عن إثارة القلاقل في بيته. قالها وهب وهو يدعوا الله أن يهديها.

في مثل هذه الليلة يحتفي وهب بأسمه. كلما ذُكر اسم "وهب" يبتسم بالرغم من جو الحزن الصادق والنفوس المشحونة بالألم الكبير لمصاب سيد الشهداء الحسين بن علي وعائلته وينظر إلى الحضور عله يفوز بمن يتذكره أيضاً فيلتفت إليه.. يتنقل ببصره بين الجموع فيصطدم بوجه أبي فاضل التاجر، يمسح الرؤية من ذاكرته.. سيطالبني بالإيجار المتأخر.

كاظم الخليفة
********

(في رحاب الشمعة الربانيّة) 

 خاطرة في رحاب الحسين عليه السلام ، 

الحسين حراك حضاري بحجم الإنسان ..

حسٌ إنساني مرهف و صلابة في الحق لا توصف ..

صرخة تعجن الوعي على أرض الواقع ..

الحسين ليس رواية بكاء ..

بل رسالة ضياء ..

كالشمس 

تنير للمصلحين دروبهم  

و تقترب من المفسدين فتزيحهم ..


يشرق كل يوم 

فيعطي للحياة معنى آخر ..

يستقيظ كل فجر ليقول 


أنّ الحياة كرامة.


يحيى الجاسم
**********


(صورةُ عشقٍ ضوئيّة)

جاؤُوا على ولَهٍ
يقودُ ركابَهمْ ظمأٌ إليكَ
ويُشعلُ العتماتِ ملءَ دروبهمْ
قمرٌ حزينٌ قد أطلّّ علَى العوالمِ من نوافذِ ( كربلاءْ )

جاؤُوا يسابقهُمْ إليكَ حنينُهم
كي ينقشوا أسماءهم ألقاً مضيئاً في سجلاّتِ الوفاءْ

همْ أسرجُوا خيلَ الكتابةِ
لفّعوا وجهَ القوافي بالسوادِ
وأمطرُوا أرضَ القصيدةِ بالأسى
ثم انثنوا يتلُونَ أبياتِ الرثاءْ :

نصٌّ بديعٌ هاهُنا متلفّعٌ لونَ الحدادِ
وآخرٌ يزكُو بهِ وردُ الكرامةِ عابقٌ بالكبرياءْ

أزهرتَ في دمهمْ سنابلَ من وعودٍ
لا تموتُ ولا تخيبُ
فأنتَ وحدَكَ من تعبّئهمْ بآمالِ اللقاءْ

وهمُ الوفاءُ تجمهروا رغمَ الجراحِ
لينقلُوا صُوَرَ الفجيعةِ من ( طفوفكَ )
عبرَ شاشاتِ القصيدِ على الهواءْ

رَسَمُوك في لوحِ المحبةِ
صورةً ضوئيّةً تزهُو على ليلِ ( المحرّمِ ) ..
أشعلُوا ناراً من المعنَى البهيّ
وأوقدُوا بالشوقِ مدفأةَ الشتاءْ

مازلتَ تطلعُ في مصابِ العاشقينَ
تبلُّ أوراقَ الحزانَى بالندى
تروي لهم قِصصَ الفداءْ

يا حلمَنا المسجونَ خلفَ رسائلِ الذكرى
ويا وطنَ الكرامةِ
يا عصيّ الانحناءْ :

يا شعلةَ الصبرِ المضاءةَ
في شوارعِ عُمرِنا
الآنَ انتفضْ ..
هدهدْ صراخَ حياتنا
إنَّ الشقاءَ هُو الشقاءْ

جئناكَ نعثرُ في ظلامِ الوقتِ
فانثرْ من صباحكَ حزمةً
وأقمْ لنا عُرسَ البطولةِ
ربَّما الموتى هُنا يتمرّدونَ على الترابِ
وينهضُونَ من الكفنْ

أو ربَّما ابتكرُوا طريقاً واحداً
للأمنِ يُنجي الأرضَ من لهَوَاتِها
ويحطّ عن أكتافِها ثقلَ المحنْ !!

مولايَ ، لم تبرحْ يدايَ على السطورِ
تُسلسلُ الحرفَ الأليمَ
بآهةٍ مسعورةٍ
والحرفُ ضجَّ مسائلاً :
نشكُو لمنْ .. نشكُو لمنْ !!!

لا ( ثورةُ السبطِ الشهيدِ )
تحفّـزَتْ أمجادُها
لم ينتبهْ ( صلحُ الحَسَنْ )

ضاقتْ مساحةُ أحرفي
يا ربُّ :
ضاقتْ أرضُك الكبرى حياليَ
فانتشلْ هذا الفؤادَ من الحَزَنْ

عُد بي إلى وطنِ الأمانِ
فلمْ أزلْ أرنُو إلى صبحٍ جديدٍ
قد يعودُ بهِ الأمانُ إلى الوطنْ

●     ●    ●

جاسم عساكر



(سماسرةُ الدم)

حملُوا مطامعَهمْ على أكتافهمْ
ومضَوا يُفتّشُ بعضُهم عن إسمهِ
والآخرونَ عن الغنائمِ في قلوبِ المؤمنينَ ..
عن الجُمانْ

مستبصرونَ ، كما يُقالُ إذا (تجعفرَ) (مالكٌ)
نادَوهُ : يا فرسَ الرهانْ

رسمُوا (ضياءَ الصالحينَ) بأفقهمْ
وبجيبهم حملُوا (مفاتيحَ الجنانْ)

قد جسّدُوا شرعَ المذلةِ ، وانثنَوا
شنقُوا (الحسينَ) على حبالِ الصوتِ
ليلةَ قتلهِ
حيثُ الطعانُ على الطعانْ

واستفردُوا بالنهرِ لا شربَ (الرضيعُ)
ولا ارتوى منهُ الحصانْ

زَبَدٌ ، تداخلَ في اختلاطِ الفهمِ
يوهي طاقةَ استيعابهمْ
فتشابكتْ صورُ الحقيقةِ
لم نقعْ منها على رسم (الحسينِ)
ولم نجدْ فيها شمائلَهُ الحِسانْ

حزُّوكَ يا رأسَ الحقيقةِ
من عروقكَ ـ ما بكوا أسفاً عليكَ ـ
وعلّقوكَ على سنانْ

مازالَ في وسطِ الزحام ممدداً
حقلُ البنفسجِ جثةً
والبومُ أشغلَها النياحُ
على غصونِ المذهبيةِ بالمراثي و(الأبوذيَّاتِ)
أشغلها
ولم تشغلْ سوى مقلٍ قد اقتُصرتْ على الدمعِ الجبانْ

أنا ما اعتزلتُ مجالسَ الذكرِ
التي صدحتْ بإسمكَ يا أنيسَ الجالسينَ
ولم أضقْ بالنعيِ في شفةِ المعزينَ
الذينَ هفوا إليكَ مولعينَ
ولم أغبْ
إلاّ لأحرسَ هيبةَ المصباحِ
في يومِ انتصاركَ
لا أريدُ لشعلةٍ أسرجتَها بالعزّ
أن تلهو بها كفُّ الهوانْ

مازالَ سجَّانوكَ في أرضِ المراثي
يلهبونَ عواطفَ الموتى
ولا تنقيبَ عن أيِّ المعادنِ في بواطنِ ذكرياتكَ
غيرَ ما نثرَ اللسانْ

عذراً ، صفوفَ الخانعينَ
فقد أمزِّقُ كلَّ نصٍّ (كربلائيٍّ)
إذا لم أستعدْ نصَّ الكرامةِ
من لصوصِ زاالوقتِ
لا أرضي هنا خضراءُ من مطرٍ أبيٍّ
لا ولا زمني يباركُ عزَّتي
صلّى (يزيدٌ) في محاريبِ (الحسينِ) فما تبقّى يا زمانْ !!

●     ●    ●

جاسم عساكر

*************


"جدلية العقل والوجدان في الخطاب الشيعي"

{ إن وجده والله بين لهاتي ، ومرارته بين حناجري وحلقي ، وغصص تجري في فراش صدري} الإمام زين العابدين (ع)

لا يتخلى العقل الشيعي عن قضيته الأولى وتموضعها على قمة هيكله الهرمي، الوصية وغدير خم، ويبقى الحسين وثورته متحركاً بين منطقتي العقل والروح. أما كربلاء فهي تحتل كامل الوجدان الشيعي وعاطفته بمنهجية هيأتها الممارسات العاشورائية الطويلة، فهي تتخفف من رموزها المتمثلة في شخصيات الطف على مدى التسعة الأيام الأولى: مسلم، وحبيب وكامل الأنصار، العباس وأولاد الحسين.. لتبقى كربلاء وحدها في اليوم العاشر ومساءاته.. سبي النساء. عندها فقط تبتعد عاطفة الحزن، وتتحرك النخوة والغيرة الأصيلة في الكائن الحر. " يا أبا حمزة والله ما نظرت إلى عماتي وأخواتي إلا ذكرت فرارهن في البيداء من خيمة إلى خيمة". 
وهذا ما يشقي العقل الشيعي و"الهاشمي" بالخصوص  ويأزمه، ويلقي بظلال الماضي على مسارات استيعابه للأحداث الجارية. 
يذكر الدكتور علي الوردي في كتابه "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث":
{يروي علي البازركان أنه كان في ضيافة الشريف حسين في مكة عام ١٩٢١ عندما وصلته برقية من بعض رؤساء العراق يطلبون منه ابنه فيصل ليكون ملكاً عليهم، فقال الحسين: ولكني أخشى يا شيخ أن يعامل أهل العراق فيصلاً كما عاملوا جده الحسين من قبل}. 
و بعد تتويجه ملكاً على العراق، طلب فيصل من أبيه الشريف حسين أن يرسل عائلته، زوجته وأطفاله، حتى يكونوا برفقته في العراق، فكان والده الشريف حسين يرفض طلبه دائماً، حتى وسط الكثيرين  من أصدقاء والده، وكان الرفض هو الجواب. أخيراً وسط بعض وجهاء العراق فكان جواب والده الشريف: {أخاف منكم يا أهل العراق أن تفعلوا بعائلة الحسين (الشريف) مثلما فعلتم بعائلة الحسين من قبل". 
وحينما سمح الشريف لحفيده (الأمير غازي) بالذهاب إلى العراق، لم يوافق على ذهاب زوجته وبناته، "لأنه كان يخشى عليهن من السبي كما جرى على نساء آل البيت في كربلاء}.   
مأجورين،،،

كاظم الخليفة
*****************

(الحسين).. جرحٌ يتدفَّق في مجرى أبديَّته

من وراء الزمان، أسمع إيقاعَ خطواتك وأنت تسير باتِّجاهِ زماننا على طريق العدالة فأُحَرِّكُ جيش الكلام الحرون وآتيك مختبئا وراء الكلمات.. آلامي الحديثة تتَّحد بالآلام السحيقة التي تطفو بكَ من قعر السنين وتستقرُّ في قحفِ جمجمتي. أرى الحياةَ ترتِّب إيقاعَ ممشاها على أصداءِ خطواتِك الأولى التي دَخَلَتْ في عناقٍ أبديٍّ مع القرون.  تضطرب على شفتيَّ الأسئلة: لماذا جاءت دموعُ العالم مبكِّرةً عليك؟ هل كان يحتاجُ هذا العالمُ أن يغتسل في بحيرةٍ من النحيب لأجلك كي يشفى من أمراضه؟ هل كان يحتاج أن ينغمس في ينبوعٍ من البكاء عليك كي يتطهَّر من أدرانه؟ في كلِّ عصر، يزدادُ إيمانُ الوجود بأنَّهُ لا طريقَ يفضي إلى الخلاص إلا طريقُ العودة إلى ينابيعك الأولى.. لا طريقَ يفضي إلى الخلاص ما لم يعبرْ من خلالك باتجاه الحياة.. فلا غروَ أن يواصل الشعرُ كفاحه عبر قضيَّتك..عبر ذكراك..عبر استلهامك.. عبر رأسك المقطوع الذي ما يزال ينزفُ أفكارا ومبادئ.

على خطوطِ جبهتك، فتح الإيمانُ لهُ جبهةَ حربٍ منذ القِدم، ووَقَفَتِ الحرِّيَّةُ تدافعُ عن نفسها في نفسك الشامخة  طوال السنين. الأرضُ كلُّ الأرض خندقك الأخير، وجنودك هم أولئك الذين ما زالوا يتعقَّبون آثارك على طريق الحقيقة.. جنودك هم أولئك الذين شتلوا قاماتهم في دروبك، وبذروا أصواتهم في فضائك حتَّى أعشبت بهم الأرضُ.

أيُّها الآتي من أعالي الإيمان يؤسِّس إيقاعَ  الخلاص للأجيال القادمة ويسير على أصدائه.. أيُّها المتجمِّر بالدفء الثوريِّ في جوانح الأحرار.. أيُّها المقيمُ في خبزنا، ومائنا، وملحنا، وحزننا، ورؤيتنا حينما ننظرُ إلى المستقبل.. أيها الموقظ أحلامَنا من سبات الأيام، والداخل بنا في أضلاع الكون زاويةً حادَّةً لا تنفرجُ إلا للمجد والعزَّة.. ها نحنُ نجلسُ على حدود الغضب ونَتَنَفَّسُكَ في الوقت منذ أن توزَّعتَ أنفاساً على كلِّ لحظة من لحظات الزمن. أيُّها العابرُ بأَكْمَلِكَ من غربال العصور بعد أن نَخَلَتْكَ الحقيقةُ.. ما الذي يلمع في عينيك: غضبٌ أم صلاة؟ ما الذي يتوهَّج في كفَّيك: عاصفةٌ أم فتوحات؟ حينما تعلنُ الحياةُ ذكراكَ، يعودُ إلى الجراحِ شبابُها، وتسيلُ البطولةُ موجةً في جدول الأيام، ويمتدُّ في أرواحِنا خطُّ استواءِ الضوء على خارطة الظهيرة.  هذه حروفُ اسمك ترنُّ بكبرياءٍ على رخام الحياة، وهذا أنتَ كائنٌ كونيٌّ تشكَّل في هيئةِ جرحٍ مشاعٍ، لا يمكن أن يسرقه أحدٌ من أحد من فرط ما اتَّسعت فيه الحياةُ فأصبح مُلكا للشعوب.. كلِّ الشعوب.



مِنْ خلفِ جُرْحِكَ لا تُصَلِّي الأحرفُ

حتَّى يُوَضِّئَها بما هُوَ ينزفُ

الجرحُ ليسَ سوى إمامِ قيامةٍ

والمؤمنونُ بهِ الذين اسْتُضْعِفوا

الجرحُ مسرانا إليكَ، دليلُنا

عبر الدروبِ، حنينُنا المُتَلَهِّفُ

الجرحُ منظارٌ بـقَلْبِكَ مُوغِلٌ

أَبَداً يُطِلُّ على الخلودِ، ويُشْرِفُ

الجرحُ بستانُ الشهيدِ، ووَرْدُهُ

مُلْكٌ لـمَنْ عَرَفُوا شذاهُ، وعَرَّفوا

ما بالُ مَنْ عَرَفُوا شذاكَ، وشَفَّهُمْ

منكَ التَّوَرُّدُ.. فَاتَهُمْ أنْ يقطفوا ؟! 

نَتَفُوكَ من بستانِ جُرْحِكَ وردةً

والوردُ يُقْطَفُ..إنَّما لا يُنْتَفُ!

 {    {    {

يا قارئَ الأجيالِ أَصدقَ رؤيةً

مِمَّا بِها قَرَأَ السنابلَ، (يوسفُ)

المجدُ للرأسِ القطيعِ فلم يزلْ

يُعلي الرؤوسَ بمجدِهِ، ويُشَرِّفُ

ما أَخَّرَتْ عنكَ الحياةُ سجالَها

في كلِّ ما نَسَجَ الرُّواةُ وأَلَّفُوا

يتساءلونَ عن انتفاضةِ وَجْدِنَا:

ما سِرُّ هذا الوجدِ؟! كيفَ يُكَفْكَفُ؟!

رَبَّى لَكَ التاريخُ أشرفَ دمعةٍ

في الأرضِ.. لا زيفاً، ولاتَ تَزَلُّفُ

وتَفَجَّرَتْ لَكَ بالأنينِ بحيرةٌ

في جمرِها مُهَجُ السِّنين تُجَدِّفُ

أَمُوَفِّيًا كيلَ الفداءِ بـروحِهِ..

ها نحنُ في كيلِ الوفاءِ نُطَفِّفُ!

نحن الصدى العالي وما نفعُ الصدى

ما دام صوتُكَ في مدانا يهتفُ

نزهو بـصورتِـنا لأنَّكَ أصلُها

فإذا أضأتَ فـظِلُّنا يَتَقَصَّفُ

يُوحي لنا الزمنُ المُحَنَّطُ أنَّنا

أبداً لـذكراكَ الفَتِيَّةِ, مَتحفُ

جئناكَ بالصمتِ العميقِ,كأنَّنا

حقلٌ من القَصَبِ الشجيِّ مُجَرَّفُ

أَهْدَيْتَنَا الإعصارَ -ذاتَ قيامةٍ-

بـيَدٍ تشيرُ: تَعَلَّمُوا أنْ تَعْصِفُوا!

زُفُّوا النضالَ إلى الكرامةِ شائكاً..

هيهاتَ يَطْمِثُها النضالُ المُتْرَفُ!!

يا مَنْ سَكَكْتَ من الشهادةِ عُمْلَةً

أبدًا بغير ضحيَّةٍ لا تُصْرُفُ

ماذا يظلُّ من الضحايا حينما

يغدو الشهيدُ بضاعةً تُسْتَنْزَفُ؟!

{    {    {

يا أوَّل الدَّمِ في حكايةِ ثورةٍ

تُطوَى عليكَ فصولُها، وتُغَلَّفُ

أَشْجَى حصانَكَ أنْ رأى بكَ فارساً

شهماً، يرقُّ على الحياةِ، ويعطفُ

فـبَكَاكَ في وهج المعاركِ حينما

لم يلقَ مَنْ يحنو عليكَ ويرأفُ

وهناكَ سَيَّلْتَ الصهيلَ جداولاً

ترتادُها خيلُ الزمانِ، وترشفُ 

وَقَفَ الإلهُ مدافعاً عن مجدِهِ

في (كربلائِـ)ـكَ، والألوهةُ موقفُ!

رفقاً بـخيبةِ قاتليكَ، ورأفةً

إنْ قَطَّعَتْكَ رماحُهُمْ والأسيفُ

هذي رفاتُكَ في الشعوبِ تَوَزِّعَتْ

فأضاءَ منكَ لكلِّ شعبٍ, (مصحفُ)

مُذْ صاحَتِ الدنيا: (حسيييينُ) ولم يزلْ

لحنُ انسجامِ الكونِ باسمكَ يُعْزَفُ

ما غبتَ في جُبِّ السنين، وإنَّما

تفتضُّ أوردةَ العصورِ وتزحفُ

هذا ضميرُ الحرفِ يغمسُ كَفَّهُ

فيما تَجَمَّرَ من لظاكَ، ويغرفُ

الحبرُ ما لم يَعْتَنِقْكَ مُزَوَّرٌ

والفكرُ ما لم يَعْتَمِرْكَ مُزَيَّفُ

والحبُّ دون هواكَ نبعٌ غائرٌ

والوعيُ دون رؤاكَ قاعٌ صفصفُ

حَمَّلْتَنَا بالوجدِ ألفَ صبابةٍ

فنكادُ من صلصالنا نتخفَّفُ

فإذا تطرَّف مغرموكَ وأحرقوا

وجهَ الحقيقةِ، فالغرامُ تَطَرُّفُ!

زيتُ القناديلِ الجريحةِ لم يزلْ

بـضِيَاكَ في مشكاتِهِ يَتَصَوَّفُ

ضَعْنَا على مرمى الحقيقةِ، إنَّنا

عبر احتمالات الجهاتِ نُهَدِّفُ

واطمثْ بمائِكَ رَحْمَ كلِّ إرادةٍ

عَقِمَتْ، فماؤكَ بالخصوبةِ ينطفُ

لَكَ أنْ نُوَظِّبَ في قلوبِ صغارِنا

درسَ النضالِ.. ولاتَ قلبٌ يرجفُ!

{    {    {

يا مالئا منِّي الخيالَ بـصورةٍ

عظمى، يغصُّ بها الخيالُ الأجوفُ

بين (المُخَيَّمِ) و(الفراتِ) إخالُني

أسعى بـمُهْرِ قصيدتي، وأُطَوِّفُ

والوقتُ من سهرٍ يفيضُ، ومن دَمٍ

والأرضُ تقضمُها الطغاةُ، فـتَنْحَفُ

وأراكَ: تقدحُ منكَ ألفُ شرارةٍ

فتطيرُ ألفُ فراشةٍ وترفرفُ

يتوهَّج المعنى فـتُزْهِرُ فكرةٌ

وتُشِعُّ بالنُّقَطِ الوضاءِ، الأحرفُ

وأنا أخرُّ على البياضِ مضرَّجا

بالنصِّ حيث دمُ الشهادةِ يرعفُ

أُهدي (الفراتَ) من القوافي شاطئاً

يرمي بـغَرْقَاهُ عليهِ، ويقذفُ

عينايَ آخرُ خيمتينِ بـ(ـكربلا)

محروقتينِ بهاجسٍ لا يُذْرَفُ

ثَقَّفْتُ دمعيَ في عزاكَ فـخانَني..

ما ثَـمَّ دمعٌ في العزاءِ يُثَقَّفُ!

لا حزنَ في حزنٍ يُفَلْسِفُ نَفْسَهَ..

الحزنُ حيث الحزنُ لا يتفلسفُ!

نحتاجُ أنْ نبكيكَ أكثرَ، طالما

بالدمعِ يَصْقُلُناَ البكاءُ ويُرْهِفُ

هيهاتَ يرضَى عن طهارةِ نَفْسِهِ

مَنْ لا يُطَهِّرُهُ الأسَى ويُنَظِّفُ!

{    {    {

قَسَمًا بـبَعْضِكَ.. ما هناكَ عظيمةٌ

في الدَّهرِ تُقْنِعُنِي -بـكُلِّكَ- أحلفُ

قلبي عليكَ تَجَذَّرَتْ نَبَضَاتُهُ

نَخْلاً بآهاتِ الأسَى يَتَسَعَّفُ

من فيضِ نحرِكَ فاضَ نهرُ مبادئي

واجتاحَ ما زَعَمَ الطغاةُ، وأَرْجَفُوا

لم يَحْرِفُوني عن محطَّاتِ الفدى

فأنا وراءَكَ فكرةٌ لا تُحْرَفُ

بعضي يُغَطِّينِي ببعضيَ مثلما

حقلٌ عليهِ من السنابلِ شرشفُ

أَتْبَعْتُ غربتَكَ السحيقةَ غربتي

والدربُ يجمعُ خطوَنا، ويُؤَلِّفُ

في داخلي قمرٌ يضيءُ، وخارجي

قمرٌ ولكنْ من ضِيَاهُ مُجَفَّفُ

ما دامت الدنيا طريقَ مهاجرٍ

ستظلُّ فيها غربتي تَتَكَثَّفُ

{    {    




(شُبَّاكُكَ المبكَى ونحنُ مآسي)

في حفل تجديد شُبَّاكِ ضريح الإمام الحسين عليه السلام ربيع ثاني 1434هــــ



شُـبَّاكُكَ الـمَبكَى ونحنُ مَآسِي

أَبَدًا يشدُّ جراحَـنا، ويُوَاسي

أبدًا نطلُّ عليكَ من شرفاتِهِ

فـنَرَاكَ حُلْماً ساطعَ النبراسِ

ماذا سننقشُ في أضالعِهِ سوى

وَلَهِ النفوسِ وحرقةِ الأنفاسِ

هذي شجونُ العاشقينَ فرائدٌ

تُغنِيهِ عن ذَهَبٍ وعن ألماسِ

إنْ جَدَّدوهُ فإنَّما لَكَ جدَّدوا

عهدَ الضميرِ وبيعةَ الإحساسِ

ما نَصَّبُوهُ على ضريحِكَ حارساً

يحميكَ من دنسٍ ومن أرجاسِ

فاللهُ يعرفُ كيف يحرسُ نفسَـهُ

والحُبُّ لا يحتاجُ للحُرَّاسِ!

قَـسَمًا بـحُجَّاجُ الفداءِ توافدوا

وقلوبُهُمْ سُفُنٌ بـغَيرِ مراسي!

كُلٌّ يَطُشُّ عليكَ كيسَ حنينِهِ

حيث الحنينُ يفورُ في الأكياسِ!

لنْ أعذلَ (الشُّـبَّاكَ) لو قضبانُـهُ

ذَابَتْ بـلهفةِ هؤلاءِ النَّاسِ!

قَسَمًا بـحُجَّاجِ الفداءِ، وإنَّهُ

قَسَمٌ بحجمِ تأجُّجي وحماسي

كلٌّ لهُ في الحبِّ غصنُ قداسةٍ

وهواكَ (سِدرةُ مُنتهى) الأقداسِ

{    {    {

  



شُبَّاكُكَ المبكَى: حديدٌ تائبٌ

للهِ من صَلَفِ الحديدِ القاسي

ماذا سننقشُ في أضالعِهِ سوى

وَهَجِ (الصلاةِ) ولهفةِ (القُدَّاسِ)

فـهُنا انسجامُ الكونِ ساعةَ يلتقي

صوتُ (الأذانِ) ورِنَّةُ (الأجراسِ)

وهنا (الحسينُ) رسالةٌ كونيَّةٌ

زِنَةُ الجبالِ شواهقاً ورواسي

وهنا (العراقُ) على مصابِكَ لم يزلْ

-في كلِّ حزنٍ- ضارباً بـأَساسِ

يا أيها الوطنُ الذي لم يكتشفْ

رئتيهِ، لولا ضِيقَةُ الأنفاسِ

رأسُ (الحسينِ) من الجنوبِ يحدُّهُ

ومن الشمالِ سواعدُ (العبَّاسِ)

وطنٌ يقيمُ على صفيحٍ ساخنٍ

مِمَّا يُحِسُّ من الأسى والياسِ

وطنٌ بحجمِ الحبِّ مدَّ جناحَـهُ

واحتلَّ كلَّ خرائطِ الإحساسِ

فإذا انتميتُ إلى العراقِ فعاذري

أنَّ العراقَ عراقُ كلِّ الناسِ

{    {    {

  



شُـبَّاكُكَ المَبكَى وأنتَ وراءَهُ

عرسُ الشهادةِ سَيِّدُ الأعراسِ

في رحلة العنقودِ جئتُكَ هائماً

أسري من البستانِ حتَّى الكاسِ

في رحلة العنقودِ جئتُ، وداخلي

وَجْدٌ يمارسُني ألذَّ مراسِ

أَوسَعْتَني حُبًّا فـلو قَايَسْتَنِي

بالكونِ جاءَ الكونُ دون مقاسي

تزهو الحروفُ على رؤوسِ أصابعي

زهوَ الشموعِ على رموشِ أماسي

أَوْحَتْ ليَ الأشواقُ عن بحر الهوى

ما أَوْحَتِ الأعماقُ للغَطَّاسِ

آتِيكَ أحملُ في القرارةِ من دمي

حزنَ البنفسجِ وابتهاجَ الآسِ

(هَجَرُ) الحبيبةُ قَبَّلَتْكَ على فمي

وتحضَّنتكَ بـنخلِـها الميَّاسِ

منذُ القصيدِ وأنتَ تأخذُني إلى

قلمي، إلى فكري، إلى قرطاسي

لم أفتحِ الكُرَّاسَ ذاتَ قصيدةٍ

إلاَّ وَجَدْتُكَ داخل الكُرُّاسِ

أَلَقاكَ تسكنُ بين قَوْسَـــيْ لهفتي

فأُتِمُّ حولك دورةَ الأقواسِ!

دَمُكَ اليقينُ وما عداهُ مُرَشَّحٌ

للشكِّ.. للتدليسِ.. للوسواسِ!

دَمُكَ الخلاصُ وما عداهُ حكايةٌ

تُغري (العبيدَ) بـطاعةِ (النَّخَّاسِ)

ما دامَ فِكرُكَ قطعةً ذَهَبِـيَّةً

اعذرْ نشازيَ فالكلامُ نُحَاسِي!

رأسٌ قطيعٌ وَهْوَ ينجبُ فكرَهُ

يُغنيكَ عن فكرٍ قطيعِ الراسِ

{    {    

جاسم الصحيح
****************

(المراثي والشعر الحسيني)

شكلت حادثة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين (ع) صدمة عنيفة لوجدان الأمة لما خلفته من أحداث ماسؤية تركت صداها يتردد في صور شتى كان أبرزها المراثي التي الهبت العاطفة وجعلت من حادثة استشهاد الحسين حادثة حية ومتمثلة في الوجدان الشعبي . يقول احمد امين في ضحى الإسلام  عن أدب الشيعة " في الحق أن حركة التشيع أغنت الأدب العربي إلى حد كبير ، وكان الأدب الناتج عنها أدباً غزيراً قوياً ؛وسبب ذلك أن الموقف الذي وقفه الشيعة من طبيعته انه يلهب العاطفة ويهيجها ويثيرها ، والعاطفة أكبر دعامة من دعائم الأدب ، فإذا أثيرت وهاجت وكان بجانبها سلطان طلق ، وبيان ناصع ، فهناك الأدب الحي والقول الساحر " 
فالشعر الحسيني هو نتاج الارتباط الوجداني بالحادثة عبر صيرورة العقل والنقل لان الشاعر ملتزم بالقضية منفعل معها عبر مرايا متعددة ولكن هذا الانفعال ليس مع القضية الأولى فقط بل هو مع امتدادها التاريخي والاجتماعي عبر حواضن متعددة . 
ويدرك الشاعر ان هذا البوح له وظيفة اجتماعية كما يقول الشاعر جاسم الصحيح في ديوانه أعشاش  الملائكة " في هذا الديوان يوجد تواطؤ ضمني مسبق على كثير من المعاني بيني وبين الجمهور وذلك لان معظم هذه القصائد كتبت بقصد أن تطل على الناس من شرفة المنبر " 
وهذا يحيلني لنقطة ارتكاز عكسية 
وهي ان المنبر الحسيني كان الشرفة الأولى التي احتضنت الشعراء وعرفتهم للجمهور وكان النافذة التي رسمت انطلاقتهم الشعرية عبر شعر المدائح والمراثي . 
إن تفاعل الجمهور مع القصائد وحفظها وترديدها عبر مقامات وأطوار جعل من الشعر الحسيني شعر تفاعلي ينبع من الشاعر وتنقله الرواة فيتردد صداه عبر الزمن في قصائد خلدتها الذاكرة الشعبية  وظلت رمزا لعاطفة جياشة تؤكد مدى ارتباط الفرد الشيعي بهويته وتأكيده عليها  خصوصا مع تفاقم الصراع الطائفي ومحاولة توظيف الشعر بما يخدم الطائفة أو يذود عنها  .
بقيت  نقطة ان للشعر وظيفة جمالية وليس عليه قيد غير قيد الجمال 
لذا من الخطأ ان تضع موازين المنطق والصدق على بوح الشاعر الذي ينطلق محلقا في عالم الجمال عبر صور جمالية وخيال مفعم يبحث عن منطقة جديدة لم تطرق عبر امتداد الزمن يحط عندها بصمته قبل ان يبحث عن موطن آخر لبصمة أخرى . 

حسين الملاك

*************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق