السبت، 23 نوفمبر 2013

الطاعة العمياء

الطاعة العمياء




صلاح الهاجري
عبدالكريم الممتن
حسين الملاك
حيدر موسى
مهدي الرمضان
علي بن محمد الحمد
عقيل عبدالله
يحيى ناصر الجاسم
كاظم الخليفة
عبدالهادي البريه


*********************************************************************

التجربة العلمية  الأكثر  جدلا  في التاريخ

الطاعة العمياء.. 
هل من الممكن ان يقوم اناس اسوياء طبيعيون بقتل انسان بريئ بدون سبب؟ 

حاول عالم النفس البروفيسور مليجرام معرفه الاجابة على هذا السؤال الذي خطر بباله بعد الحرب العالمية الثانية و سؤال جنود النازية عن جرائم الحرب التي ارتكبوها ضد النساء و الاطفال و الابرياء حيث كانت اجابتهم : نحن كنا ننفذ الأوامر و المسؤاليه تقع على القادة.

فقام بتصميم تجربه يضع فيها انسان في موضع المعلم واخر في موضع التلميذ يجلس على كرسي كهربائي 
واذا اخطاء التلميذ يقوم المعلم بمعاقبة التلميذ و ذلك  بظغط زر كهرباء يعرض التلميذ الى صعق كهربائي بمقدار 15 فولت و تتضاعف شدة التيار مع كل خطاء حتى تصل الى 450 فولت 

النتيجة المفاجئه ان الجميع استمروا في توجيه الصعقات  حتى وصلت 300 فولت و اكثر بالرغم انهم يسمعون صرخات المتعلم من الألم وهو يقول : اخرجوني من هنا،  لا اريد الاستمرار......  ،ثم يختفي صوته مما يدل على انه فقد الوعي او قد مات بسبب تلك الصعقات،
بل ولأكثر من ذلك ان اكثر من نصف المشاركين استمروا الى نهاية التجربه التي تصل الى الصعقه الكبرى  وهي  450 فولت ''وبالطبع التيار ليس حقيقي و صوت الألم  يصدر من جهاز تسجيل ''

النتائج المروعه هي كيف يقوم بشر طبيعيون  بطاعه عمياء تصل الى قتل انسان بريئ لم يؤذيهم لمجرد انهم يقومون بتنفيذ الاوامر ولا تطالهم اي مسؤليه و المسؤوليه تقع على من اصدرتلك الاوامر فقط. 

و هذا يذكرنا بموقف الإمام الحسين مع من ان ارادوا قتله 
فعندما القى عليهم الحجة و عرفهم بنفسه عليه السلام و لم يجدوا اي مبرر لقتله 
اجابوا طاعة لأبن زياد 
عندها قال لهم : اذا لم يكن عندكم  دين يمنعكم عن قتلي؟  فكونوا احرا!! 

هل ياترى الطاعة العمياء نوع من العبوديه اراد الإمام الحسين تخليصنا منها؟ 
هل طاعة القائد،  الحزب، القبيله، المذهب..... طاعه مطلقه تؤدي الى قتل او ايذاء الناس  نوع من العبوديه؟ 
و يجب ان نتخلص منها

هذا درس قيم  قدمه الإمام الحسين للإنسانيه اجمع فهل سنستفيد منه ياترى؟ 


 Watch "The Milgram Experiment" on YouTube - http://www.youtube.com/watch?v=W1zlCybdvdg&feature=youtube_gdata_player 


صلاح الهاجري
******************

إن الإلتزام أيا كان نوعه الديني أوالسياسي أوالفكري أو الفلسفي هو محاولة تنويرية للعقل الإنساني وانفتاحه على آفاق جديدة لم يطرقها الإنسان العادي، وهو بنفس الوقت سيف ذو حدين احد اطرافه الإعتدال، أما الحد الآخر فهو التعصب والطاعة العمياء والإنصياع الأرعن والمسايرة لحد مصادرة هذا العقل الجبار بكل انتاجاته المبدعة ومصادرة كل محتوياته المعرفية، فيتحول الى نقمة بعد أن كان نعمة يحسد عليها، كما هو الحال في الإضطرابات العصبية، ومظهر للصراع الذي يعيشه المريد "التابع" وشيخه وما يتضمنه من عدوان وكراهية لكل البشرية... 
عبدالكريم الممتن
لو تساءلنا : ما هي اسباب الطاعة خصوصا في شكلها المعتدل لوجدنا الإجابة عند علماء النفس بقولهم : إن معظم الناس يفترضون شرعية الطاعة للسلطات الحكومية او الدينية او السياسية، حيث يري الناس أن على انفسهم واجبات اتجاه الدين ورجالاته والدولة ونظامها واحترام القانون والإلتزام به،
كما ان الناس يرغبون أن يكونوا ملتزمين في الدين او لأوامر الحكومة او السلطة القضائية و عدم الخرووج عن قيم المجتمع السائدة احتراما لها ويكونوا مهذبين يحترموا كل التعليمات الصادرة ويفوا بكل التزاماتهم ووعودهم في بناء المجتمع الأفضل قيما، وأزاء ذلك فهم يظهروا اعلى درجات الطاعة والوفاء والإحترام والتضحية بالذات والغالي والنفيس خصوصا اذا تعلق الأمر بالمعتقد او الدفاع عنه او عن الوطن او سيادة الأرض واحيانا اخري الشرف، هذه المشاعر والإندفاعات يستغلها الساسة ورجال الدين المتطرفين وبعض المتعصبين في تنمية رووح العنف والقسوة وتكوين السلوك العدواني اتجاه عدو وهمي لا اساس له في البداية مثل غواية الشيطان لدي بعض رجال الدين..
إن الطاعة تتوقف علي سمات الموقف وسمات الفرد الشخصية خصوصا الذي يؤمن بهذا المبدأ، وكلما كان قريبا من التجمعات الدينية المتعصبة ومنسجما معها يزيد تأثير قوة المتعصبين عليه، وان من نتائج هذه الطاعة كما اثبتتها الدراسات مفجعة لا سيما لدي الأشخاص الغير مدركين لقدراتهم الذاتية الشخصية والخضوع الي اوامر القائد او العقل المتطرف في ادرة سياق عمل المنتحرين من الإسلاميين خصوصا..

عبدالكريم الممتن
*****************

الطاعة العمياء - كما افهمها - هي الامتثال التام لأمر القيادة العليا دون اي تفكير أو تردد في نتائج هذه الأوامر أو مدى توافقها وانسجامها مع قناعات المنفذ . 
والطاعة العمياء هي نتيجة الإيمان الخالص بالمشروع واليقين بانه حق مطلق وإذا ما كانت له بعض السلبيات  فهي نتيجة الشمولية والواقعية وهذا شيء لا بد منه وهنا   يبرز مبدأ " الغاية تبرر الوسيلة " . 
والطاعة العمياء ليست وليدة الإيمان وحده بل هي نتاج ممارسة نفسية وتربوية على المطيع بالإضافة إلى عناصر التوظيف الأخرى المتمثلة في توظيف الماضي بإشكاليته والواقع بارهاصاته والمستقبل وتطلعاته . بالإضافة إلى قائد ناجح له كريزما مميزة يعجب بها الاتباع ويؤمنون بقداسته ويتقمصون فكره وأسلوبه ويأنسون باشادته . 
اذا ما توفر كل ذلك تحققت الطاعة العمياء حيث يقع على المطيع التنفيذ بسرعة ودقة وحرفية لانه جزء من المشروع وفشله إفشال للمشروع الذي يؤمن به وهو مستعد للتضحية بنفسه وحياته وكل ما يملك من اجل الانجاح . 
ربما يكون المشروع ذا صبغة دينية أو سياسية أو اجتماعية . 
في المشروع الديني خصوصاً عند الديانات الشمولية التي تؤمن بخالق حكيم مدبر فهي ترى ان الامتثال الأوامر واجتناب النواهي هو ما يحقق السعادة الأبدية فتمتثل لها بنصياع تام وليس للاتباع خيار في الأمر كما جاء في الآية الكريمة لأنهم قاصري الفهم تلتبس عليهم الأمور وتاخذهم الأهواء والأوهام . 
وكذلك في المشاريع السياسية فاي مشروع سياسي له طابع الطموح الشمولي ويقدم رؤية مستقبلية واعدة لأصحابه ويستطيع إقناعهم بانه الخلاص لهم وستتحقق على يديه الآمال فانه يسيطر على اللاوعي ويكون الأمل الموعود والسعادة المنتظرة وتستحق التضحيات المبذولة من اجل تنفيذه 
كما حدث في الثورة النازية مثلا. 
أما في الحياة الاجتماعية فتبرز هذه الظاهرة في القبيلة كما تظهر في الأسرة الأبوية ذات الطابع الذكوري .حيث تكون الطاعة العمياء للسيد وحده أو الطرد الاجتماعي والنبذ والقتل والتهميش .

حسين الملاك
***************

ورقة حيدر موسى، حررت في ١٧ نوفمبر  
الطاعة والانتماء.

الطاعة هي استجابة بشرية لنداء الفطرة الداخلية الداعية الى ضرورة الانتماء والعيش ضمن جماعة منظمة تحكمها القوانين والاعراف بحيث تضمن التزام الافراد تجاهها وعدم الخروج عن سياقها. اننا حقيقة يمكن لنا مناقشة الطاعة ضمن دوائر الانتماء المتنوعة التي منها:
الانتماء الى الاسرة والقبيلة
الانتماء الى الوطن
الانتماء الى الكيان الثقافي والديني
الانتماء الى العمل

كل انتماء من هذه الانتماءات يستوجب بطبعه نوعا مختلفا من الطاعة، فالطاعة الى الوالدين لا تشبه في حيثياتها وتداعياتها الطاعة الى جو المؤسسة التي تنتمي اليها ونادرا ما يحدث تزاحم بين الامرين. كما ان للطاعة حدود واخلاقيات تتسع وتضيق بناء على مدى سعة وضيق نفس هذه الجماعة وطريقة تنظيمها فالجماعات المؤسساتية الديمقراطية لن تكون بنفس سعة المجتمعات والجماعات المنغلقة. انتماؤك لجماعة مدنية حره تكفل لك حق التفكير وذات رؤية واطار عملي محدد لن يكون بنفس انتماؤك لجماعة تقليدية فقهية تريد ان تسير بك اين سارت دون ان تمنحى اتباعها مستوى من التفكير.

في العصر الحديث لا يمكن مقارنة الطاعة بين مؤسسة يستند جوهر وجودها على قانون عقلائي مثل الجيش الذي له حق الدفاع عن مصالح الدولة، وبين تنظيمات قتالية هلامية تحارب تحت سقف الايدولوجية. فالطاعة العمياء هي تلك التي تنشأ جراء الاندفاع وراء شعارات او مرجعيات او تنظيمات لا تملك اساسا مستند قانوني عقلائي لوجودها. فالجيش الامريكي يملك شرعية الوجود تحت مظلة القانون المتفق عليه من قبل الدولة والمجتمع الذي ينتمي له، لكن من اعطى داعش وجيش المهدي حق شرعية الوجود خاصة ان كانت تدعي الدفاع عن امة كاملة اسمها الاسلام!!.

من الناحية الفكرية يملك كل شخص حق التبعية والانتماء الى الفكر الذي يريد سواء ديني او لاديني. لك الحق ان تتبنى أفكار محمد الصدر ولك حق الانتماء والاتباع لما يراه ماركس. لكن اتصور ان الطاعة العمياء تتشكل فقط عندما تعتقد ان فكر الصدر او ماركس يملك قدسية ميتافيزقية تحول بينك وبين نقد ومناقشة تلك الافكار. 

حيدر موسى
**************

"الطاعة العمياء تتضائل امام صوت الضمير"

منذ ان خرج الانسان الاول من الكهف وبدء ينشئ نواة تجمعات بشرية كان لابد له من تتظيم شؤون ومسيرة حياته ضمن المجموعة وكان لابد من وضع انظمة و شرائع تسهل اسلوب المعيشة و التعايش بين افراد المجموعة و من هنا بدأت بواكير و اهمية الطاعة و الرضوخ لتلك الانظمة و تحريم و عقاب مخالفتها.
ضمن هذا الإطار, يتم تأهيلنا من صغرنا على الطاعة للسلطة. ففي المنزل نطيع الوالدين و الاكبر من الإخوة و الاعمام و في المدرسة المدرسين وأخيرا والاهم ان نطيع السلطات الحاكمة و انظمتها لصرامة و شدة عقاب المخالف لها.
بينما تأتي ومن ناحية أخرى البرمجة لإطاعة تعاليم الدين ونواهيه ايضا منذ الصغر وتلك اشد تأثيرا وترتبط بقوة بهوية المرء و مكونات شخصيته.
نجد هنا ان الطاعة و العصيان مرتبطان بمفهومي الثواب و العقاب ليس فقط في العلن و إنما ايضا في السر كون المرء المتدين يؤمن انه لا تخفى خافيه على خالقه. فيغدو الوازع للطاعة مزدوج خارجي من السلطة و داخلي برقابة ذاتية نتيجة حالة ذهنية مترسخة طمعا في رضا وخشية من سخط خالقه حتى وإن كان الثواب والعقاب مؤجلان غالبا.
و يصدق القول ايضا على غير المتدين الذي يلزم نفسه باخلاقيات عالية المستوى و يشكل لذاته وازع داخلي لا يقل قوة و صرامة عما لدى الشخص المتدين يدفعه في ذلك تحقيق السعادة و الغبطة برضاه عن ذاته.
يوجد لدى كل التجمعات البشرية ما يسمى المبادئ و القيم وهي حزمة من التعاليم و الارشادات المتوارثة والثابته تقريبا والتي اخضعت لسنوات طويلة من الاختبار و التمحيص حتى تراضى و توافق عليها و اقر بفوائدها كل افراد ذلك المجتمع و اعتبرها قيم معيارية لاخلاقيات و حسن مسلكيات الفرد و بها يحكم على من يشذ عنها بالعقوق الاجتماعي والعقاب الجسدي و النفسي.
الضغوط الاجتماعية و الدينية على الفرد تصنع بداخلة ما يسمى الضمير و هو في تصوري مثل الغربال Filter الداخلي المنغمس في وجدان المرء. الغرض من هذا الغربال ان يقيس ما يمكن للمجتمع قبوله من رفضة فكل ما هو مقبول اجتماعيا يمر من خلال عيون الغربال و يتم رفض عبور ما يرفضه المجتمع وما يشكل تعارض مع او يسبب خروقات معنوية لتعاليم الدين او الاخلاق و القيم المعيارية المتعارف عليها.
لكل منا غرباله الخاص به ولكننا نختلف في سعة عيونه او ضيقها. كلما كان تمسكنا صارم بطاعة التعاليم بدقة و بالحذافير فذلك دليل على ضيق عيون الغربال الخاص و العكس صحيح. البعض لكثرة خروقاته في السر و العلن توسعت عيون غرباله حتى لا يكاد يمتلك غربال.
و هنا يأتي التفاوت في مسلكيات البشر بين ملتزم ضميريا و بين مفرط بلا وازع ضميري يردعه عن معصية. و من المفارقات هنا ان البعض يحمل هذا الغربال معه اينما ذهب و يستخدمة في السر كما في العلن وحتى في بلدان الغربة و البعض يتخلى عنه تماما ما ان يغادرد مجتمعه.
مما تقدم نرى ان الطاعة في كل اشكالها هي آلية و اسلوب مطلوبة لتنظيم الحياة و تحسين أداء مجاميع كبيرة من البشر ليكون عيشهم سلس و مريح بدون مشاكل بينية او معوقات.
ولذا لا يمكن الحكم على الطاعة كمفهوم بأنها جيدة او رديئة كونها لا تعدو عن انها اداة يمكن استخدامها بسوء او بفائدة و بمقدار حسن او سوء توظيفها. 
هل الطاعة العمياء جيدة؟
منطقيا و اخلاقيا, كلا.
الافضل الطاعة المبصرة التي يساهم فيها المطيع ويكون ترك له فيها الخيار ابتداء بين القبول و الرفض. لتكون الطاعة مبصرة, على المطيع ان يرفضها إذا عرضها على مبادئه وكانت تلك الطاعة تصطدم وجه لوجه مع قيمة معيارية اخلاقية أنسانية أو دينية بدون مواربه.
نأتي لحالة اجبار المرء على طاعة عمياء يرى انها تخرق قيمة اخلاقية معيارية لديه فهل يرضخ للضغوط و يقبل صاغرا أم يرفض مفضلا التمسك بمبادئه و قيمة الاخلاقية و يدفع الثمن؟
اظن هنا ان التصرف سيختلف بين نمطين من البشر.
من يحمل وازع مزدوج داخلي و خارجي ربما يصعب ان يرضخ للطاعة العمياء المتضاده مع ما يحمله من مبادئ و قيم بينما في المقابل من لدية فقط وازع خارجي سينقاد للسلطة الآمرة بسهولة اكبر منصاعا للطاعة العمياء بمجرد ان يتأكد بأنه أمن من العقوبة كما رأينا في تجربة البروفسور مليجرام,.
احتمالية رفض رضوخ ذو الوازع الداخلي ( غرباله ضيق العيون) للطاعة العمياء اكبر بكثير حتى وإن هدد بعقاب مقابل عصيانه فهو يرى راحته النفسية و رضاه عن ذاته بطاعة ضميره اثمن بكثير لديه من ان يطيع من يأمره بطاعة العمياء تحطم قيمه و تمحق رضاه عن ذاته.
صاحب الضمير و الوازع الداخلي اكثر وعي عادة ممن يرضخ فقط لسلطة خارجية.
قد يبلغ الحال بصاحب الضمير و الوازع الداخلي القوي ان يدفع حياته مقابل رفضه تغاضيه عن مبادئه.
هؤلاء هم قلقة القلة من البشر وهم الرساليون الذين لا يضحون بقيمهم أو مبادئهم مقابل اي ثمن وهم فئة الشهداء في كل عصر.

 مهدي الرمضان
***********

الطاعة حسب تقديري تتجلى في مستويين. الأول هو طاعة الفرد لعقله وهي طاعة بسيطة وغير متكلفة ولا يمكن الاعتراض عليها من حيث المبدأ إلا ببيان ما خفي من المعلومات عن هذا الفرد وبالتالي دفعه (بشكل عقلاني) لتغيير قناعته. على الرغم من ذلك، فالبشر متفاوتون في ثقتهم بنتائج تفكيرهم الشخصي، فبعضهم يمتلك ثقة عالية في النتائج التي يتوصل إليها والمعلومات التي يستند إليها إلى درجة تمنعه من مراجعتها أو حتى التفكير في إعادة النظر فيها. بينما نجد أن بعضهم الآخر مستعد لتغيير آرائه وقناعاته بسهولة شديدة أمام أي سلطة أو إغراء أو معلومات جديدة وفي بعض الأحيان دون حتى الحاجة للتأكد منها. هذا التفاوت في تمسك الإنسان بقناعاته ونتائجه العقلية بين المتعصب لها والمتمسك تمسكاً تاماً بها وبين من يتخلى عنها ويغيرها بسهولة يتجلى بشكل عكسي في المستوى الثاني من الطاعة. وهي طاعة الفرد للآخرين، والتي تقوم عادة على اتباع أوامر أو نصائح أو نتائج شخص آخر أو كيان آخر من باب الثقة بحسن تفكيره أو فائدة نصائحه أو عصمة نتائجه أو أفضليتها. ففي هذا المستوى يكتفي الفرد باختيار الشخص الثقة ومن ثم يسلمه دفة القيادة بشكل كامل أو جزئي ويتبع إرشاداته وتوجيهاته. وفي هذا النوع لا يمكن للآخرين عادة الاعتراض على هذه الطاعة ببيان معلومات جديدة متعلقة بمواضيع الإرشاد والتوجيه بل لا بد من تقديم معلومات متعلقة بشخص المطاع من أجل تعزيز أو زعزعة ثقة الأفراد به. وذلك لأن العلاقة بين النوع الأول والثاني من الطاعة هي علاقة عكسية بمعنى أنه كلما ازدادت ثقة الأفراد بمن يطيعونه وتمسكوا باعتقادهم صحة إرشاداته وضرورة اتباعها كلما تناقصت ثقتهم بعقولهم ونتائج تفكيرهم الشخصي وبالتالي قل اعتمادهم عليها وطاعتهم لها.

طبعاً لا يمكننا أن نقول أننا نستطيع التخلي عن أي من مستويي الطاعة وذلك لأن الإنسان بحاجة لكليهما. فالإنسان بحاجة للثقة بنتائجه العقلية وفي نفس الوقت للثقة بالآخرين. لأن الاستفادة مما توصل إليه البشر الآخرون تختصر على الفرد الكثير الوقت وتوفر عليه الكثير من العناء. فربما يكون المطلب هو التوازن بين نوعي الطاعة بحيث لا يستبد أحدهما على الآخر. وذلك لا يكون إلا بتقبل الإنسان فكرة المراجعة مطلقاً وتخليه عن تقديس كل ما اعتاد عليه. بحيث يكون قادراً على مراجعة نتائج تفكيره الشخصي والتراجع عنها إن لزم الأمر وفي نفس الوقت يكون قادراً على مراجعة ثقته بالآخرين والتراجع عنها أو تعديل مستواها متى ما لزم الأمر.


علي بن محمد الحمد
*************

"الطاعة ام التمرد"


1

في مجال البحث عن نمط سلوك الانسان فإن السؤال الذي يبحث عن اجابة هو : هل تميل الطبيعة البشرية نحو الطاعة أم أنها مجبولة على التمرد ؟
الاجابة على هذا السؤال يحتاج الى دراسات إثنولوجية عميقة ، و لكن لا يمنع ذلك من محاولة الاجابة عن طريق الملاحظة .
الملاحظ ان الانسان في مرحلة الطفولة يميل الى الطاعة بشكل عام و تقليد الاكبر سنا حتى يصل الى سن المراهقة فتعصف به رياح التمرد و الرغبة في كسر الممنوعات ، و لكنه ينتكس في مرحلة ما بعد المراهقة نحو البحث عن الاستقرار و الالتزام و الطاعة لمختلف القوى المحيطة به تصل حتى الجمود و الخوف من أي تغيير في مرحلة الشيخوخة .
في المجتمعات بشكل عام يطغى الرغبة في التقليد و تلقين فروض الطاعة لأبناءها منذ الصغر و لكن الملاحظ ان الحرص على التقاليد هي سمة شرقية تكون أقل حدة في المجتمعات الغربية .

2

أما في الاسلام فنجد ان بعض الآيات في القرآن الكريم أنتقدت الطاعة العمياء لدى مجتمع قريش فقد قال تعالى على لسانهم {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}  ،
و بشكل عام يطبع القرآن الكريم في عهده المكي طابع الدعوة الى التمرد و عدم إطاعة الزعماء المحليين في ذلك الوقت وهو ما يناسب مرحلة الثورة و التغيير ،  و لكن العهد المدني يدعو الى طاعة الله و الرسول و أولي الامر و الى العودة الى أهل المعرفة و العلم و هو ما يناسب مرحلة بناء الدولة و المجتمع الجديد .
و في الاسلام قانون عام روي عن الرسول عليه الصلاة و السلام إذ قال ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) و في هذا القانون تحميل للانسان مسؤولية التفكير قبل إطاعة الاوامر .
هذا الامر يوافق القانون الدولي اليوم الذي يعاقب الجندي على إطاعته لأوامر لرؤسائه في حال صدرت له أوامر بإرتكاب جرائم بحسب القانون ، فلا يعفي الالتزام بالنظام و الانضباط الذي هو صفة العمل العسكري في أقصى صوره من رفض الاوامر و التمرد عليها عندما يتعلق الامر بإنتهاكات و جرائم .
3
هناك نوع من الطاعة و هي طاعة القادة السياسيين و الاجتماعيين و الدينيين طاعة عمياء و هذا ما درسه المفكر الامريكي ايريك هوفر في كتاب المؤمن الصادق .. أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية ، فـ هوفر يعتبر ان الاحباط و الرغبة في الخلاص مسؤول عن اندفاع الانسان نحو الطاعة المطلقة للقادة و بشكل متطرف .
يردف هوفر أن الحرية ايضا تتسبب في شقاء الانسان و إحباطه احيانا إذ أن للحرية مسؤوليات يسعى الانسان للتخلص منها فيلجأ الى القادة الذين يمكنه الوثوق فيهم فيتحملوا عنه عبء اتخاذ القرار و تحمل المسؤولية ، و كنتيجة يقول هوفر أن مجتمع العبيد أقل رغبة في التمرد من مجتمع الحرية المنقوصة أو الاحرار الجدد خصوصا عندما يشعر الحر بالعجز عن ممارسة حريته و طاقاته الفردية .

عقيل عبدالله
*************

** التصديق الأعمى .. كيف يعقلن ؟ 

كنت قد قرأت قبل فترة ما أنّ حجاجا أفارقة انزلقوا في مسعى البيت الحرام بعدما انزلق مطوّفهم ظنّا منهم أنّ الانزلاق من طقوس الحج .. و ليس الأمس ببعيد فقد طلب أحد المعلمين من أحد طلابه أن يصنّف رتبة العصافير فوضع الطالب إجابته الصحيحة (الطيور ) و لكنه مالبث برهة من الزمن حتى همّ أن يغيّرها إلى الزواحف بعدما أخبره زميله بذلك .. فلا أعلم أي المصطلحات أطلق على هاتين الحالتين و ما شابههما ! .. هل هو التفكير بالنيابة أم ثقافة القطيع أو التصديق الأعمى ؟ .. التصديق الأعمى مأزق حقيقي و فخ لا بد من  التفكير بعمق لإخراج من وقع فيه بعناية .. إحدى الآليّات التي يمكن أن تعقلن التصديق الأعمى هو وجود مايسمى بالمرشحات العقليّة بين المرسل و المستقبل و منها على سبيل المثال لا الحصر : القدرة على التفريق بين ( الحقيقة و الخرافة .. المثاليّة و الواقعيّة .. القطعي و الظني .. الموروث الديني و الموروث الاجتماعي .. المهم و الأهم .. الوسيلة و الغاية .. الثوابت و المتغيّرات .. المسّلمات و المشكوكات ..  التشويه و التشتيت .. النص و فهم النص .. التعميم و التقييد ) .. مضافا إليها  البرهنة العلميّة للمعلومة المتلقاة و ما يمكن إثباته بلا دليل يمكن نفيه بلا دليل و انتهاء بالحكم على الشيء فرع لتصوره .. هذه المرشحات و غيرها كفيلة بأن تنقل البعض من التصديق الأعمى إلى التصديق الممنهج .. فكيف و كم نحتاج كي نحول التصديق الممنهج إلى ثقافة مجتمعيّة ؟ .

يحيى ناصر الجاسم 
*****************

هو استحقاق المرحلة التي تضيف إليها الحداثة التحديات المعرفية الكبيرة والنقد المنهجي.
"الطاعة العمياء" ظاهرة ثقافية يمكن تناولها من خلال سؤال التنوير والذي أجاب عنه إيمانويل كانت بقوله:" إنه خروج الإنسان عن مرحلة القصور العقلي وبلوغه سن النضج أو سن الرشد."
وهذه الظاهرة "الطاعة العمياء" تنتج عن ما يشرحه "كانت" أيضاً.. "التبعية للآخرين وعدم القدرة على التفكير الشخصي أو السلوك في الحياة أو اتخاذ أي قرار بدون استشارة الشخص الوصي علينا." لذلك يرى علاجها كانت بهذه المقولة: "اعملوا عقولكم أيها البشر! لتكن لكم الجرأة على استخدام عقولكم! فلا تتواكلوا بعد اليوم ولا تستسلموا للكسل والمقدور والمكتوب. تحركوا وانشطوا وانخرطوا في الحياة بشكل إيجابي متبصر. فالله زودكم بعقول وينبغي أن تستخدموها.

لكن هل العالم عقلاً محضاً؟ لست على يقين من ذلك. أليست دائرة الخيارات حولنا ضيقة ويمكن رسمها على شكل نقطة صغيرة وسط دائرة واسعة!؟
نحن نعيش في ظروف تفرضها حتميات كثيرة، الجغرافيا والتاريخ، الدين والثقافة بمعناها الواسع والذي يحدد الاتجاه والسلوك. هناك من يقول أننا نعيد تشكيل وتبيئة السلطات وفقاً لثنائية "الشيخ والمريد" الصوفية، بعد استبعاد سلطة الوالدين والتي تفترض الطاعة التامة. 

لذلك ستكون مشاركتي من خلال محاولة استيعاب وحدة الوجود؛ الروح في تكاملها مع الكون واطاعتها لنواميسه وسننه، ومن خلال الحكاية التالية:
[١] (خطوة في ركاب "الغوث": ابن شاپاك السندي، نزيل الروم)


الهاربون بذواتهم خيفة اضمحلال.. الذوبان في عتمة العدم، وتلاشي المعنى.. يقبضون على جوهره، إكسير الحياة الذي  يربطهم بالوجود ويشعرهم أن لهم أدواراً في فصول مسرحية الحياة لم يؤدوها بعد.  لذا خبأ ما لديه من إرث شخصي.. بقايا اعتقادات وقيم أصيلة في ذاته. راكمها مع مستلزماته في حقيبته ورحل. 

 يقضم شطيرة الجبن ببلادة، وشريحة طماطم صغيرة تنزلق من بين ورقة الخس إلى سطح الطاولة.  عبور البشرالكثيف أمام الواجهة الزجاجية لمقهى (پول) يمنحه شعوراً بالطاقة..  يدفع يده الممسكة بكوب القهوة حتى يلامس شفتيه.. القهوة باردة!، يتلفت إلى النادلة ويطلب الفنجان الثالث في جلسته الصباحية. 

يهدأ الزحف البشري قليلاً عبر شارع الشانزليزيه في العاصمة الفرنسية باريس والمقابل لجادة" سان جورج" الملك جورج الخامس، والواصل بين نصب قوس النصر الكبير.. إلى المسلة الفرعونية قريباً من ساحة الكونكورد. 
فندقه أيضاً يسمى الكونكورد، والذي هجره مبكراً هذا الصباح هروباً من إفطاره مدفوع الأجر في مطعم الفندق هروباً من إحساس الضيق الكامن بداخله والإنارات الخافتة.

تتسرب منه إلتفاتة إلى يمينه.. رجل آسيوي يرتدي قميصاً قطنياً أبيض وبدون "ياقة عنق" يبتسم في وجهه. أها.. إنه خالي الهموم وغير مثقل بالمشاكل، لذلك لا يدع ولأي سبب أن يطوق عنقه أي شيئ.. حر!!. 

ابتسامات الرجل الآسيوي المتكررة تدفعه إلى إبتسامة مماثلة، لكنها لا تتعدى نصف المساحة الواقعة في فمه وسرعان ما تنطبق الشفاه بعنف، يخال أن سرعة إغلاقهما قد أحدثت دوياً وجلبة، ذلك  في ظنه ما جعل النادلة تتعثر بالمقعد الرفيع والقريب من ثلاجة عرض المأكولات. هنا يضحك مقهقها من تفاهة هواجسه، ويلتفت معتذراً إلى "ديپاك شوپرا"، هذا هو اسم الآسيوي والذي قدم نفسه وقوفاً وبانحنائة بسيطة. 


[٢] (خطوة في ركاب "الغوث": ابن شاپاك السندي، نزيل الروم)

لا يستطيع تفسير قوة انشداده إلى ذلك الآسيوي عندما دعاه إلى التريض وإنطلاقة الأقدام.. التسكع بمحاذاة نهر السين. كان دقيقاً عندما قال له "إنطلاقة الأقدام"، راقبه في مشيته، إنه يدع أقدامه تقوده حسب طبيعة الأرض، جهد ثابت، لكن سرعة المشي تحددها طبيعة الرصيف في ارتفاعه وانخفاضه.
يحدثه رفيقه الجديد "ديپاك" عن أسرار  الطبيعة "قانون المجهود الأقل"، خارطة السير في الحياة بيسر وسهولة.

شيئاً فشيئاً ترجع لي ذاتي والتي كنت أراقبها كجزء منفصل ولا يمت لي بصلة. إذن هذا.. أنا!! أتحسس جسدي كي أستعيد روحي الهاربة، يبادرني صاحبي متسائلاً: هل فقدت شيئ؟
أكتفي بالنفي من خلال تطويح رأسي ويكمل قائلاً:
 ذكاء الطبيعة يؤدي وظائفه بسهولة لا تحتاج إلى أدنى جهد.. مع خلو البال. وعندما نستخدم قوى الانسجام والفرح والمحبة، نحقق نجاحاً وثراءً بسهولة ويُسر ومن دون عناء"!!

يردف ديپاك قائلاً وهو ينحني لإلتقاط عقب سيجارة مشتعل تركه أحد السواح على العشب. بعد أن يطفئه بواسطة حذائه مطوحاً به في سلة المهملات القريبة، يكمل "إذا عاينت الطبيعة وهي تعمل، لرأيت أنّ الجهد المبذول من قِبَلها هو الأدنى والأقل. فالعشب مثلاً لا يعمل جاهداً لينمو، إنه ينمو فقط. الأسماك لا تبذل جهدً لتسبح، إنها تسبح فقط. الأزهار لا تبذل جهداً لتتفتح، إنها تتفتح فقط. الطيور لا تجرب الطيران، إنها تطير وحسب.

 الطبيعة في جوهرها وحقيقتها تتجلى في داخل تلك الكائنات. الأرض لا تحاول الدوران حول محورها جاهدة لأن طبيعتها الدوران والفتل بسرعة مذهلة، ومن ثم تندفع بسرعة دون توقف عبر الفراغ الكوني. إنها طبيعة الأطفال أن يكونوا في غبطة وسرور، وإنها طبيعة الشمس أن تشرق، وطبيعة النجوم أن تتلألأ، وأخيراً، إنها طبيعة البشر أن يحلموا وتتبلور أحلامهم بصورة مادية بسهولة ومن دون عناء".

 نطق ديپاك بكلمة أخيراً عندما شعر أن المشي قد أجهدني ورغبتي في الجلوس على المقعد الحجري. 
أبتسمت معتذراً، ويربت على كتفي بتفهم،  ينظر باتجاه الأفق المفتوح إلا من بعض المباني الباريسية الشهيرة بتمايز عمارتها و برج إيفل والذي يمكن رؤيته بوضوح من هذا المكان.

 "في علم الفيدا، الفلسفة الهندية القديمة، يُعرف هذا المبدأ بمبدأ الاقتصاد في المجهود أو مبدأ (اعمل قليلاً وأَنجِز كثيراً) وبالتالي، وفي نهاية الأمر تصل إلى حالة لا تفعل فيها شيئاً وتنجز كل شيئ. هذا يعني أن هناك فكرة واهية وخافتة فقط، تظهر وتبرز من دون أدنى جهد، وما نسمّيه عادة (معجزة) هو فعلاً تعبير عن قانون المجهود الأقل. 

يقف ديباك متوافقاً مع نيتي بالنهوض، ونمضي في الطريق المعاكس لخط سيرنا  السابق، أومئ له برأسي حتى يستأنف حديثه الشيق:

"يعمل ذكاء الطبيعة تلقائياً من دون مجهود واحتكاك ومصادمة. إنه ليس خطياً( يتبع خطّا مستقيماً)؛ فهو وجداني، بَدَهيّ، يحبّذ مصلحة الكل على مصلحة الفرد، مغذّ. فعندما تكون منسجماً مع الطبيعة وراسخاً في معرفة نفسك الحقيقية، يمكنك ان تستفيد من قانون المجهود الأقلّ". 

عندما نصل قريباً من السان جورج، أقف مشيراً إلى طريق سكني، الفندق والذي امتدت الإقامة فيه أسبوعاً رتيباً فقدت مع تلك الفترة معنى الوجود والإحساس بطعم الحياة المبهج. كانت تلك رحلة مفاجئة رتبت لها على عجل. هروب من قتامة في النفس وشعور بانعدام المعنى. 
ناولته بطاقة التعريف بشخصي، وبادلني بأخرى تحمل تعريفاً بشخصه: الدكتور ديپاك شوپرا، المدير التنفيذي لمؤسسة Institute of Mind-body  Medical and HUman Potential  ، في مركز شارب الطبي في سانتياغو، كاليفورنيا. 


[٣] (خطوة في ركاب "الغوث": ابن شاپاك السندي، نزيل الروم)

دعوته إلى الغداء في مطعم "العجمي" والقريب من هنا، أعتذر بلطف: لدي ارتباط سفر بعد ساعتين من الآن. وقفت بصمت متطلعاً إلى وجهه وبتعبيرات تستجديه البقاء لحاجتي الروحية البائسة إلى حديثه.. وعلاجه، هو الآخر قرأ في ملامحي تلك الرغبة، ولعل مظهر البؤس المزمن والذي ترك أعراضه على صفحة وجهي؛ الهالات السوداء تحت الجفون، الخطوط المحفورة على جانبي الصدغ، هي من جعلته يتراجع خطوات إلى الخلف ويدعوني إلى مرافقته:
- هل لديك إلتزام هنا في باريس؟
- ليس لدي أي ارتباط من أي نوع، أنا أملك كامل وقتي، أجبته بتضرع. 
- إذن لماذا لا تصطحبني نحو الجنوب الفرنسي.. مدينة أنسي و بحيرتها الشهيرة، حيث المساكن الملتوية بانحنائة النهر وشديدة الشبه بفينيسيا؟
 ثم أردف: لدي حجز لغرفة أخرى، كانت لصديقي الذي تخلف في بروكسل لإلتزام طارئ. تستطيع الحصول عليها. 

عندما كنت أحزم حقيبتي حانت مني إلتفاتة إلى برج إيفل الشاهق بالرغم من إطلالتي عليه من الدور الرابع والثلاثين، حتى كأني ألمحه لأول مرة من هنا؛ هل كان بناءه هو أيضاً نتيجة للمجهود الأقل!!؟؟

القطار وفي انطلاقته ميمماً نحو مدينة ليون العريقة.. (نسيت أن أخبركم بالتعديل الجديد على الرحلة. بعد قراري المفاجئ بالسفر مع صاحبي إلى أنسي، كنت وقتها أتعامل مع العالم الحديث بعقلية الإعرابي في إدارته لشئون حياته؛ العفوية والارتجال. لم تكن هناك إمكانية في سفري إلى أنسي هذا المساء، سنترافق إلى ليون، وفي الساعة الحادية عشرة من صباح الغد سوف التحق به هناك). 

في الطريق إلى ليون كان منظر المباني في ضواحي باريس، كأيدٍ كثيرة.. كل مبنى يدفعني إلى الذي يليه في تقاذف سريع حررني من ثقل سرعة قراري بالسفر. الأمور لدي عادةً  تحسم بعد ساعات من الحوار الداخلي المضني!! التردد، خوف التغيير، أو أن ذلك نابع من ريبة الأعرابي وحذره؟! لست أدري.  

كان صاحبي يمارس التأمل.. مسحة من السلام الداخلي لديه خرجت على شكل وجه أسمر لا ملامح له. احترمت صمته، وتحرك ببطئ على شكل استفاقة هادئة من نوم عميق. 
حدثني عن الصمت كممارسة فزودني بوصاياه، غفر الله له:

عليك أن تستهدف حقل الطاقة الكامنة، حقل جميع الإمكانات. وإحدى الطرق التي تقود إليه هي من خلال التدرب على الصمت، والتأمل، وقضاء وقت مع الطبيعة. 

حدد وقتاً قصيراً من آنٍ لآخر لممارسة الصمت، ساعتين في اليوم، وإذا كان كثيراً عليك فليكن لساعة يومياً. 

عليك أن تتعلم التواصل مع عميق جوهر وجودك. هذا هو الجوهر الحقيقي هو فوق النفس الأنانية. لا يعرف الخوف. أنه حرٌّ ومحصن من الانتقاد؛ لا يخشى التحدي. وهو ليس دون أحد ولا يتكبر على أحد، يزخر بالسحر والغموض. 
كلما أزدادت هيمنتك أكثر وأكثر على طبيعتك الحقيقية، ازداد تلقائياً تلقيك أفكاراً خلاقة. 


[٤] (خطوة في ركاب "الغوث": ابن شاپاك السندي، نزيل الروم)


أخبرته عن ممارسة العزلة لدى المتصوفة المسلمين. أربعون يوماً يقضيها "المريد" في صومعة معزولة، ليست لها نافذة سوى طاقة علوية من أجل ادخال الطعام والشراب. من يجتازها يترقى في السلك الصوفي، قلة من التلاميذ من يستطيع إكمال المدة، الغالبية يتوقفون في الأيام الأولى ويطلبون الخروج. 

اكتسى وجهه الجدية وهو يعلق على حديثي: ما ذا يحدث عندما تنخرط في ممارسة الصمت؟ حاولت الإجابة..، لكنه أسترسل "في البداية يصبح حوارك الداخلي مع نفسك أكثر اضطراباً، وتشعر بحاجة ملحّة إلى قول شيئ ما. لقد عرفت أناساً فقدوا توازنهم وكأنما جُنّوا في الأيام الأولى التي صمتوا خلالها لمدة طويلة، ولكن سرعان ما بدأ حوارهم الداخلي يصفو ويهدأ، ليزداد بعد ذلك صفاءً وعمقاً. لأن التفكير يستسلم بعد مدة من الصمت، ويدرك أن لا فائدة من اللفّ والدوران. عندئذٍ، وفي وقت يبدأ الحوار الداخلي بالهدوء والسكون، تبدأ أنت باستشعار السكون في حقل الطاقة الكامنة المحضة. 
في هذه المرحلة، يمكنك أن تُدخل نبضة أو دفعة ضعيفة من القصد والإرادة في هذا الحقل، ليتم تحقيق رغباتك تلقائياً. 

أستحضر حديثه في القطار وأتذكر موقفاً آخر له فيما بعد.
كنا يوماً نقف بجوار بحيرة أنسي، رمى بحجر في وسط الماء، أشار إلى تموجات الماء. بعد أن هدأت تلك التموجات وسكن سطح الماء، رمى حجراً ثانياً.. هذا ما تفعله تماماً عندما تدخل حقل الصمت التامّ والمطبق وتعرض غايتك. أكمل ديپاك، في هذا الصمت حتى أضعف الغايات سوف تتموج عبر الأرضية الأساسية للوعي الشامل والعامّ الذي يربط كل شيئ بكل شيئ آخر، إذا لم تمارس السكينة في وعيك، وإذا كان فكرك أشبه ببحر هائج، فإن بإمكانك أن ترمي فيه ناطحة سحاب ولا ترى أية تموجات". 

كاظم الخليفة
************

من قال بأن الطاعة لله أو للأنبياء يجب أن تكون بقناعة و لا تكون فاعلة إن كانت موروثة فهذا غير صحيح .. فنحن جميعا على ما وجدنا عليه آبائنا لا خيار لنا فيه وهذا هو السائد ولا أتحدث عن شواذ .. وبالنسبة للطاعة فهي لا يوجد بها سلبي ولا إيجابي واقعا .. لأن تشخيص حالة السلبية والايجاب تعتمد على الموقف و حيثياته و منظومته كاملة العقدية والفكرية والتنظيمية .. و عندما اخذ نبي الله  إبنه إسماعيل ليذبحه من خلال رؤية منامية لم يفكر للحظة ولم يتردد لأنه يعلم أن مصدر الأمر رباني وعليه التنفيذ دون نقاش ولا حاجة لقناعته هنا او مشاعره .. كذلك هو الحال بمن كان يعيش في زمن النبي أو الأئمة أو الخلفاء حتى لم يكن له خيار الأخذ والرد بنص القرآن " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة الخيرة إذا قضى الله ورسوله أمرا " فجميع اتباع الأئمة مثلا كانوا لا يرون مانعا أن يرموا أنفسهم في نار مشتعلة اذا ما أمرهم المعصوم وهنا لا علاقة للعقل والعاطفة بالموضوع فالأفيون الديني أكبر من التفكير هنا .. ولعل الطاعة العمياء ليست مقتصرة على الأنبياء و المعصومين ولكن النظم الإنسانية عبر التاريخ إستطاعت عبر التراكم المعرفي والثقافي جعل الإنسان يقبل بالتنظيم و يراه هو السبيل الصحيح للتقدم مبتدءا بتنظيم الجيش الصغير في عصابة  والتي قد تجعل الفرد يقدم نفسه قربانا للتنظيم و يفتدي بنفسه ما لا يمكن تخيله من درجة الطاعة و طاعة القائد الى احترام التنظيم الأكبر للجماعة الإجتماعية وصولا الى الدولة الحديثة .. و بالنظر من ناحية انثروبولوجية نجد أن بعض القبائل الهندية مثلا تلحق الزوجة وهي على قيد الحياة بزوجها المتوفى و تكون قابلة تماما و مستسلمة و مفتنعة بأن تدفن معه أو تحرق حتى وإن إعترضت هي على ذلك تبقى في آخر المطاف جزء من منظومة ثقافية إجتماعية .. ولعلي هنا أشير إلى مقولة عالم الإجتماع الشهير دوركايم عندما قال .. إذا تحدثت أنا فهذا الحديث هو صوت المجتمع الموجود بداخلي .. أي أن الإنسان إنعكاس تام لمجتمعه من نظم وعقائد و أفكار .. و بالنسبة لقضية الإمام الحسين و طاعة اصحابة في مقابل طاعة جيش ابن زياد لعمر بن سعد انما هو أمر لو تمت دراسته بتجرد و بعين غير إسلامية و بنظرة سياسية بحته لرأيته أمر طبيعي جدا ما جرى على الحسين ع واصحابة .. فالنظم العسكرية لا تخضع للعواطف .

عبدالهادي البريه
**************



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق