الأربعاء، 27 أغسطس 2014

حوار حول دعوة السيد احمد الحسن

حوار حول دعوة السيد احمد الحسن
(الدعوة اليمانية)

المشاركون :


كاظم الخليفة :
المهدوية بين إرادة الغيب والإسقاط البشري.. مناقشة ثقافية


جاسم الصحيح:
شاعرية الدعوة الخلاصية

مهدي الرمضان:
 قضية اليماني وتمرين مع مواجهتي لذاتي


كاظم الخليفة :
قراءة في مفهوم البشارات لدى حركات أدعياء المهدوية،البهاء نموذجاً

عقيل عبدالله :
دعوات الخلاص .. الدعوة اليمانية أنموذجا..


صلاح الهاجري:
 الحمالي وهب و اليماني





  




[١]

كاظم الخليفة :

"المهدوية بين إرادة الغيب والإسقاط البشري.. مناقشة ثقافية"
 

عندما نقل المرحوم آية الله الخميني مفهوم المهدوية من الحقل الفقهي (صلاة الجماعة في الغيبة والقضاء وسهم الإمام)، إلى علم الكلام واستنتج نظرية ولاية الفقيه بعد التنظير لها عقائديا كمطلب آني ملح يمس العقيدة ويمنح الفقيه مقدارا كبيرا من الحركة في مساحة التشريع وقيادة الأمة، فهو قد أعاد تفعيل عقيدة المهدوية وأحياها من سباتها الطويل كإيمان نظري وتعبدي في المقام الأول. لكن في للمقابل نجد أن هناك تيارا مغايرا بدأ بالتشكل ويدفع بعقيدة المهدوية إلى آفاق روحية رفيعة بإعادتها إلى الجانب النظري من العقيدة الشيعية وذلك في رؤية السيد كمال الحيدري الأخيرة في وجوب ربط نظرية المهدي بحقيقة الإنسان الكامل وضرورة وجوده ليس باعتباره مخلصا فقط، بل من خلال نظرية الفيض الإشراقية وكونه علة وجود الكون والخليقة. فبقاؤه عليه السلام تلبية لحاجة حفظ تماسك العالم وعدم اختلاله، وكذلك يضيف السيد الحيدري أن مهمة الإمام المهدي لا تنحصر في دفع الشرور والأذى عن الطائفة لكون الضرر على الشيعة كان موجودا في وقت الأئمة عليهم السلام ولم يغيروه.

لا شك أن مفهوم المهدوية لدى السيد الحيدري يتطابق ومفهوم الخاتمية لمحمد إقبال والاعتماد على الرشد البشري بعد قفل السماء أبوابها وحجب الرسائل المباشرة بين الله تعالى والبشر، وان على البشرية بعد بلوغها مرحلة الرشد أن تشق طريقها في الحياة وفق الهدي النبوي لرسولنا العظيم وآله الكرام.
لكن هناك من فك هذا الختم حاليا وبشر بانتهاء عهد نضوج الانسان وعدم كفاءته لقيادة ذاته، وبالتالي وجد سببا من خلال المرويات الشيعية تبشر بقدوم الغائب واسقطه على نفسه في سابقة تغاير ما هو معهود من ادعاءات المهدوية مثل باب الإمام وحاجبه أو أنه المهدي نفسه.. ليقول أنه خليفة المهدي!!



[٢]

بعد هذه الصورة البانورامية لمفهوم المهدوية والمرور السريع على أبرز الإزاحات المفاهيمية التي طرأت عليه، فهل يمكن الاستمرار في مناقشة مجمل فلسفة المفهوم ثقافياً بعد عزله عن روافده وشرايينه التي يتغذى عليها عقديا مثل أدلة القرآن الكريم والأحاديث الشريفة؟
بمعنى آخر، هل يمكننا نقل مفهوم المهدوية من العقيدة إلى الثقافة ومحاورته هناك بعيدا عن تشبث الروح بما أستمرأته من سكون ويقين، وهو الذي منحها في السابق فسحة كبيرة من الأمل والاطمئنان، فهل يتسنى لنا ذلك؟
كيف لنا أن نُثور هذا الأمل الخامل والمستتر برداء الدين ونجعل منه شعار عمل يودي دورا حضاريا يقودنا إلى الفعل المثمر بدلاً من المماحكات التنظيرية المجردة والتي تُدور الزوايا بدلاً من أن تغير شكل الفكرة الهندسي؟

لا شك أن عقيدة المخلص أو المهدي المسدد من قبل قوى غيبية يكاد أن يصبح
فطرة بشرية تماثل الإيمان بإله فائق القوة  وكلي المقدرة لدى شعوب البشرية منذ يومها الأول على وجه الأرض، فكما تطورت عقيدة الإله من التعدد إلى التوحيد، تطور كذلك مفهوم المخلص ومهامه بشكل يتماشى ونضوج الوعي البشري، وأحيانا ينزلق المفهوم في فخاخ الماضوية ويبقى أسير تصورات تراثية مثل بعض الفرق الدينية في امريكا والعالم والتي تبشر بقرب نهاية العالم بقيادة أحد الزعماء الدينين، وكذلك نظيره لدينا مؤخراً في دعوة الباب السيد محمد علي الشيرازي في القرن التاسع عشر، وخليفة الامام المهدي السيد أحمد الحسني المعاصر.
فالمثقف المعاصر وعند تناوله لقضية المهدوية، فهو لا يعارض الغيبيات والبشارات الدينية ولا يقابل العقيدة بقدوم مهدي منتظر في المستقبل كأحلام دينية، بل يبقيها في أفق الغيب المقدس ثم ينظر في واقع حياته الحالي ويرى مدى استحقاق هذه العقيدة حاليا وجدوى اليقين بحضورها ومدى توافقها مع شروط المرحلة. ولعل أول سؤال يتبادر إلى أذهاننا هو: لماذا يتكرر ادعاء المهدوية في تاريخنا الشيعي وما هي ملابساته؟
باعتقادي هذا سؤال كبير عندما نتناوله في هذه المساحة الضيقة من وسائل التواصل الاجتماعي (الواتس أب)، وطبيعة الحوار فيه، لكن لنضع فرضية واحدة فقط ونختبرها للأجابة على هذا التساؤل وهي "السلطة" بمعناها الفكري وليس السياسي.
فعندما يخرج علينا مصلح ديني أو ناشط اجتماعي بأفكار مغايرة فهو يصطدم بعقبة الشرعية وهذا ما يجعله في الحقيقة  يمرر فكرته من خلال التماسه شرعية الغيب والانتساب إلى الإمام المهدي. نستطيع وبكل راحة أن نختبر فرضية "السلطة" والشرعية لنفحص من خلالها جميع الحركات المهدوية ابتداء بالكيسانية مرورا بالدولة الفاطمية والإمام عبيدالله المهدي، ثم بالمشعشع ونور بخش والباب وعبد البهاء.. انتهاء بالسيد أحمد الحسني.
لكن المثير في تلك الدعوات ليس غرابة مبادئها وشخوصها، بقدر اعجابنا بالمجتمع الاسلامي الشيعي الذي لم يمنح تلك الحركات إيمانه وتسليمه بشرعيتها إلا من خلال أفراد قلائل وذلك في ظني راجع إلى أرتفاع مقاييس المجتمع وشروطه في شخص المهدي والذي لم يبرهن الأدعياء السابقون على امتلاكهم لمواهب استثنائية، فبالتالي سقط مشروعهم ولم يكتب له النجاح. وهذا ما يكشف لنا لماذا لم يدعي السيد أحمد القبانجي المهدوية عندما بدأ ينشر عقيدته والتي تتشابه في جزء كبير منها مع عقائد مدعي المهدوية في القرن الثالث الهجري الشلمغاني! وبذلك استطاع نشر عقيدته في أوساط مهمة من المجتمع الشيعي، والمثقفة بالذات.
السبب الآخر في فشل الحركات المهدوية السابقة يمكن افتراضه في أنه ليس من اليسير على الفرد المؤمن أن يغير عقيدته ويتحول إلى إيمان آخر إلا نتيجة لعوامل وظروف أشد تعقيدا من ان يستجيب لمجرد ادعاءات يدرك بحسه الفطري أنه يمكن التلاعب في أدلتها ورماديتها بحيث تقبل الأمر ونقيضه عندما يسقطها على الشخوص المدعية.

وحتى نبتعد عن التنظير والبحث في المجردات، دعونا نسترجع حالات أدعت فيها شخصيات بنيابتهم عن الإمام المهدي عليه السلام أو أنهم المهدي بلحمه ودمه، ثم نستخلص منها بعض النتائج.



 [٣]


أ- محمد علي الشلمغاني:
برز الشلمغاني في ظروف عصيبة كانت تمر بها الأمة الإسلامية في نهاية القرن الثالث الهجري، فسياسيا كانت الحركة القرمطية تطرق أبواب بغداد، وفكريا أحاطت دعوات الحلاج والبسطامي الصوفيتين بخناق الفكر الإسلامي الرسمي ونازعته في تأويل مختلف للدين، مضافا إلى ذلك الغيبة الصغرى للإمام المهدي عليه السلام وعهد السفارة الثالثة لأبي القاسم حسين بن روح.
كانت بداية دعوة الشلمغاني هي ادعاء السفارة عن الإمام المهدي، وليتجاوز في ذلك السفير بن روح الرسمي حيث أخذ بإصدار البيانات والرد على الأجوبة باسم الإمام، ثم يتدرج في دعواه إلى أنه روح الإمام المهدي وصولا إلى تناسخ الأرواح وادعاءه بأنه "إله الآلهة"!!
كانت منطلقاته الدينية لم تتعدى السائد من معارف عصره والتي اكتست بالنزعة الصوفية كمقولات الحلاج وأبي زيد البسطامي وعقيدة وحدة الوجود. يروج الشلمغاني لفكرة الحلول الإلهي في البشر ويشرحها بأن الله تعالى مجرد فكرة  يستبطنها كل فرد، لكن وعيه هو بالله يعتبر الأقوى. أما بخصوص الصلاة والصوم والوضوء، فهو ينفيها عن شريعته الجديدة ويبرر وجودها في السابق في أن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله كان في زمن تسوده ظروف خاصة، لذلك يجب أن تتغير الأشكال العقائدية.


 [٤]

ب- محمد بن فلاح المشعشع:
ولد في جنوب العراق "واسط" في مطلع القرن التاسع الهجري، وينحدر من سلالة الإمام الكاظم عليه السلام. درس العلوم الدينية منذ صغره وتتلمذ على يد الفقيه البارز أحمد بن فهد الحلي وتزوج كريمته. فبجانب دراسته الدينية التقليدية، درس أيضاً على الفرق الصوفية وبعد تمكنه من التصوف انشق على أستاذه الحلي وأعلن أنه المهدي الموعود وكان ذلك في عام ٨٤٠ هجرية، ثم شكل مليشيا مسلحة لمهاجمة قرى ومدن جنوب العراق وخوزستان لإجبارهم على القبول بدعوته، هذا غير نهبه لقوافل الحجيج وهدمه لضريح الإمام علي عليه السلام في النجف.
أما عقيدته، فقد ادعى انه مكلف بمهمة دينية معينة لإفهام الناس بحقيقة الأنبياء والأئمة الإثني عشر، وأنهم جميعاً احياء وان موتهم كان مجازيا. أما هو فيعتبر نفسه على انه الجانب الظاهر من الإمام المهدي المستور، وسمى نفسه أيضا بفقيه آلِ محمد وأظهر تشددا دينيا في الطهارة وأشكال العبادات وغير الكثير منها.

ج- محمد بن محمد بن عبدالله (نور بخش):
ولد محمد نور بخش في خراسان في العام ٧٩٥ للهجرة، وتعود أصول والده إلى منطقة الأحساء (لم أتمكن من تحقيق تفاصيل حياة والده وبمن ينتسب في الاحساء ومحل إقامته فيها قبل هجرته إلى مشهد)، فقد درس الإبن محمد نور بخش العلوم الدينية ثم انخرط في احدى الفرق الصوفية وانتسب إلى النسب النبوي الشريف وروج ذلك عند اتباعه، وتلقب ب نور بخش وهو يعني (واهب النور)، ثم ادعى المهدوية.
كانت فلسفته في الإدعاء بأن الإمام المهدي عليه السلام قد توفي بعد انقضاء عمره بشكل طبيعي، إلا أن الخلفاء العباسيين أخفوا ذلك وروجوا لدى الشيعة حينها بأنه غائب وسيعود لاحقاً، حتى يحافظو على سلطانهم وحرمان الشيعة من القادة القادرين والمؤهلين لإنقاذهم. فروح المهدي قد حلت فيه (نور بخش)، ودعم ادعاءاته بالمنامات ومكانته كشيخ طريقة صوفي. بعد وفاته امتدت دعوته إلى الهند واستقرت حتى الآن في كشمير.



[٥]

د- البابية والبهائية:
مسمى "الباب"، أو حاجب الإمام ظهر لأول مرة في زمن الغيبة الصغرى وقد ادعاه الكثير من المتطلعين إلى زعامة الشيعة بادعاء اتصالهم بالامام المهدي عليه السلام، إلا أن السيد محمد علي الشيرازي هو من اشتهر بهذا اللقب وكان ذلك في العام ١٢٦٠ هجرية، والذي كان من تلامذة الشيخ أحمد الأحسائي ثم بعده السيد كاظم الرشتي.
حظيت دعوته بقبول واسع في العراق وإيران حتى إعدامه بالرصاص، وليحمل بعده تلميذه عبد البهاء، حسين علي النوري راية الطائفة، وطور نظرية أستاذه من الباب إلى إدعاء المهدوية، ثم الرسالة وانه مظهر تجلي الله تعالى، وانه مرسول إلى العالم لتوحيد دياناته وبالتي تعتبر شريعته ناسخة لشريعة الإسلام.

الخلاصة المتحصلة من هذه النماذج الأربعة في ادعاء المهدوية نستطيع تلخيصها في التالي:
١- جميع هذه الدعوات بدأت بالنيابة عن الإمام المهدي ثم شطحت ليصل بعضها في ادعاءه بالحلول الالهي أو أن لديه شريعة ناسخة.
٢- جميع هذه الدعوات جاءت في ظروف سياسية واجتماعية صعبة، وكانت تعتبر في مشروعها الخلاص من الظلم والتعسف.
٣- الملمح الصوفي بارز في تكوينها الفكري وكذلك امتزاجه بالفلسفة.
٤- جميع المدعين دللوا على صحة ادعائهم المهدوية بإشارات وردت من خلال مرويات الشيعة وعززوها بالمنامات.
٥- أول مواجهة لهذه الحركات كانت مع العلماء والمجتهدين التقليديين ويتم ذلك من خلال الطعن فيهم واتهامهم بالفساد والتضليل.


 [٦ والأخيرة]



بعد مرورنا جميعاً على أحداث تاريخية موثقة في صفحات التاريخ وكلها تتشارك مع دعوة السيد أحمد الحسن وتختلف معها في الآلية فقط، فهل تجد في دعوة هذا السيد اختلافا عن البقية وانه يتفرد عنهم بخواص معينة؟ فجميع من سبقوه ادعوا بامتلاكهم الشرعية من خلال إسقاط الإشارات الواردة في احاديث أهل البيت عليهم السلام على شخوصهم وبأنهم المقصودين بتلك الإشارات ثم يسلكون الخطوات نفسها للتبشير بعقيدتهم ثم ينتهون كذكرى في التاريخ أو باتباع لا يتعدون البضعة ملايين فقط.
أما بشأن ميزة الانتساب إلى الإمام عليه السلام، فهي ميزة شريفة بلا أدنى مواربة، لكننا نرى بعض أدعياء المهدوية كذلك قد ادعوا قبله انتسابهم بيلوجياً إلى الدوحة الشريفة للرسول صلى الله عليه وآله، لكن البنوة للإمام المهدي لم يدعيها أحد منهم، لكن هل توجد ذرية للإمام عليه السلام، وهل تعتبر ميزة يترتب عليها وراثته والنيابة عنه دينيا؟
الجواب هو نعم ولا.. الإيجاب هو عندما استشعر الشاعر العربي الكبير المتنبي أنه يحمل دما مقدسا بانتساب جدته لوالدته إلى الإمام المهدي، كما يقول أديب البحرين الكبير ابراهيم العريض، ودفعه ذلك لادعاء النبوة، وهذا ما عناه في رثائه لجدته بقوله:
ولو لم تكوني بنت أكرم والد
لكان اباك الضخم: كونك لي أماً).

أما في الجواب السالب والنافي لترابط ادعاء النسب بالامام المهدي عليه السلام، ووراثته دينيا فيتضح من خلال هذه الواقعة:
لدي صديق مصري يعمل كمهندس كهرباء في شركة سويسرية واسمه عبدالله حامد، أخبرني بأنه سيد قرشي ومن نسل الإمام المهدي. تقبلت ذلك منه وأولته أنه قد يكون من سلالة عبيد الله المهدي الفاطمي، لكنه قال لي بأنه من نسل الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري بن الإمام علي الهادي. أنكرت عليه ذلك لعدم احتمالي أن يكون للإمام المهدي ذرية، لكنه في اليوم التالي حضر وبيده وثيقة نسب مختومة من السادة الأشراف المصريين تصادق على نسبه وصلته بالدوحة الهاشمية عن طريق الإمام المهدي.
إذن ادعاء النسب المهدوي الشريف لصديقي المصري لم يرتب عليه اي ادعاه تبشيري يدفعه هو وأسرته باحتلال مقعد المهدي.

لذلك أشكرك جزيل الشكر على دعوتك لنا للإنضمام إلى دعوة السيد أحمد الحسني وأهمس في أذنك بأن الطموح الإيماني والفكري لدى الشيعي المعاصر لا يشبعه فكر لا يبرهن على قوته إلا من خلال الروايات والأحاديث والتي تم استهلاكها من قبل في أحداث تاريخية مشابهة.
تقبل تحياتي وأمنياتي لك بالوصول إلى السعادة الروحية التي تنشدها.
كاظم الخليفة





  




جاسم الصحيح:
شاعرية الدعوة الخلاصية



الفكرة المهدوية والفكرة اليمانية وحتى الفكرة المسيحية كلها أفكار شاعرية في جوهرها لما تحمله من الأمل بعودة الإنسان إلى الصفاء الأول عبر نشر العدالة المطلقة على الأرض. هذه الأفكار عبارة عن ازاميل تفتح لنا نوافذ وكوى في جدار الوقت المعتم على أمل أن يتسلل إلينا قليل من الضوء. لذلك فإنَّ الإيمان بهذه الأفكار محبب إلى النفس حيث يمنحها الأمل والتفاؤل في أن الغد سيكون أفضلَ يوماً ما، والجميع يتمنى أن يعيش ذلك اليوم.

لكن الكارثة تحدث عندما تتحول هذه الفكرة أو سواها من الأفكار إلى حقيقة مطلقة في نفوس معتنقيها وتنتهي إلى أيدولوجيا ذات مخالب.

لذلك لو انتصر الشاعر على الباحث فيه وأرجو أن يحدث ذلك.. فسوف يتعامل مع الفكرة اليمانية بأسلوب رمزي بدلا من أن تكون حقيقة مطلقة.

ربما يقول البعض أن المعتقدات الدينية لا يمكن قراءتها شعريا، فالشعر عمل خيالي. أنا سأقول أكثر من ذلك، الشعر كائن عبثيّ جدا لكنَّ عبثه جميل، لذلك تعشقه الناس. إنه
 مهووس بتأويل الظواهر الكونية تأويلا أسطوريا كي يصعد بالواقع الي فضاء الغيب ويفتحه على أفق من التأويلات تتسع لكل مقترحات الحياة.

أعتقد أن كل فكرة تعيش خارج نطاق الزمان والمكان، تكون أعلى من سقف العقل ولا يمكن ملامستها أو مقاربتها إلا بالخيال، وإذا كان الخيال شعريا ، تجلت الفكرة في أبهى تجلياتها لأنها في الاصل فكرة شاعرية. لذلك فإن الدين كله يمكن تأويله مجازيا كي يتجلى في حقيقته الأجمل.

أنا هنا لا أجادل الأستاذ في طرحه الإيماني فهذا حق من حقوقه وهو مقتنع حدَّ التفاني في هذا الطرح كما هو واضح من دفاعاته الواثقة بنفسها. أنا فقط أدعوه وأدعو نفسي وأدعو الجميع للانتصار للحياة على حساب كل الأفكار التي لا تنتصر لها.. ويشرفني أن أضع بعض أبياتي الشعرية هنا لعلها تخفف من غلواء الحوار :


أينَ الأغاني التي مَدَّتْ سواعدَها

نحو الحياةِ كمنجاتٍ كمنجاتِ؟!

قد تستريحُ عذاباتُ (المسيحِ) إذا

حَنَا عليها نشيدُ (المريميَّاتِ)!

فـهل يعود (المغنِّي) بعدما انغلقتْ

في وجهِ ألحانِهِ كلُّ (المقاماتِ)؟!

عُمري تشظَّى وأيَّامي يُوَحِّدُها

يومٌ تَرَسَّبَ في قاعِ المراراتِ

ما زلتُ أحلمُ بالزيتونِ مندلقًا

على الحياةِ بأنغامٍ سَخِيَّاتِ!

حُرِّيَّتي في (الموسيقا) .. إنَّ أغنيةً

تكفي لأكسـرَ أغلالَ الهُوِيَّاتِ!

وكلُّ مَنْ شابَهوني في مصائرِهِمْ

أهلي، وإنْ خالفوا (حِمضـي) و(جيناتي)

كُنَّا قطيعَ مِظَلِّيِّينَ  في أُفُقٍ

من الـمُنَى، وعَلِقْنَا بالمِظَلَّاتِ

تناسلَ الليلُ قطعانًا، وما طَلَعَتْ

شمسٌ تُرَتِّبُ هندامَ الصباحاتِ

وكُلَّما عاد في أحجارِ زَلَّتِهِ

(قابيلُ)، أيقظَ جرحَ (الكربلاءاتِ)!

في خاطرِ الحربِ لم يبرقْ لنا حُلُمٌ..

ذاك البريقُ بريقُ البندقيَّاتِ!

ما نحن إلا مرايا اللهِ أَنْشَأَها

وعاد يكسـرُ مرآةً بمرآةِ

لا (يوسفٌ) بيننا يزهو (الصواعُ) بهِ

و(الذئبُ) أطهرُ من كلِّ الحضاراتِ

و(الريحُ) أصدقُ من كلِّ الذينَ أَتَوا

يُلَوِّحونَ بِـ(ـقمصانِ البشاراتِ)

ما كان أكثرَ ما قامَتْ قيامتُنا

ما كان أكثرَ (أيَّامَ الحساباتِ)!!

أَجَنَّةٌ في ضميرِ الغيبِ واحدةٌ

تُكَلِّفُ الخلقَ آلافَ (القياماتِ)؟!

سِـرٌّ (يُمَسْـرِحُ) في الدنيا مواجعَنا

ونحنُ نلعقُ حلوى المسـرحيَّاتِ

لنا من الوهمِ أوثانٌ نقدِّسها

لم تَـخْلُ روحٌ من (العُزَّى) أو (الَّلاتِ)

أرواحُنا تتحرَّى (فتحَ مَكَّتِها)..

فما انتهَى في الهدى عصـرُ الفتوحاتِ!

و(مَكَّةٌ) بضجيج الناسِ مُثْخَنَةٌ

والناسُ ما بين (ميقاتٍ) و(ميقاتِ)

لم تُزْهِرِ الأرضُ إلا حينما اخْتَلَفَتْ

في نكهةِ اللهِ أذواقُ البَرِيَّاتِ

ما كلُّ هذي الأفاعي بيننا انْسَـرَبَتْ

حتَّى تَقَصَّفَ بستانُ العناقاتِ!

متى يُقام علينا (حَدَّ رِدَّتِنَا)

عن الهوى، فالهوى دينُ الدِّياناتِ؟!

يا ربُّ.. خُذْنَا إلى ما لا نـهايتِنا

فالـحُبُّ أن نلتقي في الَّلانـهاياتِ!





  





مهدي الرمضان:

 قضية اليماني وتمرين مع مواجهتي لذاتي.


لكل منا تعريف لذاته وتأطير لهويته ومرتكزات لشخصيته.
هذه العناصر مجتمعة هي ما يفرقنا عن بعضنا كشخصيات وما يحدد مشتركاتنا كبشر مع آخرين من البشر في دوائر ثلاث اما أن تنطبق مع ما لديهم وهم جماعتنا الاقربين فكريا و ثقافيا او تتداخل في اجزاء منها معهم وهم من لدينا معهم بعض المشتركات او تتمايز وتنفصل عن دوائرهم دوائرنا تماماً وهم أقسام ثالثة لا توجد أي مشتركات ثقافية نتلاقى معهم فيها.
لعل أقدس قدسيات المرء هي دائرة مكونات هويته ومحددات شخصيته ففيها تكمن معتقداته وخصوصياته ومسلماته وقناعاته وتلك من ارسخ الراسيات في أعماق وجدانه لا يقبل بسهوله تحديها وسيقاتل لو إقتضى الأمر من يقتحم عليه خلوتها. 
ولعل المرء يسور اهم مرتكزات هويته وهي عقائده  بالاسوار الأعلى والحراسات الأمنع والدفاعات الأقوى منعا لغيره من تسورها أو كسر اقفالها وإقتحامها وإن تجرأ احد عليها فهو مقاتل له بلا محيص.
قضية المهدوية مع ما يكتنفها من حيثيات تجعلها غارقة في مفهوم الغيبيات والفرضيات الماورائية ومسرح عملياتها المستقبل الغير محدود زمنيا والمحذور فيه التوقيت وما اسس لها من روايات من مصادر متعددة بها من الغموض والضبابية فيما يتعلق بشخوصها اللاعبين اهم ادوارها وفي تنبؤات توقيتاتها وإرتباط كل ذلك بمستوى عاطفي ووجداني عالي الوقع يتوق المرء المؤمن بها ليكون جزء من أحداثها ويرغب أن يساهم في مجرياتها. هذا التلهف من المعتنقين لمفهوم المهدوية وخاصة في اوقات الازمات السياسية والضغوط الإجتماعية يجعل في نسيجها الفكري فجوة إفتراضية واسعة تسمح من خلالها بالنفاذ لمدعيّن  يحدثون إنشقاقات وتشظيات لحركات ترفع عنوان المهدوية تتبرعم بداية ومن ثم تنفصم من الجسد الشيعي من خلال إدعاء شخص بأنه المهدي الموعود أو بأنه أحد الشخوص السابقين والممهدين أو اللاحقين والمعاضدين له إعتماداً على الرويات والنصوص الغير محكمة.
ما يهمني فيما يتم استعراضه من قضية اليماني أو النقاشات المحمومة حولها، إنني مارست واجتزت تمرين ذهني وضعني مباشرة أمام تحدي لذاتي  ومحاكمة لقناعاتي ومسلماتي.
ليس يسيراً ان يواجه المرء ذاته بل ازعم إن مواجهة الذات اشد مضاضة من حمل الجبال واعظم شجاعة من مقارعة الكواسر.
في لقاء مع أحد المروجين المتبنين لقضية اليماني في مرافعة له لمّح يدعوني للإلتحاق بركبه وكاد أن يتمكن من ان  يوصلني لحالة مواجهة ذاتي ليس بسبب قوة منطقه وسلامة إفتراضاته فهو- من وجهة نظري- ومع مقدرته الفذة في المثابرة وقوته في التركيز والتكرار والإعادة لمنطلقاته الدعوية من زوايا عديدة وبطرق مختلفة لم يقنعني بدعوته برغم الشلال الهادر من محاولاته او يجرني لما طلب. لفتني انه كان يستند على إستراتيجية ذكية لمحاصرتي اسميها "أما القبول بمنطقي أو اضعك في مواجهة ذاتك" فهو بمواربة ومخاتلة يشير لي إن مبتنياته المنطقية على صحة وصدق دعوة اليماني هي نفس مبتنياتي المنطقية بصحة وصدق نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وليس أمامي إلا ان أقبل صدق دعوة اليماني أو مراجعة ذاتي في تصديق نبوة محمد (صلى الله عليه وآله).
تنبهت لإستراتيجيته مبكرا وعلمت مقاصده بوضوح.
أنقدحت على أثرها في ذهني فكرة ان  أدخل في تمرين ذهني بمواجة صريحة مع ذاتي لاستخلص منها أنا وفي معزل عنه كل ما قد يترتب عليها من نتائج وقبولها. ولعل تفسير إكتسابه قناعته وإعتناقة هو لإدعاء أحمد إسماعيل تم من خلال مواجهته لذاته بطريقة مماثلة.
أراد من إستراتيجية  التخويف المبطن هدم بنياني العقدي إن لم اتماشى مع منطقه فليس ابلغ من هذا إبتزاز كي يوصلني لحالة تسليم بإنني إن تمنعت من قبول عرضه والرضوخ لمنطقه فإنه سيتسور ويقتحم حصن معتقدي وينسفه من الداخل. لغة هذا الخيار كانت واضحة جلية لي ولم استسغها او أرى فيها منهجية عقلائية تدع لي حرية الإختيار بل هي محاولة مكشوفة لمصادرة خياراتي وإتخاذه عني قراراتي.
ولكني بحق استفدت كثيراً من المحاولة التي بذلها المروج معي فكانت دعوته بمثابة الحافز لي للدخول في التمرين الذهني والمشجع لأختلي في جلسة مغلقة مع ذاتي لأراجعها وأتحداها أنا وليس هو وأضفط عليها أنا بأقوى ما لديّ وبتجرد تام وصدمها بنفس طروحاته.
استخلصت من تلك الجلسة و من تمرين مواجهة الذات نتائج أهمهما:
بأن قوة ومنعة حصوني ليس ابداً بترفيعي الاسوار حولها وتدعيمي الدفاعات أمامها وإشهاري السلاح أمام من يقترب منها بل بفتحي ابوابها على مصاريعها والخروج من داخلها للإستماع و الانصات بكل الوعي لما لدى من يطرق أبوابها من عروض وطرحات مما ليس متوفر في مخزوني الثقافي.
ففي ذلك منفعة أما بإضافات نوعية تعطيني مساحة ثقافية اوسع ومجال معرفي أرحب مما امتلك أو بمنحي مناعة اعظم وثقة اعمق فيما لديّ من مرتكزات وقناعات.
وإن فشلت قناعاتي ولم تصمد لمثل هذا التحدي فليس لها مكان لديّ إلا سلة المهملات غير مأسوف عليها بدون خوف أو وجل او تردد.




  






كاظم الخليفة :
 "قراءة في مفهوم البشارات لدى حركات أدعياء المهدوية،البهاء نموذجاً"
                                      
                                       [١]


(إن ابن آمنة قصم ظهور الأولياء عندما قال لا نبي بعدي)، ابن سبعين.

لعل تراخي المثقف الشيعي المتدين وكسله عن مواجهة مفهوم المهدوية كاستحقاف وجودي مهم أدى إلى تضخم ظاهرة المهدوية وحصر تداولها بين تيارين مهمين  فقط وهما: الخطاب الشيعي الشعبي ويمثله بعض خطباء المنبر غير المؤهلين معرفيا لتناول هذه العقيدة، وبين بعض
المثقفين الشيعيين والذين قرأوا الظاهرة من خارجها وليس من داخل المفهوم الديني فبالتالي وصفوها بالخرافة، أو انها شأن إيماني شخصي بحت ولا يمكن تناوله بأدوات ومناهج عقلية.
إن قراءة المهدوية من الداخل يتطلب أولاً عزل مفاهيم التصقت بها مثل الرسولية ونزعة التبشير، الصوفية ومفهوم القطب، الصوفية وحقيقة التجربة الذاتية.. لذلك نجد ان ظاهرة ادعاء المهدوية في تاريخنا الإسلامي سبقت ادعاءات النبوة، إذا استثنينا سجاح ورحمن اليمامة مسيلمة.
فظاهرة المهدوية بدأت في منتصف القرن الهجري الأول مع فرقة الكيسانية بدافع سياسي، لكن ظاهرة ادعاء النبوة بمعناها الرسولي التبشيري كان حضورها في أواخر القرن الثاني الهجري بعد دخول المفاهيم الصوفية على المجتمع الإسلامي، ذلك المجتمع الذي يصفه آدم ميتز بأنه تميز بشعور الحاجة إلى قيم دينية جديدة وكانت الصوفية تلبي تلك الحاجة!؟
لكن في نهاية القرن الثالث الهجري كان يقابل أي ادعاء بالنبوة بالهزء والسخرية لدى المسلمين، بينما كانت المهدوية تعتبر بالنسبة إليهم مسألة فيها نظر وليس تجاهلها تماما، يضيف آدم ميتز.
إذا كانت الرؤية الصوفية وكنتاج لمحاولة المؤمن الصوفي بالاتصال التذاهن مع الخالق جل وعلا، تفرز مشاعر بالمسئولية التبشيرية وأنها مكلفة باخبار المجتمع عن قيم دينية وأخلاقية جديدة نتجت عن تجربة الصوفي باتصاله مع الله، فنحن هنا نمسك بأول خيوط ظاهرة ادعاء المهدوية بعد الرد الحاسم من قبل رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وآله (لا نبي بعدي).

فنتاج هذه التجربة الروحية يدفع المستشعر بها كي يدعم ادعاءاته ويعطيها المشروعية بإسقاط الأحاديث والروايات الواردة بخصوص المهدي على شخصه وحسب مقاسة، ثم يبث مبادئه بكونها امتداد للشرائع السابقة ومعضدة لما قالوه الأنبياء السابقون، بل إن جميع الرسالات السابقة كانت تشير إليه برموز لم يفهمها السابقون لاكنها جلية في حالته وانه هو فقط المقصود بها؛ وذلك ما ادعاه البهاء حسين علي النوري متكأ على بشارات أستاذه الباب محمد علي الشيرازي، وكذلك في حال السيد أحمد الحسني المعاصر. فإلى بشارات البهائية من خلال كتبهم حتى نرى أن السيد الحسني ليس استثناء، وقبل ذلك سنقدم فكرة موجزة عن أهم مرتكزات البابية والبهائية لضرورة البحث وجعلها مدخلا.



[٢]

(أيها المنتظرون للظهور لا تنتظروا فإنه قد أتى فانظروا إلى سرادقه الذي استقر فيه بهاؤه إنه لهو البهاء القديم في ظهور جديد)، بهاء الله، ميرزا حسين علي النوري، من كتاب بهاء الله والعصر الجديد.

لا ينكر الباحث البهائي "ج. أ. أسلمنت"، في كون الحركة البهائية التي أعقبت البابية قد أنشقت عن الشيخية مبكراً قبل أن ينقلب السيد محمد علي الشيرازي عليها تماما في عام ١٨٤٤ وادعاءه أنه الباب الحاجب للإمام المهدي عليه السلام وتنتشر دعوته في العراق وإيران مع معارضة شديدة وإنكار من قبل علماء الشيعة حينها مما أدى إلى إصدار الفتاوى بقتله، وهذا ما نفذته الحكومة الإيرانية في العشرين من أكتوبر سنة ١٨٥٠، لتنتهي دعوته وتبدأ دعوة تلميذه حسين علي عباس النوري بادعائه المهدوية وان الباب في دعوته كان يشير إلى أوان خروجه.
ينطلق النوري في دعوته ويبشر بخروجه في إيران ثم ينفى إلى العراق وتركيا ليستقر بعدها في عكا بفلسطين. وقبل الدخول في تفاصيل البشارات التي أسقطها على شخصه دعونا نستحضر الجو الثقافي العام في مهد الدعوة إيران.
فسياسيا كانت الدولة في القرن التاسع عشر منهكة نتيجة لحروبها مع الروس والتدخل الروسي الكبير في شؤونها السياسية والاقتصادية، واجتماعيا كانت تعاني من الانقسام الكبير في مكونها العقائدي على أثر النزاعات الحادة بين الشيخية وخصومها، ومعرفيا كانت مسرحا شهد تزاوج الصوفية بنسختها الشيعية (العرفان) مع الفلسفة الإشراقية. أما أجواء التهيئة الثقافية لدى مجتمع الدعوة فيقول أسلمنت في كتابه عن البهاء والمترجم عن الانكلينزيه: (وقد كان الاعتقاد بقرب ظهور الموعود الإلهي سائدا في تلك الأيام خصوصا فيما بين الطائفة التي تدعى بالشيخية). أما بخصوص المبادئ الدينية واعتقادات الباب، فهي لا تتعدى السائد من ثقافة عصره وبالذات المقولات الصوفية في مفهوم اليوم الآخر والجنة والنار، العبادات وكفاية الإنسان منها، بالإضافة إلى الأخلاق وطريقة تواصل المؤمن مع خالقة والتي لا تتجاوز مفهوم الإمام بالمنظور الشيعي،وكونه واسطة الفيض الإلهي الذي يوجه إليه الخطاب. البهاء فقط توسع في شرح تلك الأفكار بطريقة تحقق ادعاءه بأنه ليس المهدي فحسب، أنما مظهر تجلي الله في الأرض، وهو المقصود بجميع البشائر التي وجدت في الكتب الإبراهيمية والبوذية والهندوسية أيضا! حيث دعى إلى انصهار تلك العقائد وامتزاجها في دعوته، بل إن دعوته هي التي تتماشى والنضج البشري المعاصر بعكس الرسالات السابقة والتي يشبهها كالحيب عندما يكون الطفل في فترة الرضاع، أما دعوته في كالغذاء الصلب الذي يتغذى عليه الإنسان في كبره.



 [٣، والأخيرة]

(أما الظاهر بالاسم الأعظم "بهاء الله" فهو الموعود في كل الكتب والزبور، كالتوراة والإنجيل والقرآن)، من كلمات عبد البهاء إبن صاحب الدعوة.

مثل بقية الرسل والأنبياء العظام وقت مجيئهم عندما كانوا موضع استهزاء الناس وسخريتهم، كذلك هو حال الناس في عهد البهاء عند بداية دعوته، حسب رأي الباحث أسلمنت، وذلك لصعوبة تأويل كلمات الأنبياء، وكذلك لأن النبؤات كتبت بكيفية لا يمكن إدراكها على حقيقتها إلا حين وقوعها. يضيف أسلمنت: وإذا كان الله قد ختم النبؤات إلى ميقات اليوم المعلوم ولم يظهر التأويل ولم يبين هذه الأمور بل كتمها حتى على الأنبياء الذين نطقوا بها، فإنه يعلم بالضرورة أنه لا يقدر أي شخص سوى المظهر الإلهي الموعود أن يفك هذا الختم ويبين جواهر المعاني المكنونة في حقيقة الأمثال النبوية.
وهذا ما جعل البهائية تستل أدلتها من الكتب الدينية لكونها بشرت بالبهاء، فمثلاً نبؤة أشعيا والذي بشر فيها بالسيد المسيح، لم يكن السيد المسيح بذاته هو المقصود بل البهاء في قول أشعيا (الشعب السالك في الظلمة أبصر نورا عظيما.. فصارت الرياسة على كتفه ودعي اسمه عجيبا مشيرا إلها جبارا أبا الأبد رئيس السلام لنمو الرئاسة والسلام لا انقضاء له على عرش داود ومملكته ليقرها ويوطدها بالإنصاف والعدل من الأبد إلى الأبد).
ويستمر البهائي أسلمنت في إسقاطه للبشارات الواردة في الكتب المقدسة لأنبياء اليهود على البهاء مثل كتب أشعيا وأرميا وحزقيال وزكريا..، أما ما ورد في الإنجيل عن السيد المسيح (ليأت ملكوتك وتظهر مشيئتك على الأرض كما في السماء) فهي بشارة المسيح بقدوم البهاء.

هذه نبذة مختصرة جداً عن النبؤات التي تعتقد البهائية انها وردت في حق البهاء، ولكن المهم فيها هو سهولة التلاعب بالنصوص الدينية وإسقاطها على الزمان المراد تخصيصه وكذلك الشخوص. أكتفي بهذا العرض واستميحكم العذر في الإطالة والاستطراد.






  





عقيل عبدالله :
دعوات الخلاص
الدعوة اليمانية أنموذجا..


عرف التاريخ الاسلامي في كل منعطف من المنعطفات التاريخية و المهمة التي تتسم بالحوادث الاستثنائية و المصيرية دعوات تستجيب لتوق الناس للخلاص . وهذه استجابة طبيعية لآلام الناس و عذاباتهم . و من العراق المغرق بالجراح انطلقت خلال عقد مضى أو أكثر العديد من دعوات الخلاص التي تمني الناس بالسعادة و الخلود .

دعوة السيد أحمد الحسن المعروفة بالدعوة اليمانية هي دعوة خلاصية انطلقت من عمق العراق المثقفل بإرث طويل من الشقاء فيأتي رجل بدعوة للنجاة متكئا على موروث ديني و عقدي كبير يحاجج به خصومه .

ما لفت انتباهي في الدعوة اليمانية أنها تزعم ان للسيد اليماني دور يجب ان يقوم به خلال مدى زمني قصير نسبيا و هو التمهيد لظهور المهدي المنتظر ثم العمل معه . مما يعني ان هذه الدعوة سيظهر لكل الناس  منقلبها قريبا . و إن كان احتمال تغير مسارها واردا فما أسهل تأويل نص تاريخي آخر لتغير الواقع كما حدث مع دعوات خلاصية أخرى .

قبل ان يتخذ اي شخص موقفا ما من هذه الدعوة أو تلك يجدر به الاستناد الى التراث الخلاصي الضخم الذي عرفه التاريخ الاسلامي و الانساني . الى جانب معرفة دقيقة بطبيعة النصوص الدينية التي طرقت موضوع المخلص و ما تتسم به من غموض و سهولة استخدامها في كل مرة .

ما نؤمن به اليوم و قد بلغ الانسان مديات كبيرة من الوعي و المعرفة و قطع اشواطا من الحرية و الاستقلال الفكري . بأن اتباع اي حركة دينية أو سياسية أو فكرية اعتمادا على موروث هش من النصوص المبهمة عمل لا ينم عن عقلانية . بل إننا نريد ان نؤسس لقاعدة منطقية عقلانية في العلاقة مع كل الدعوات الخلاصية.
إن القاعدة التي نستند اليها هي محاكمة افكارها و مشاريعها التي تحملها للبشرية و ما ستقدمه للناس من أبواب المعرفة و العلم و ما ستقوم به من اجل اسعاد الانسانية جمعاء .

لا يمكننا ان نتخيل اي حركة تقدمية عقلانية تأتي لتقول للناس إما ان تؤمنوا بي أو أنكم ستذهبون الى النار فهذا ادعاء لحصر الطريق الى الله عبر سبيل واحد بينما السبل الى الله بعدد انفاس الخلائق.
لا يمكن ان تأتي حركة اصلاحية عادلة تعاقب من لا يوافقها بذبح الرجال و سبي النساء و الاعتداء على حرمات الناس . فإن هي نفت عن نفسها ذلك فإن عليها ان تتقبل الاختلاف من الاخرين و تتعايش معهم . بل أنني اعتقد ان ارقى حركة خلاصية ستخلق مجتمعا تنشط فيه التيارات الفكرية و الثقافية إذ أنها ستفجر طاقات الانسان الفكرية و ستمنحه اقصى درجات الحرية المعرفية مما يعني مجتمعا متنوعا غنيا بالافكار المتباينة و ليست قوالب جامدة تسمع و تطيع بأمر القائد الفرد . أو أن تقوم ببناء نظام شمولي مركزي يعامل كل البشر بنمطية سامجة في الزمن الذي عرفت فيه الانسانية سبل التنوع و مفاهيم المشاركة و التعايش السلمي.

شخصيا لا يهمني شخص السيد أحمد الحسن و هل هو من نسل المهدي أو نسل النبي؟؟ أو هل هو مرسل من جهة ما؟ أو أنه يحمل المعجزة و الكرامة؟ أو انه المخلص الغير منتظر ؟ أو أنه مسدد من جهة غيبية أو لا؟  .. كل ما يهمني ان ارى افكاره و ألمس مشاريعه و استشعر ابداعاته التي ستحمل السعادة للبشرية . و اريد ان اؤسس لقاعدة ان نعمل فيما نتفق و نعذر بعضنا فيما نختلف ..

يؤسفني جدا ان اسمع عما يتعرض له السيد اليماني و اتباعه من مطاردات و ملاحقات ممن يرفض دعواتهم و اتمنى ان يمنحوا كامل الفرصة لعرض مشروعهم ليأخذ مداه فيسعد البشرية أو يشقى به اصحابه.

قبل أن ننتظر كبشر مخلصا غامضا يأتينا من جهة الغيب علينا أن نؤمن بمخلصنا الحقيقي الذي نحمله بين جوانحنا . يجب أن نؤمن بضميرنا الداخلي الذي خلق معنا فهو صوت الحق الذي لا يكذب و لا يخون. يجب على الانسان ان يثق بنفسه.




  






صلاح الهاجري:
الحمالي وهب و اليماني

ادعى الحمالي وهب انه اليماني... فأتى الناس يناقشوه و يطالبوه بالأدله

الناس : وهب انت حمالي بسوق الخضرة و لم تدرس ...؟ اشفهمك؟

وهب : و الأئمه جميعهم لم يدرسوا... و العلم يأتي من عند الله ...و هل ستنكرون هذا؟

الناس : زين جب لنا معجزة تثبت انك من عند الله

وهب : ليش معجزة...! الإيمان بعد المعجزة  ضعيف و غير مقبول ...و لا يطلب المعجزة الا المتعنت

الناس : اجل اشلون نصدقك..و يقول العلماء ان الكتب اللي انت الفتها ما هي الا نسخ و لصق لكتب سابقه

وهب : هذا من كذبهم و افترائهم حتى الأنبياء قد عانو من هذه المشكلة و تم و صفهم انهم كذابين او سحرة من قبل اعدائهم و مخالفيهم

الناس : كلامك مقنع يا وهب... طيب عطنا دليل على صدقك

وهب : جميع الأئمه و الأنبياء قد شربوا الماء و صدقتم بهم اليس كذلك؟

الناس : نعم

وهب : و ها انا ايضا اشرب الماء و ان كذبتم بي فأنتم تكذبون بجميع الأنبياء و الأئمه... انتبهوا لا تكفرون!!!