تساؤلات حول العصمة
المشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاركون
:
كاظم الخليفة:
العصمة..قراءة ثقافية
علي النحوي:
صناعة الوهم
فاخر السلطان :
حول العصمة
جاسم عساكر:
تساؤلات حول المفهوم
القرآني للعصمة
رياض بوخمسين:
مفهوم العصمة عند
الأمامية الأثنا عشرية
رياض بوخمسين:
الغلو الشيعي ( الغنوص الإسلامي )
رياض بوخمسين:
الخاتمية و المسيرة
البشرية
كاظم الخليفة:
"العصمة..قراءة ثقافية"
[١]
مفهوم العصمة، يدعونا الى فك الانغلاق التاريخي وتحريره من
مصطلحات برزت كأيقونات إيمانية في حقب
معينة وأمتدت مخترقة عصور عديدة وحتى لا تصبح
شبيهة بمخلوقات محنطة في متاحف الفكر الإسلامي، يتطلب منا ذلك إعادة مقاربتها (العصمة) بأدوات نقدية
حديثة بعد أن تناولتها مناهج قديمة متناسبة وثقافة زمانها مثل منهج علم الكلام
وأصول الفقه، حتى أصبح الحديث عنها بتلك المناهج يشبه اللهجات العربية الغير
مطروقة وبعيدة عن ثقافتنا المعاصرة.
بعد هذه المقدمة، وحتى نبتعد عن التجريد، فذلك يتطلب وضع
مصطلح العصمة ضمن سياقات مفاهيمية تشهد على تحولاتها وتقدم لنا المصطلح ضمن منهج
مراقبة نمو الافكار وتطورها، والازاحات المفاهيمية المهمة في مسيرتها.
{أ} مفهوم العصمة في العصر الجاهلي وصدر
الإسلام:
لا يبدو مفهوم العصمة في الشعر الجاهلي مختلفا عنه في القرآن
الكريم، ففي ثلاثة عشر آية، يتوزع المعنى على معانٍ ثلاثة: الإمساك والمنع، وأحياناً يطلق لفظ العصمة على الشيء الذي يمتلك
خاصية الوقاية ويمنع الإنسان من الوقوع في ما يكره، ونجده أيضا أن فيما يطلق عليه
معنى الحبل الذي يشدّ به الرحل أو الحمل، وهو لفظ "العصام"، لأنّه
وبواسطة هذا الحبل يحفظ من السقوط والتبعثر.
هذه المعاني الثلاثة، نجدها بنفس الكيفية في شعر العرب
الجاهلي للشعراء: أوس ابن حجر، وعبد المطلب، وطفيل والجحاف ابن حكيم. بل وأكثر من
ذلك، حيث يعلق أدونيس على اشارة الشاعر الفرنسي رينيه شار في مقدمته للأعمال
الكاملة لرامبو في البلياد، حيث قال "الشعر معصوم"، { أعتقد أن ما يقصده
رينيه شار هو أن الكلمة الأخيرة لا يمكن أن تكون إلا شعرية أو لا تكون، فإن الشعر
العربي أبعد ما يكون عن العصمة. ذلك أن الدين أخذها منه.}
هنا يتجلى لنا المفهوم المبكر للعصمة ونجده ابن بيئته وقد
أضاف عليه الإسلام المعنى الديني بكونه هداية ربانية ومنحة تضفي على حاملها
الهداية والرشاد والبعد عن الزلل في تأدية الرسالة، لرسوله الكريم، وهو ما فهمه
مجتمع الصحابة في شأن تلقي الوحي والتعاليم الدينية وتبليغها. أما على مستوى
العصمة السياسية، فتاريخ الصحابة لا يدعم قبولهم التام لرأي النبي وذلك ما يكشفه
التاريخ عن المعارضات والاحتجاجات من قبل بعض الصحابة وان قبلوها فهي على مضض. لكن
ذلك لا يمنع صور أخرى لصحابة آخرين قبلوا بحكم النبي وقراراته السياسية وسلموا
تسليما.
"العصمة..قراءة ثقافية"
[2]
{ب} مفهوم العصمة لدى
الصحابة و التابعين:
قبول مجتمع المدينة المنورة، العاصمة الاسلامية الأولى،
لنتائج وقرارات السقيفة السياسية، و عدم التسليم بنتائج مؤتمر الغدير والإشارات
النبوية لأهلية الامام علي عليه السلام القيادية وأحقيته، تندرج ضمن فهم القبيلة
وتركيبتها السياسية و مفهوم "الملأ الأعلى" القرشي، وعدم نضوج مفهوم
الدولة الدينية حينها وإن كان الحكم لم يخرج عن أحياء قريش.
على الجانب الآخر من مفهوم العصمة بمعناه الديني والتبليغي،
نجد احترام كامل آراء الامام علي وفتاويه الدينية و يمكن التدليل عليه بسهولة في
مواقف الخلفاء من الامام علي {لو لا علي لهلك عمر و قوله لا بقيت لمعضلة ليس لها
ابو حسن} واحترامهم للعلوم التي وصلت الى الامام من قبل الرسول المليونية {علمني
ألف باب من العلم،فتح لي كل باب ألف باب}، فهي العصمة بالعلم لدرأ الجهل بالأحكام
الشرعية؛ أليس ذلك معنى مقبول لمفهوم العصمة؟
عند دخول الأئمة الثلاثة الأول، عليهم السلام، الشأن السياسي،
نفهم من حجم المعاناة والشدائد التي واجهتهم، أن مفهوم العصمة السياسية لم تكن
متجذرة في المجتمع الإسلامي، بالرغم من قبول أحكامهم الدينية وفتاويهم، وكذلك
أحاديثهم المنقولة عن الرسول (ص)، كمسلمات إيمانية لا تقبل الشك والمراجعة الى
نهاية عصر الامام الباقر عليه السلام.
{ج} مفهوم العصمة في عصر الامام الصادق (ع)،
وما بعده من الحقب الزمنية:
يمثل عصر الامام الصادق عليه السلام، بداية ازدهار الحضارة الاسلامية في جميع
المجالات المعرفية والدينية، وبداية تأسيس القواعد الكلامية والفقهية، و من ضمن
التنظيرات الكلامية كان للعصمة نصيبها من التقعيدات المفاهيمية حيث دخلت ابتداءً
ضمن حقل علم الكلام، وأول من نظر لها من أصحاب الامام هو هشام أبن الحكم. فعندما
طرحت ضمن فصول علم الكلام، أتضح المعنى العام للعصمة من خلال أدوات علم الكلام
وقواعده في التأصيل والحجاج.
الولاية التكوينية وعلاقتها بالعصمة، كانت في مرحلة لاحقة بعد
تطور الفهم العرفاني للإمامة و اتصاله بمفهوم الإنسان الكامل والقطب الصوفيين.
"العصمة..قراءة ثقافية"
[3]
{د} مفهوم العصمة لدى فرق الشيعة:
تتشابه المفاهيم الشيعية لدى فرق الشيعة الثلاث: الزيدية
والإمامية والإسماعيلية، في تعريف العصمة بتقارب لفظي ومفاهيمي من كونها {تأييد
إلهي يساعد العبد على ترك المعاصي ، ولكن لا تجبره على ذلك ، ولذلك لا تتنافى مع
الاختيار ، كما أنها لا تتعلق بالخطأ ، أو السهو ، أو النسيان}. وهذا ما يدلل على
تجذر مفهوم العصمة واتصاله كمصطلح تجتمع عليه الفرق الشيعية، وهو ما يضعه كحالة
واقعية متجسدة؛ أليس ذلك شأن التواتر الحديثي؟
١-الزيدية:
يتفاوت المفهوم الزيدي للعصمة ويتراوح بين منحها للأئمة
الثلاثة الأول (علي والحسن والحسين)، وبين الخمسة أصحاب الكساء لدى بعضهم. وهناك
من عممها الى كل إمام صادع بالحق من الأئمة الزيدية، وكذلك يوجد من وقف عليها عند
الرسول (ص) فقط.
٢-الإثني
عشرية والإسماعيلية:
لا أرى حسب ما أطلعت عليه أي اختلاف في مفهوم العصمة لدى
هاتين الفرقتين سواء بجانبها السياسي أو في الشق الديني التبليغي، مما يدلل على أن
مرجعيتها المفاهيمية قد أستكملت منذ عصر الامام الصادق وتلامذته.
(هـ) العصمة كمفهوم معاصر:
بعد غياب الحاجة للشق السياسي في مسألة العصمة وانتفائه
مؤقتاً الى حين ظهور الامام المهدي، يتبقى لنا الجانب الديني التبليغي كواقع معاش،
تنهل منه موادنا التشريعية ويجتهد فيها حسب أصوله. هذا أيضاً لا يمثل مشكلة
إيمانية لدى الشيعي المعاصر طالما بقي باب الاجتهاد مفتوحاً، وهذا ما يوصلنا الى
نتيجة مؤداها أن العصمة تقرأ داخلياً ضمن بنود الايمان الاعتقادية ولا يمكن
قراءتها خارجياً، لعدم جدوى ذلك على مر تاريخ الحجاج و مناظرات الفرق الاسلامية،
وكذلك صعوبة إثباتها من خارج المذهب.
المهم، هو أن للعصمة امتدادها التاريخي كمفهوم عام، بالرغم من تراكم المفاهيم المضافة
عليها لاحقاً، لكن كل ذلك يدعم وجود
العصمة بالقراءة الثقافية و من خلال نمو وتطور الافكار والمفاهيم.
علي النحوي:
صناعة الوهم
لم تتفنن فرقة مذهبية في صناعة الوهم كالفرقة الإثني عشرية ،
وهذا الوهم المخطط والمبرمج له لاستلاب عقلية الأتباع والمريدين جاء عبر مجموعة من
المفاهيم العقدية التي أصيبت بورم أيدلوجي حتى تفخمت في عصرنا الحاضر كعلامة على
تردي العقل للأسف الشديد .
لو راجعنا حياة أئمة الشيعة الإثني عشرية بتأمل سنجد أن
بسيرهم التي ترويها الكتب الموثقة ما ينفي وينسف هذا المفهوم جملة وتفصيلا ، وأن
هناك ما يضطر الأتباع للتأويل الضيق المتجه للعمق المذهبي ، ويا لسخرية القدر الذي
يضطرنا لتأويل النص الديني ثم يضطرنا لتأويل الحدث التاريخي ، وهنا تأتي الكارثة
المعرفية والثقافية حيث إن الحدث التاريخي غير قابل للتأويل ، إذ بمجرد ما تبيح
تأويل الحدث التاريخي ستبرر لكل الطغاة والمجرمين أفعالهم .
بعودة إلى كتاب " القراءة المنسية " لكديور ، سنجد
أن أئمة المذاهب والفرق جميعا بلا استثناء كانوا يمثلون رجال دين فضلاء في أوساطهم
، ولم يعطوا هذه الصورة الأسطورية إلا بعد قرون ، مما يجعل مفهوم العصمة يقع في
دائرة مجموعة من المفاهيم الكلامية الفلسفية المخترعة التي لم ترد أي إشارة في
كلام الأئمة ذاتها إليها ، بل ورد ما هو خلافها .
إن التفكير الإثني عشري المفاهيمي يمكننا ان نراه اليوم
متجليا بشكل مصغر في التعامل مع المرجع ومن يرث المرجع لدى بعض الفئات ، ثم في
المفاهيم الوهمية المصنوعة لجعل الأتباع يؤمنون بها كمنظومة عقائدية تغلق باب
السؤال والتفكير .
حينما أقول إن في سير الأئمة ما ينفي المفاهيم الوهمية
كالعصمة وسواها فإني أسقط هذا القول على الأئمة ذوي الحضور والإقناع ، أما من وضع
في خانة التسلسل الأسري المذهبي وهو في سن ما دون الطفولة ، أو كان واقعا في حيّز
الغياب فذلك أدعى لنفي ما يسمى بالعصمة ، وسوف نسخر على أنفسنا إن مضينا للتفتيش
عن الحالات المشابهة في القرآن الكريم كطريقة اضطرارية تأويلية للوهم المصنوع ،
مما ولّد لدينا شخصيات هي عبارة عن مخلوقات عجائبية غرائبية ملتمس لها في كل جانب
من جوانبها ما يبرر وجودها من نبي أو رجل صالح في القرآن .
إننا أمام أزمة حقيقية تتصل بالعقل العربي والمسلم ولن أقول
بالعقل الشيعي أو الإثني عشري ، لأن بكل مذهب ما يكفي من الوهم المصنوع للأسف
الشديد وهذا ما أحدث خللاً بيّنا في طريقة تفكيرنا .
إننا حينما نتعامل مع مفهوم كالعصمة بهذا الطريقة التي تجعل
من مجموعة بشر خارقين للعادة نقع ضمن دائرة " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا
فضلوهم عن سبيل الله " وما طلب الأحبار والرهبان المؤمنون منهم ذلك ، نقع في
هذه الدائرة لأننا نحوّل هؤلاء الرجال الخيّرين إلى وهم ، بينما هم أبعد مايكونون
عن ذلك .
إذن نحن بحاجة لقراءة المفاهيم التي ولّدها الصراع المذهبي
على نطاقيه الداخلي والخارجي قراءة واعية على ضوء الظروف التي أفرزتها ، والعودة
بالعقل إلى منطقة الطهر التي رفع سقفها الإمام الصادق في عصره .
أقول إن في إرثنا العقدي خاصة كوارث مفاهيمية ما لم نعمل
بجرأة على قراءتها قراءة علمية ، سنشارك في الخطأ التاريخي أقول ذلك من باب
التخفيف لأني لا أريد القول إننا سنشارك في الجريمة التاريخية التي تستهر بعقول
أبنائنا وتضعهم في مغلفات مذهبية تؤدي إلى خنقها وقتلها .
هي نظرة خاصة جدا ورأي له ما يسانده في التراث الشيعي الإثني
عشري بشكل خاص ، وله ما يؤيده في التراث الإسلامي بشكل عام ، إذ هناك من المسلمين
من لا يرى عصمة الأنبياء فضلا عن عصمة سواهم ، ويحصرها في أمر التبليغ ، وذلك ما
يؤكده القرآن الكريم ، ما لم نلوِ عنقه بالتأويل ، حتى أصبح يشكو ما لحق به من كل
مذهب ولا حول ولاقوة إلا بالله.
أخيرا أؤكد أن ما كان مسكوتا عنه بالأمس أصبح اليوم في وجه
المساءلة ، وما كان مقنعا بالأمس أمسى غير مقنع اليوم ، أمام إرادة العقل التي
ضاقت بالوهم المصنوع .
فاخر السلطان
حول العصمة
هناك الكثير من الآيات القرآنية التي تتعارض مع ادعاء العصمة
الذي يقول بأن النبي مصون من الخطأ في جميع المسائل والأمور في الحياة سواء ارتبطت
بالوحي أو لم ترتبط.
لنتمعن في الآيات التالية:
الآيتان 15 و16 - في سورة القصص تقول "ودخل المدينة على
حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه، فاستغاثه
الذي من شيعته على الذي من عدوه، فوكزه موسى فقضى عليه، قال هذا من عمل الشيطان
إنه عدو مضل مبين. قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له، إنه هو الغفور
الرحيم". وفي سورة الشعراء – الآيات 18 و19 و20 يقول فرعون للنبي موسى
"قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت من عمرك سنين. وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من
الكافرين. قال فعلتها إذا وأنا من الضالين".
وتخاطب الآيتان 25 و26 – من سورة ص النبي داوود بالتالي
"فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مئاب. يا داوود إنا جعلناك خليفة على
الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله، إن الذين يضلون
عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب".
وتقول الآيتان 6 و7 - في سورة الضحي عن النبي الأكرم محمد
التالي "ألم يجدك يتيما فآوى. ووجدك ضالا فهدى". وفي سورة يوسف تقول
الآية 3 التالي "نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت
من قبله لمن الغافلين". وفي سورة يوسف تقول الآيتان 1 و2 التالي "إنا
فتحنا لك فتحا مبينا. ليغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك
صراطا مستقيما". وتقول الآيتان 105 و106 من سورة النساء"إنا أنزلنا إليك
الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيما. واستغفر
الله إن الله كان غفورا رحيما". وفي سورة غافر تقول الآية 55 "فاصبر إن
وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار".
كما نشير إلى كلام العلامة الشيعي المجلسي في "بحار
الأنوار" للتأكيد على أن الصفات التي يضعها كبار رجال الدين الشيعة للمعصوم
لايمكن أن تعتبر من صفات الإنسان الطبيعي، إنما تتعلق بأمر فوق بشري. يقول المجلسي
"اعتقادنا في الاَنبياء والرسل والاَئمة، والملائكة عليهم السلام أنهم
معصومون، مطهّرون من كلِّ دنس، وانهم لايذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً، ولا يعصون
الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد
جهلهم، واعتقادنا فيهم انّهم موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل أمورهم الى
أواخرها، لا يوصفون في شيء من أحوالهم بنقص ولا جهل".
فالمجلسي يضع المعصوم، كالنبي والإمام، في مصاف الملائكة. كما
إنه يصفهم بالكمال والتمام وعدم النقص، وهو وصف لايمكن إلا أن يطلق على الباري.
والآيات التالية لا تتفق مع ما جاء به المجلسي: "ولَقَد عهِدنا إِلَى آدم من
قَبل فنسي" سورة طه – الآية 115. "يا أَيها النبِي لم تحرم ما أَحل الله
لَك تبتغي مرضاة أَزواجك والله غفور رَحِيم" سورة التحريم – الآية 1.
"عفا الله عنك لم أَذنت لهم حتى يتبين لَك الذين صدقوا وتعلَم
الكاذبِين" سورة التوبة – الآية 43. "إنا فَتحنا لَكَ فَتحا مبِينا. ليغفر
لك الله ما تقدم من ذَنبِك وما تأَخر" سورة الفتح – الآية 1، و2.
وفي "بحار الأنوار" (ج25 - ص350) قيل للإمام علي بن
موسى الرضا الإمام الثامن لدى الشيعة "إن في الكوفة قوماً يزعمون أن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم لم يقع عليه السهو في صلاته، فقال: كذبوا - لعنهم الله -
إن الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو". وفي "من لايحضره
الفقيه" (ج1 ص234) يقول ابن بابويه "إن الغلاة والمفوضة – لعنهم الله –
ينكرون سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقولون: لو جاز أن يسهو في الصلاة لجاز
أن يسهو في التبليغ لأن الصلاة فريضة كما أن التبليغ فريضة… وليس سهو النبي صلى
الله عليه وآله وسلم كسهونا؛ لأن سهوه من الله عز وجل، وإنما أسهاه ليعلم أنه بشر
مخلوق، فلا يتخذ رباً معبوداً دونه، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو. وكان شيخنا
محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد يقول: أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى
الله عليه وآله وسلم".
ويقول معروف الرصافي في "كتاب الشخصية المحمدية"
(منشورات الجمل – 2002) إن النبي محمد شعر بأن المسلمين من بعده سيغلون فيه غلوهم،
وسيخرجون به إلى ما فوق البشرية، وهو لا يريد ذلك، فقال: لا تطروني كما أطرت
النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبدالله ورسوله (صحيح البخاري،
أحاديث الأنبياء، رقم: 3189)، ولم يكتف بذلك بل صرح بأنه بشر في موضعين في القرآن،
في سورة الكهف، وفي سورة السجدة، إلا أن المسلمين أبوا إلا أن يخرجوا به عن ذلك،
فمن غلوهم فيه أنه ليس لشخصه ظل، قال الحلبي في سيرته: أن ظل شخصه الشريف كان لا
يظهر في شمس ولا قمر لئلا يوطأ بالأقدام، وإنه كان لا يقع عليه الذباب (السيرة
الحلبية، 3/302).
ويضيف الرصافي "ومن غلوهم فيه أن عورته إذا انكشفت لا
ترى. قال الحلبي في سيرته وفي الخصائص الصغرى: إنه لم تر عورته قط، ولو رآها أحد
طمست عيناه، قال: لأنه لا يلزم من كشف عورته رؤيتها (السيرة الحلبية 3/ 302). إن
النبي محمد لا يفوق إلا المحيط الذي نشأ فيه والعنصر الذي هو منه، فـ"عقليته
لا تتجاوز في تفوقها إلا العقلية العربية في زمانه وبيئته. ولئن جاز أن يعلو عليه
عال في العقل والذكاء فلا يجوز ولن يجوز أن يفوقه أحد فيما أوتي من صبر وحزم، وهو
مع ذلك بشر يتعاوره من أحوال البشر ما يتعاور كل إنسان. وإذا دحضنا ما جاء به
الرواة من الأخبار الملفقة بما يكذبها من المعقول ومن آيات القرآن لم نرَ في حياته
ما يخرق العادة ويخالف سنة الله، التي لا تقبل التبديل ولا التحويل، أعني بسنة
الله نواميس الطبيعة، بل نرى حياته كلها لم تكن إلا طبق ما تقتضيه سنة الله في
خلقه".
إن عظمة شخصية النبي الأكرم محمد لا تكمن في عصمته وارتفاعه
عن أفق البشر، كما يقول المفكر المصري نصر حامد أبو زيد في بحث له بعنوان "الاستخدام
النفعي للدين والحاجة للتجديد". حيث يتساءل: ما العظمة في العصمة إذا كان
الأمر محض اختيار وترتيب إلهيين لا تعليل لهما. ويقول إن عظمة النبي الأكرم
"تكمن في ارتفاعه هو بجهده واختياره إلى آفاق المسئولية الكونية دون أن يفارق
بشريته".
وهناك رأي وجيه في "مدونات مكتوب" على شبكة
الإنترنت كتبه باحث مغربي باسم "المهدي الحر"، يشير فيه إلى ضرورة وجود
صفات وسلوكيات بشرية عند النبي وإلا لما كان أطلق عليه لفظ بشر وهو ما جعله غير
معصوم في جميع المسائل والأمور في الحياة. يقول "فإذا سُئلنا، أيُخطئ
الأنبياء أم لا، قلتُ خطأ الأنبياء ليس خطئنا نحن، لأنّ صغائر ذنوبنا كبائر
ذنوبهم، وقد يُذنبون بأشياء لا تعتبر في حقّنا ذنوبا، فنحن قد تحدّثنا أنفسنا
بأشياء لا تُحسب علينا ذنوبا وتُحسب عليهم لمنزلتهم من الله سبحانه وتعالى وقربهم
منه. فالنبيّ أو الرّسول من البشر، له غرائز، له رغبات، له حاجات وشهوات، يأكل
ويشرب ويصوم، يتعرض لمصائب ويمرض بما يؤثر في عقله وفي مداركه، ينفعل بالغضب
والسرور والحزن والفرح، يعلّمه الله تعالى عن طريق الوحي أو عن طريق التجارب في
الحياة ومن خلال التفاعل مع الناس، وكل هذه تكون مقترنة بأحوال مختلفة مصحوبة بمؤثّرات
مختلفة، فيُجهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نفسه كرجل مكلّف بتطبيق الشرع
وإيصاله إلى النّاس على أن يؤدّي الأمانة فيما يتعلّق بالوحي، وقد عصمه الله في
هذا بأن يسّر له استيعاب القرآن وطمأنه على صيانته، وباشر حفظ ذلك قبل الوحي أو
أثناءه أو بعده، ويُجهد نفسه فيما عدا ذلك على أن تكون حياته مطابقة لتعاليم الله
سبحانه وتعالى فإن أخطأ في اجتهاده هداه الله تعالى إلى طريق الصّواب، وفي ذلك
عصمة لها وجهين: حماية الرّسول من الضلال وإتاحة الفرصة له للاستغفار
والتوبة".
جاسم عساكر:
تساؤلات حول المفهوم القرآني للعصمة
الشيعة تقول أن العصمة ضرورة للنبي عن النسيان والسهو والخطأ
، ودار في ذهني ما تناوله القرآن الكريم حول أنبيائه في القرآن :
يقول تعالى ( وعصى آدم ربه فغوى ) ، لم أفهم لماذا أُقحم ترك
الأولى في الموضوع بالنسبة لآدم ، وهل ترك الأولى يستلزم التعبير عنه بكلمة ( غوى
) التي هي شيطانية أساساً (أعوذ بالله من الشيطان الغوي الرجيم ) وهل من باب
التأدب في مخاطبة المعصوم بهذا اللفظ من الله سبحانه وتعالى .. وعلى ماذا تم طرده
من الجنة ، هل كل ذلك ترك أولى .
يقول تعالى أيضاً في حق أبي الأنبياء (ابراهيم) ( فلما رأى القمر
بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر
فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض
حنيفا وما أنا من المشركين ) هل تساؤلات ابراهيم عقلانية أم لا ؟ وهل يحق لنبي
مرسل من الله أن يشكّ فيه ويتبع القمر ثم يتبع الشمس كونها أكبر ثم يقول لأكونن من
الضالين ، فلماذا لم يحرم ابراهيم السؤال كون دين الله لا يصاب بالعقول كما يقول
الملا (علي عساكر) ، ولماذا العقل حجة باطنة كما يقول الفكر الشيعي أو نبي باطن ثم
لا يعوّل عليه ولماذا دعوة القرآن المتكررة للتعقل دائماً (أفلا يعقلون) ( أم على
قلوب أقفالها ) والقلوب كما يعبر عنها في القرآن دائماً تعني ( العقول ) .
يقول الله تعالى في حق نبيه موسى عليه السلام (وَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ
يَقْتَتِلانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي
مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ
قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ قَالَ
رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ
ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ
فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى
إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ
عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ
نَفْسًا بِالأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا
تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ)
ما هو وجه الشرعية والحق لموسى أن يقتل القبطي وليس عليه حكم
قتل ؟؟ لماذا حينما قتله قال ( هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ) لماذا قال (
رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي ) لماذا حين غفر له همّ في اليوم الآخر أن يقتل من جديد
، لماذا يصفه القرآن بعد هذه الأفعال على لسان عدوهما ( إن تريد إلا أن تكون
جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين )
في موضع آخر حين وعد
موسى العبد الصالح أن لا يسأله عن شيء عاد لسؤاله فاستنكر عليه العبد فـ (قال لا
تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ) كيف معصوم عن الخطأ والنسيان ولماذا
نسي هنا ؟!!!
قال تعالى في حق نبيه (يونس) عليه السلام (و ذا النُّونِ إِذ
ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي
الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ
نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ) . لماذا ذهب مغاضباً ، و إن كان على قومه فلماذا يقول
القرآن ( فظن أن لن نقدر عليه ) ما هو وجه الرابط ، ولماذا يظن أصلاً ، ولماذا
الدعاء بعده والاعتراف بالظلم ( سبحانك إني كنت من الظالمين) واستجابة الله له (
فاستجبنا له ) .؟؟
يقول الله تعالى مخاطباً النبي محمد (ص) ( فإن كنت في شك مما
أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من
الممترين ) ؟!
كيف سيد المرسلين ويشك فيما أنزل الله ؟!! ألا يتناقض ذلك مع
العصمة ؟
لماذا يخاطبه بصفة التهديد (لقد جاءك الحق فلا تكونن من
الممترين ) كما هو الحال في استشهاد الشيعة على إمامة الإمام علي ( بلغ ما أنزل
إليك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته) بأن الله توعّد النبي
يقول تعالى أيضاً (فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك ) ، ما
هو الذنب هنا ، هل ترك أولى أم أمر يشبهه
؟
يقول تعالى ( ووضعنا عنك وزرك ) ، ما هو الوزر ؟؟؟
يقول تعالى (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) ما هو
الذنب الذي يغفره الله للنبي وهو معصوم ؟!
يقول تعالى ( ووجدك ضالاً فهدى ) ما هو الضلال وحتى لو كان من
باب النسيان كما في قوله تعالى ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) فالنبي
معصوم عن النسيان كيف يجتمع ذلك ؟
يقول تعالى (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون
وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من
الظالمين ) ألا يتنافى ذلك مع العصمة كون النبي عالماً بتشريعه بحكم العصمة فلماذا
يحذره الله في مواطن ويعاتبه في مواطن أخرى ويشكره في مواطن أخرى .
يقول تعالى ( ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من
الخاسرين ) .. هل يليق هذا الخطاب بمعصوم ؟؟
يستدل الشيعة على العصمة بقول الله تعالى ( إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) وبغض النظر عن سياقها في الآية تتحدث عن نساء النبي
أم عن الآل ، فهل يريد الله العصمة للبدريين في قوله ( إذ يغشيكم النعاس أمنةً منه
وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان ) ، هل إذهاب الرجز
هنا بمعنى العصمة لهم ..
يقول تعالى ( وثيابك فطهر ) ، هل هو أمر خاص بالنبي للتطهر
وما هو هذا التطهر المطلوب منه وهو المعصوم الطاهر ..
يقول تعالى ( وإذا عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) يقول
المفسرون أن الآية أتت بعد مقتل حمزة والتمثيل به وغضب النبي ومقولته الشهيرة (
لئن مكنني الله من قريش لأمثلنّ بثلاثين منهم " وقيل بسبعين " ) فأتاه
النهي أن يعاقب بمثل ما عوقب ، كيف التوفيق بين هذه الآية والعصمة؟!
ويستدلون أيضاً ( أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم ) و (
ما أتاكم الرسول فخذوه ) هل المطلوب منا الأخذ من الرسول بصفته الحاكم أم بصفته
المبلغ ؟؟
النبي الأعظم يقول ( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون
) لماذا قال كل ابن آدم ولم يستثن نفسه أو من بعده من الأئمة ، فكلهم أبناء آدم ؟!
يقول الإمام علي عليه السلام في إحدى خطبه في نهج البلاغة (
ما أنا في نفسي بفوق أن أخطئ ) ما معنى ذلك ؟؟
ما معنى دعاء كميل ( اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم
........ إلخ ) هل حقاً مجرد تعليم لكميل بن زياد أم حالة حقيقية يعيشها الإمام في
التضرع والإنابة بصفته البشرية ..
أما الأدلة العقلية فيستدل الشيعة بضرورة عصمة النبي كونه
مبلغاً وكي لا يتداخل الفهم البشري بالأمر الإلهي ، حسناً ما علاقة السيدة فاطمة
كي تكون معصومة ؟!! وما علاقة زينب والعباس .. هذا من جهة ومن جهة أخرى ففي هذه
الحالة ألا يصبح عمل التبليغ من المبلغين الحاليين موضع شبهة وحرمة كونهم لا
يملكون العصمة ؟!!
هي أسئلة فقط ليس المقصود منها الاعتراض على من قال بالعصمة ،
ولكنها تطلب منه تفنيدها بحياد وإنصاف دون الدخول في متاهات التأويل المظلمة ،
فالحجة المقنِعة ابنة الشمس وأما المقنّعة فتزول .
رياض بوخمسين:
مفهوم العصمة عند الأمامية الأثنا عشرية
ان المفهوم السائد للعصمة عند الأمامية الأثنا عشرية :
هي التوفيق واللطف والاعتصام من الحجج بها عن الذنوب والغلط
في دين الله تعالى ، والعصمة [ تفضل من الله ] تعالى على من علم أنه يتمسك بعصمته
، والاعتصام فعل المعتصم ، وليست العصمة
مانعة من القدرة على القبيح ، ولا مضطرة للمعصوم إلى الحسن ، ولا ملجئة له إليه ،
بل هي الشئ الذي يعلم الله تعالى أنه إذا فعله بعبد من عبيده لم يؤثر معه معصيته
له ، وليس كل الخلق يعلم هذا من حاله ، بل المعلوم منهم ذلك و هم الصفوة والأخيار
، وقد اقتصر ذلك في الأربعة عشر معصوما ( محمد و فاطمة و الأئمة الأثنا عشر ) و
الوصف لهم بالكمال في كل أحوالهم ، فإن المقطوع به كمالهم في جميع أحوالهم التي
كانوا فيها حججا لله تعالى على خلقه. وقد جاء الخبر بأن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم والأئمة من ذريته كانوا حججا لله تعالى منذ أكمل عقولهم إلى أن قبضهم ،
ولم يكن لهم قبل أحوال التكليف أحوال نقص وجهل ، فإنهم يجرون مجرى عيسى ويحيى -
عليهما السلام - في حصول الكمال لهم مع صغر السن وقبل بلوغ الحلم
اعتمد علماء الأمامية على هذه التعريفات والدلالات التي
اعتمدها متكلّمو الإماميّة في العصور الأولى و العصور التي لحقتها حيث اكد الشيخ الصدوق ان العصمة تشمل ائمة اهل البيت
مستندا إلى :-
1- قول الإمام موسى بن جعفر عليه السلام عن
أبيه ، عن جدّه ، عن علي بن الحسين عليه السلام قال : « الإمام منّا لا يكون إلاّ
معصوماً .. فقيل يا بن رسول الله فما معنى المعصوم ؟ فقال : هو المعتصم بحبل الله
، وحبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة : والإمام يهدي إلى القرآن ،
والقرآن يهدي إلى الإمام ، وذلك قول اللّه تعالى : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ
يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )
2- يروى عن هشام بن الحكم قال : « سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن ذلك ( أي معنى الإمام لا يكون إلاّ معصوماً ) فقال : المعصوم
هو الممتنع بالله من جميع محارم الله ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَعْتَصِمْ
بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )
رياض بوخمسين:
الغلو الشيعي ( الغنوص
الإسلامي )
عاش الفكر الاسلامي الناشيء مرحلة تأمل و تشكيل لأطره
العقائدية و الفكرية المعتمدة على خلاصة الوحي القرآني فتشكلت فرق عقلية و فلسفية
و تأويلية لإستيعاب اتباع الفكر و الفلسفة ذات المرجعية للديانات القديمة
الإيرانية و الهندية ، ولكنه لم يكن بعد مؤهلا
لذلك نظرا للتوسع الجغرافي الكبير الذي حدث بعد الفتوحات و الانتشار السريع
للقبائل العربية حيث لم يكن المسلمين الذين انتشروا في هذه الاصقاع مؤهلين لحمل
فكر و معتقدات رسالتهم الجديدة ، بالرغم
من قبول كثير من هذه الشعوب الدخول في الديانة الجديدة الذي وقفت قباله عقبات
كثيرة اهمها عدم رغبة الدولة الأموية بدخول هؤلاء في ديانة الاسلام رغبة منها في
اخذ الجزية لإنها اكثر من الزكاة ، امام كل ذلك اختلط التأويل الإسلامي في بداياته
مع التأويل الغنوصي و هو تيار ومذهب فكري مُعقّد ذو فلسفات باطنية بذل اتباعه الجهد الجهيد لادخال المعارف الفلسفية الوثنية في فكرة الوحي
الإلهي كأساس لكل معرفة لاهوتية، ومُفسّراً إياها تفسيراً مجازياً خالطاً بين
النظريات الفلسفية الوثنية مع العناصر التي نقلها مع العبادات الشرقية، مكوِّناً
بذلك نظريات وفلسفات غريبة ، ويبدو أن العهد الرئيسي للغنوصية ليست جديدة فهي
خلاصة للرؤى اليهودية المحرفة وأفكارها عن العالم السماوي، بالإضافة إلى
نظرية ثنائية الكون والخلق المنقولة نوعاً ما عن فارس " المجوسية " التي تضع الله وأعماله
"الصالحة" من جهة قبالة العالم وأعماله "الشريرة" من جهة
أخرى، لهذا خرجت الغنوصية بمبدأ التعارض القائم والدائم بين الروح
و الجسد ، وهكذا خلع الغنوصيون على الفكر اللاهوتي طابعاً وثنيا غنياً باستخدام المنطق ، وبهذا يصح القول أنهم أسسوا اللاهوت
العلمي أو علم اللاهوت حسب معتقداتهم ، التي نحت الى فكرة الملائكة الهابطون في اجساد فانية ( الحلول ) و تناسخ الأرواح و المراتب و فكرة الخلاص و عودة المخلصين الى
الكواكب ، وهذا ما استدعى من مفكري هذا التيار الى اعطاء البشر المخلصين بعض
الصفات الالهية ، وهي محاولة واضحة لدمج بعض الأفكار الوثية بأفكار الديانات السماوية
، وهناك اتهامات الى غلاة الشيعة بانهم لم يكونوا بمنأى عن هذه المعتقدات .
القصد من التطرق الى الغنوصية و علاقة هذا المذهب بالغلو
الشيعي هو استخلاص مبدأ التوحيد الذي بنيت عليه رسالة نبينا محمد ص " قولوا
لا اله الا الله تفاخرا " والبعد بها عما شابها في فترة من الفترات و قد
أوضحت كلمات امام المتقين علي هذا المبدأ بقوله " لا تشبيه ولا تعطيل "
فحينما تسقط صفة الهية على بشر يبدأ الانحراف عن الأساس الذي قامت عليه رسالة
الاسلام التوحيد
فوجه من وجوه العصمة خصوصا فيما ادعاه المغالية في المعصومين
الأربعة عشر قولهم ان عصمتهم ليست لطف من الله و منة منه بل هي عصمته جل وعلى حلت
فيهم كونهم وجهه وقائمة شطحات الغلاة تطول
وليست هي مجال بحثنا .
رياض بوخمسين:
الخاتمية و المسيرة البشرية
ان الفرقة التي وقعت في صفوف المسلمين و شخذت لها السيوف باسم
المذهبية و باسم الفرقة الناجية الوحيدة التي تشدقوا بها بهتانا و زورا بأن كل
واحدة من هذه الفرق تمثلها ، قد اوقع الجميع في كبيرة تكفير ما عداه من
المسلمين فقاموا باسمها بارتكاب جميع
الموبقات ، و هم بذلك سلموا مقاليد الأمور
إلى غيرهم ممن استطاع ان يكتشف اسرار الله و علومه المستودعة في هذا الكون ، ومن هنا ننطلق في بحوثنا لكشف ملابسات الفكر
العقدي الذي أسس لهذه
الطائفية و المذهبية و العنصرية المنطلقة تحت مظلتهما و نبذها كي نعود إلى
رشدنا ، وهنا تقع المشكلة لدى البعض فيما
يكتب ، فعندما نحاكم دين الله بما فعله
عباد الله فسوف يقودنا ذلك إلى اليأس من رحمة الله " وما أرسلناك الا رحمة
للعالمين " وان ما سبق من تجارب للأمم و الشعوب منذ بعثة خاتم الانبياء محمد
صلى الله عليه و اله و رسالته الخاتمة لكل الرسالات التي جاءت للبشرية في دورتها
الحالية " ادم الدور الحالي " لم تقتضي مصداق الآيات القرانية الكريمة
التي تؤكد على ان الدين الإسلامي هو الدين الصحيح و القويم الذي ارتضاه الله لجميع
عباده و ان هذا الدين قد أتمه و سوف يظهرهه على الدين كله وان اعمار الأرض سوف
يكون ناموسها و طريقها هذا الدين ، هذا لم يحصل لدى الامم التي سبقتنا ولكن كل ذلك
لا بد سوف يحدث وهذا وعد من الله ( السنن الكونية) فهذا الوعد منوط في خلافة
الإنسان لله في أرضه و مترسخ فيه تكوينيا و غائيا، فهو ظل الله في الأرض و مستودع
روحه و يده التي يرمي بها ، ولقد أساء الكثير من المسلمين لمفهوم الخلافة ومنهم
اتباع مدرسة اهل البيت الذين اسأوا الفهم في مفهوم ظهور الدين الإسلامي على بقية
الأديان و إتمام نور الله و إلى اعتناق البشرية لهذا الدين بأن ربطوا ذلك باشخاص
محددين ( الاربعة عشر معصوما ) ، و هذا
خلاف مفهوم الختامية للوحي و للدين الذي يقودنا الى الاعتقاد بان الانسانية تسير
الى تكامل في عقلها و وعيها وارادتها في تطبيق مفهوم الخلافة ، وهذا يتطلب عملية
صعبة و جادة لصياغة و إعادة الفهم الصحيح لآيات القران الكريم و الوثوق بان
الإنسانية سوف تصل إلى الفهم الصحيح لهذا الدين و سوف ترتضيه وسوف تطبقه و ستكمل
مسيرتها به و بأنظمته و شرائعه فيما تبقى للبشرية من زمن في دورتها الحالية .