السبت، 6 ديسمبر 2014

الغش التجاري






تجارة الغش (1/4)
صادق السماعيل

لايخفى على الراصد المتتبع ماتبذله الدولة بسخاء من نفقات تشغيلية طائلة على المشاريع التنموية الحيوية  ولكن .. ينصدم هذا الراصد عندما يرى تلك المشاريع منفذة بسلع وأدوات ليست بذات الجودة بالرغم من تضمين كراسة الشروط والمواصفات للمشروع في العقد عند طرح المنافسة العامة ..
من أين تبدأ المشكلة ؟

سأتكلم من مثال حي

..
من خلال واقع ميداني وعلى إثر جولات رقابية على المستشفيات والمراكز الصحية لاحظت تذمّر واستياء الموظفين والمراجعين من سوء مستهلكات النظافة ( صابون ، نشاف ، مطهرات ) والتي توردها شركة الصيانة والنظافة

..
عندما يسردون لي شكواهم من أن الشركة لاتورد إلا منتجات رديئة وسيئة أرد عليهم بالقول أن الشركة تلتزم بما جاء في نصوص العقد

..
شلوووون؟
توجد مادة في العقد تقول أن على الشركة أن تورد تلك المستهلكات على أن تكون منتجاً وطنياً ..طبعاً المنتج الوطني في صابون بريال .. وفي صابون بأربعة ريالات .. الشركة تورّد الأقل أبو ريال ..
وبالتالي لاتستطيع محاسبتها أو إيقاع الغرامة عليها .. لأنها ملتزمة بالمادة العقدية ..
ماهو الحل

..
الحل في رأيي لايمكن أن يكون تضمين اسم المنتج بالعقد لأن ذلك فيه غبن للآخرين ودعاية للمنتج نفسه ..ماأراه فعلاً هو تضمين العقد مواصفات قياسية تفصيلية للمنتج
ومن ثم على المقاول أن يورّد مستهلكات النظافة وفقاً لتلك المواصفات
وأن أي تجاوز لها يعرضه للغرامة ..

 


تجارة الغش (2/4)
صادق السماعيل

تكلمنا البارحة عن مثال حي عن وجود عوار قانوني في نصوص العقود الحكومية بخصوص الحد من استخدام المواد المقلدة وغير الجيدة .. وتكلمت باقتضاب عن الحل لعلاج هذا العوار ..

هذا اليوم سأتطرق باختصار شديد للحملات التفتيشية التي تقوم بها الجهات الرقابية (التجارة - البلدية – الصحة ) وسأخصص هذا الجزء للحديث عن حملات وزارة التجارة ..

شاهدنا قبل أيام مخالب الوزارة التي كشّرتها على محلات إكسترا مما أدى إلى إغلاق بعض الفروع التي حصلت فيها التجاوزات ..

الأمر الذي أعتبره المواطنون سابقة تشكر عليها الوزارة ..

حيث أدى قرار الإغلاقات إلى قيام عدة محلات تجارية لمراجعة عروضها التسويقية قبل الإعلان خشية أن تقع فيما وقعت فيه إكسترا ..

ولعل تعدد وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة التوثيق وتجاوب الوزارة السريع ضيّق الخناق على المحلات والتجار في أن تقوم بإغراق السوق بمنتجات رديئة متقوّمة على النصب والتحايل ..

ومن اللافت أن أشير هنا إلى غياب دور جمعية حماية المستهلك السعودية التي دشّنت بقرار سامٍ عام 2011 م ولكنها ولدت ميتة ..

وربما أفردها بمقالة صغيرة في القادم من الأيام ..

في نهاية المطاف ألمح إلى شغلة ماني فاهمها من قبل وزارة التجارة ..
وهي قيامها بمصادرة البضائع والسلع المقلدة في حين أن هذه البضائع والسلع دخلت البلد بشكل رسمي ..
ولا تزال تدخل ومن ثمّ تصادر !!

هل فعلا نحتاج إلى سرنجة في عضلة المخ؟!





علاقة المنتج... و المستهلك

صﻻح الهاجري

كان ياما كان في قديم الزمان.... كانت العلاقه بين المنتج و المستهلك علاقة مباشرة... فكان الفلاح يبيع محصوله في القرية فيشتريه صاحب الصناعة اليدويه مثل الحداد و النجار مباشره... وعند وجود اي خلل في السلعة... يستطيع المستهلك ان يصل الى المتج بكل بساطة و يبلغ شكواة و غلبا ما يتم الصلح بين الطرفين.....

في حياتنا الحاليه و مع تقدم و سائل الإنتاج و النقل... اصبحت المسافة كبيرة جدا بين المنتج و المستهلك... فأصبح الإنتاج يمر بمراحل عديده حتى يصل الى المستهلك... فأصبح هناك اكثر من مسؤول عن السلعة الواحدة ... و في اكثر من بلد من بلاد العالم....فأصبح التركيز على وضع الضوابط و المواصفات و ضرورة تطبيقها و الإلتزام بها اهم بكثير من الإعتماد على ضمير المنتج الذي قد يمنعه من الغش... فاصبح الهدف الأساسي هو السلعة و جودتها و ليس الشخص الذي قام بصناعتها و بيعها

 

هل صحيح ان المنتج الغشاش سيخسر؟

صلاح الهاجري

لو كانت هذه العبارة صحيحة.. لما كان هناك غش من اصله....

الغشاش يتبع اساليب للغش يصعب كشفها من قبل المستهلك بل يستطيع ان يجذب المستهلك و يجعله يفضل السلع المغشوشه عن السلع الجيدة...و الأمثلة كثيرة على مثل هذه الحالة منها... اضافة معزز النكهة جلوتومات احادي الصوديم الى بعض الأغذية يحسن من طعمها... لذا تلجئ بعض الشركات و المطاعم الى اضافة هذه المادة بشكل كبير في منتجاتها لكي يحسن الطعم و يغطي عيوب المنتج و المواد الأولية المستعملة في انتاج تلك المادة... و طبعا المستهلك يستطيع ان يختار الطعم الأفضل... لكنه لن يستطيع الكشف عن الكمية المضافة من هذه المادة... ان كانت في حدود النسبة الموصى بها ام لا

هناك مثال آخر و هو الإجهزة الإليكترونية مثل الكمبيوتر المحمول و الريموت كترول الذي يصدر عنه موجات او مجالات كهرومغناطيسية مخالفة للموصى بها قديكون اقوى من الأجهزة التي تلتزم بالمواصفات القياسيه فيراه المستهلك انه جيد بالرغم من احتمال تأثيره على صحة الناس... و هكذا....

فالمستهلك يستطيع ان يميز بعنزارض الصفات في المنتج لكن هناك امور لا يمكن تمييزها الا
بوسائل قياسيه و معيارية معينه كما ان المستهلك يرغب في الشكل او الطعم و الظاهر بصورة عامة ... و يغفل عن الأفضل و الذي قد لا يظهر بالنسبة اليه.

 


 

تعليم الفلسفة





الفلسفة والعقول الغضة
مهدي الرمضان

بابا، ليش يموت الانسان.؟
بابا، منين احنا جينا؟ بابا، ليش السما زرقا؟
هذه وغيرها هي بعض ما يسأله العقل الغض لصبي او صبية ربما لم يتجاوزوا السابعة من أعمارهم. يحيرهم ويستهويهم كل ما يجري حولهم.

قانون السببية الفطري يعمل بقوة في ادمغتهم ويشغل عقولهم لمعرفة الاسباب.
يسعون للمعرفة بشغف كبير ولهفة ويطرحون اسئلة وجودية بسيطة ولكنها مربكة للكبار عند محاولتهم إيجاد اجوبه صادقة لها. 

قدرتهم على التركيز على ما يشغلهم وما بين ايديهم لا يضاهيهم فيها الكبار ولا حتى يدانونهم في مستواها.
قدرتهم الفائقة على المثابرة وتكرار المحاولات الفاشلة بدون ملل ملفته ومرات مزعجة لنا.
ملكة المغامرة والإقدام في سبيل حب المعرفة والتعلم تشكل علامات فارقة عنا ويسبقوننا بمراحل عما نملكه مقارنة بهم. 

لعقولهم نوافذ زمنية مشرعة تستقبل النور والهواء من كل جانب ولكن هذه النوافذ المفتوحة لعقولهم لن تبقى طويلاً قبل ان نغلقها بصدنا و بجفائنا لطلباتهم الملحة في المعرفة ومرات للحد من إحراجنا حد الإزعاج بأسئلتهم التي نحتار كيف نجيب عليها. 

نبدأ نبني بصدنا لهم وإغفالنا لتوقهم للإجابات حيطان وسدود نضعها امامهم. تبدأ تلك النوافذ المفتوحة تدريجيا في الإنغالاق ويصبحون بعد مضي سنوات صباهم مثلنا وكما نحن عليه مقولبين ذهنيا ومدجنين ثقافيا ويقتربون ليكونوا نسخ مكررة منا بعد ان كادت جذوة الفضول بدواخلهم تقترب من الخمود والإنطفاء. 

حرمناهم بإلباسنا إياهم جلابيبنا العقلية من ان تكون لعقولهم جلابيب تستوعب حجم متطلباتهم واغلقنا تقريبا الطرق امامهم لإنطلاقة الإبداع ومنعناهم بتوهين دور العقل لديهم من إقتحام المجهول وبلوغ آفاق معرفية وثقافية جديدة قصرتا عن وصولها وحكمنا عليهم بالسير على مواقع اقدامنا وتتبع آثار خطواتنا وسلوك خطوط معرفية سلكناه نحن وأجدادهم قبلنا.
هذا المآلات البائسة التي صنعناها لمستقبلهم حرمتهم ونحن معهم من إمكانيات الإبداع والتطور وإرتدت علينا وعليهم بمزيد من التأخر والفقر الحضاري.

الحجر على قدرات عقولهم وإغلاق جل المنافذ أمامهم يبقيهم أسرى للنسق السائد.
تنبهت الدول المزدهرة للقوة الكامنة في الطفولة وجاءت تلك المعرفة نتيجة دراسات مستفيضة عليهم عرفت على اثرها مفاجئة القدرات العقلية الحقيقة التي يمتلكونها والتي لم تكن موجهة وجهتها كما يجب او مستغلة لمصالحم ومصالح مجتمعاتهم للتنمية المستقبلية.

إطلاق العنان لكوامن عقولهم وتدريبهم على فنون المعرفة والدراية بأساليب التفكير السليم تأتي من خلال برامج إدخال الفلسفة في مناهج الصفوف الابتدائية والثانوية وما قبل المرحلة الجامعية.
وتنادى مؤخراً فلاسفة الغرب المعاصرون لاهمية استغلال النوافذ المفتوحة للعقول الغضة  في سن مبكرة لتقديم مناهج فلسفة تفي بمتطلباتهم وتراعي مستوياتهم.

دروس الفلسفة في سن مبكرة تأتي على صيغة قصص للاطفال سهلة الاستيعاب وتحمل في مضامينها مفاهيم فلسفية تسهل عليهم فهم مقاصدها وعلى التلاميذ بعد الاستماع لها مناقشة ما جاء فيها وعليهم أن يطرحوا تساؤلاتهم ويعطوا احكامهم على حيثياتها.
على سبيل المثال قصة "ثلاثة اطفال في صندوق كبير" لتدريس مفهوم وفلسفة الحرية.

تقول القصة ان ثلاثة اطفال تم وضعهم في صندوق كبير ومنعوا من الخروج منه. وضع معهم الكثير من الالعاب الجميلة والممتعة ويزورهم آبائهم مرة كل اسبوع ويجلبوا لهم مزيد من الالعاب المسلية ولكن يمنع عليهم بتاتا الخروج من الصندوق.

وفي النهاية على التلاميذ تقدير ما إذا كانوا يرغبون العيش بدون حرية في مثل هذا الصندوق مع وجود كل ما يحبون من العاب مسلية ومعهم بعض اصدقائهم في الصندوق يلعبون معهم.
هل يعي المربون والقائمون على التعليم في دولنا مقدار الفرص الضائعة والخسائر الحضارية والتنموية الباهضة التي تتكبدها مجتمعتنا جراء إغفالنا إدراج الفلسفة ودروس المنطق في مناهج التعليم لتنمية العقول وتحفيزها على التفكير المنطقي السليم ولن اقول تدريس الفلسفة لما قبل المرحلة الجامعية بل أقلها اثنا الدراسة  الجامعية؟




الفلسفة الضمنية
صلاح الهاجري

من المعلوم ان الفلسفة هي ام لجميع العلوم... فكل علم و بحث عن المعرفة و فهم الظواهر وربطها ببعض و من ثم استنتاج نتائج مؤثرة في الحياة  هو فلسفة ...اذا الجميع يعرف الفلسفة سواء درس الفلسفة في ذاتها او درس علوم اخرى تتضمن الفلسفة بشكل او آخر ...
ان كان هناك تخوف من دراسة الفلسفة عند بعض المدارس الدينية فهذا يعود في تقديري  الى امرين
الأول : المدارس التي تريد تأطير الدين في اطار معين لزمان سابق و التي تريد تمرير بعض الأحداث التاريخية و تحرم الخوض فيها تحريما باتا لكي تحافظ على ذلك الإطار الفكري للدين فهي تمنع دراسة هذا الجانب و الجانب الذي قد يزعزع ذلك التاريخ
الثاني : دراسة الفلسفة بمعزل عن مصادر الدين الثابتة.. فمن المعروف عند اي دراسة يجب ان يكون هناك ثوابت و متغيرات و الا لايمكن اثبات  اي نظرية بدون وجود هذين الجانبين... فالفسفة التي لا تنطلق من ثوابت تضل تائها عائمة ...
اذا الفلسفه هي ام العلوم فعلا لكن يجب ان تبحث عن الثوابت اولا لتنطلق نحو المتغيرات ...ولا ننسى اننا ندرسها في جميع العلوم على شكل امثلة تطبيقية في حياتنا.



السبت، 1 نوفمبر 2014

الحراك الأدبي في المنطقة


 


 
 
 
المشاركون:
 
1) كاظم الخليفة: بنية الشعر الملحمي الحسيني، أشعار ملا علي بن فايز نموذجاً
 
2) جاسم الصحيح: جيل يبدع صوته
 
3) أمينه الحسن: الحراك الأدبي النسوي في الأحساء
 
4) علي النحوي: الحراك الأدبي في المملكة

5) رياض السليم: الحراك القديم المتجدد

6) مهدي الرمضان: في تموجات الصوت وترميزاته، عشقنا الأبدي

7) رياض السليم: الأدب الراقي
 
 

 



جيلٌ يبدع صوتَه
 
جاسم الصحيح
 
الحركة الشعرية في الأحساء حركةٌ ذاتُ تاريخٍ قديم، تتواصل من خلالها الأجيالُ وتتَّسع الخارطةُ ليسكنها الأجداد والأحفاد دون أن يضيق أيٌّ منهم بالآخر. في الحديث عن الجيل الشعري الجديد، نحن نتحدَّث عن جيلٍ يبدع صوته الخاص به بدلًا من أن يكون حارسا للصدى، إنَّه صديق الريح ورفيقها على طريق البحث عن كلِّ جديد.
إنَّ أسماءً مثل (حيدر العبد الله)، (علي الدندن)، (عبد اللطيف بن يوسف)، (يحيى العبد اللطيف)، (أحمد جاسم)، (زكي الجبران)، (عدنان المناوس)، (عبد الله الهميلي)، وغيرهم من شباب هذا الجيل الذي لا يزال يخطو على سكَّة العشرينيات من العمر.. إنَّ أسماءً مثل هذه الأسماء بوسعِها أن تُطيل أعناق النخيل في الأحساء وتمتدّ بها إلى ما وراء الصحراء العربية. إنَّ بداياتهم لا تشي بخريفٍ يخذل الأغصان في حديقة الكلمات.. على العكس تماما، هذه البدايات تبشِّر بقدوم سربٍ أنيق من عصافير اللغة يجيد التحليق في فضاءات الجمال إلى أقصى مداها.
هؤلاء الشباب انتبهوا اوَّلَ ما انتبهوا إلى حقيقةٍ مهمَّةٍ مفادُها أنَّ كثيرا من الفشل في التجارب الشعرية سَبَبُهُ الإعجابُ الخطأُ بالشعراء السابقين إلى درجة محاولة تقليدهم والتأثر السلبي بهم. لذلك، حينما مرُّوا بمحطَّات مَنْ سبقهم من الشعراء مرُّوا خفافًا دون أن يتركوا في كتاباتهم آثارًا تشير إلى ذلك المرور.. إلا ما ندر.
ثانيا.. لقد استطاع هذا الجيل أن يجذِّر أقدامَ وَعْيِهِ في أرض المعرفة مبكِّرا، لذلك ارتفع رأس قصيدته إلى الأعلى.. فالمعرفة تكاد تكون المكتسب الأوَّل والأهمّ لهذا الجيل الشعري، وهذا أمرٌ طبيعيّ في غمرة الثورة المعلوماتية الراهنة.
ثالثا.. حينما تتفحص قصائد هؤلاء الشباب ، لا تجد تلك الجَلَبَةَ التي تصمُّ آذان المشاعر ولا ذلك الصخب الذي يُفزع الأحاسيس ، وإنَّما ترى القصائد ملوَّنة بالرؤية وموشَّحة بالشفافية.
خذ مثلا هذه النماذج من كتاباتهم ابتداءً بالشاعر (عبد اللطيف بن يوسف):
أخافُ من الفكرة المهملةْ
وقد نُسِيَتْ في دروب المعاني
لماذا يمرُّ الذكيُّ عليها ولا ينتبهْ ؟!
إلى أنْ تُصاب بضعف المناعة والهلهلةْ

ويقول الشاعر المذهل (حيدر العبد الله) في قصيدته الوطنية البديعة التي فازت بجائزة شباب عكاظ:
وطنٌ لم تكبح الشمسُ رمالَهْ
عطشُ الآمادِ لم يُنهكْ صُهالَهْ
رحلةٌ تأخذُهُ من حقبةٍ
نحو أخرى، والمسافاتُ سُلالةْ
كلَّما جاءَ على ذاكرةٍ
سارَ عنها مالئًا منها سِلالَهْ

اما الشاعر (يحيى العبد اللطيف) فيتوهَّج عبر حميميته مع ذاته في هذا النموذج:
كان الضياعُ دمي والحبُّ سكِّيني
وحارةٌ في ضواحي الشعرِ يُؤويني
تَصَعلَكَتْ في منافي الوقت ذاكرتي
وأَدمَنَتني مع الشكوى، تلاحيني
أنا الوحيدُ بدربٍ لا رفاقَ به
سوى القصيدةِ أحدوها وتحدوني

بينما يجترح الشاعر (أحمد جاسم) تعابيره الخاصة عن الموسيقى:
عندما يقتربُ الألمُ مني، أدخل في شفة الموسيقى وأُقبِّلُهُ
الموسيقى فرصة الجمادات لارتكاب الحياة
الموسيقى تفسيرُ الجناحِ الذي لا شهوةَ لهُ سوى عنق السماء
الموسيقى رعشةٌ تعلو، وعُلُوٌّ يرتعش.
على الموسيقى ألاّ تَقفَ كَي لا نقَع

وأختتم هذه النماذج بنموذج فاتن من غزليات الشاعر (عبد الله الهميلي):
أفتِّش أرشيفَ الأماني لعلَّني
أُقَطِّفُ من مأوى عيونِكِ أنجما
من النظراتِ الغِيدِ حاورتُ روحَها
طويلًا طويلًا دون أن أرتوي ظَمَا
على عزلة المعنى بأيقونةِ الهوى
أسيرُ بلا دربٍ.. أتيهُ مُهَوِّما

كلُّ هؤلاء الشعراء وأكثر يمثِّلون هذا التيَّار الشعري الأحسائي الجديد الذي يتجلَّى واحدا في إبداعه، إلا أنَّ كلَّ موجةٍ لها لمستُها الفريدةُ على شاطئ اللغة، ولها سحرها الخاص في ملامسة الكلمات وإحالتها إلى أجنحةٍ ملوَّنة تحلِّق في حديقة الوقت كي تضيف رونقًا جميلا على أشجار الحياة



 

 
 
الحراك الأدبي النسوي في الأحساء
 
أمينة الحسن



الحراك الأدبي النسوي في الأحساء على وجه التحديد مازال ينمو ببطء ، رغم وجود عدد لا بأس به من الأديبات و المثقفات و الموهوبات - غير المختبئات - إلا أن الوضع الاجتماعي و الظروف الشخصية في الغالب هي ما تجعل من الحراك الأدبي خارج دائرة الضوء . و الأسباب بشكل آخر قد تكون
1- طبيعة البيئة الملتزمة دينيا (البيت نفسه أو محيط الفتاة بشكل عام و الذي قد يمثل القرية بحكم تعدد المناطق و اختلاف العوائل في الاحساء ) .
2- انعكاس النقطة اعلاه
على شخصية الفتاة ، من حيث عدم رغبتها في الظهور (اختيار اسم مستعار ، الكتابة في موضوعات معينة و تجنب موضوعات أخرى ) .
3- عدم توفر أدوات تنمية الموهبة و النقد بأوجهه الصحيحة .
و عليه لا يوجد ملتقيات أو منتديات أدبية نسائية معروفة باستثناء بعض التجارب الخاصة و المحدودة .
كما أن دور النادي الأدبي بالأحساء - القسم النسائي خاصة - ما يزال بحاجة للعمل على تفعيل برامج أكثر شمولية و أرحب في قبول التعددية . كما لا نتسى أن هناك أديبات و كاتبات معروفات استطعن أن يتجاوزن تلك الظروف و المضي قدما.
 



الحراك الأدبي في السعودية
علي النحوي 

قرأت بشكل سريع ماكتب عن الحراك الأدبي في المملكة أعلاه ولا ارى كثيرا مما كتب بمكانه.
إن الحراك الأدبي مرتبط بالحركة الثقافية والفكرية والفنية ولايمكن أن ينصل عنهم ، ونظرا للحرمان الذي فرض بطريقة ما على المنطقة ، ثم وجود فرصة حضور وإنجاز وكون الأدب هو الصوت الأقدر على التورية والمجاز ، فإن الجانب الإبداعي الفني قد تطور بشكل مدهش ولافت ، مما جعل رجل كأدونيس يقول أتابع باهتمام الحراك الأدبي في المملكة .. المملكة شكلت حضورا مهنا في الشعر والنقد والرواية وأصبحت تتصدر المشهد ، بعيدا عما يحدث في مؤسساتها الثقافية التي لم تحقق أهدافها لملابسات كثيرة ، إن السعودية في نهضتها الأدبية صعد رموزها سقف هذا المنجز ليمتد إلى تصاعد ملحوظ في الخطاب الفكري والثقافي مما جعل السعوديون يسهمون في الحركة الثقافية بشكل فاعل ، ومع انفتاح وزارة الثقافة أصبح معرض الكتاب في الرياض من أهم المعارض العربية وارفعها سقفا في حرية النشر مع وجود ملاحظات بسيطة ، ليمتد ذلك إلى إصدارات لم يتوقع أحد أن تصدر في المملكة كإصدارات الغذامي والبازعي ومعجب الزهراني ومحمد العلي وعلي الرباعي وغيرهم ، ثم تصدر الرواية السعودية وحصولها على جائزة البوكر في دورتين متلاحقتين مع وجود أسماء مهمة في هذا المضمار .
المشهد الأدبي في المملكة يمتد ويتسع بشكل مفاجيء للمتابعين والمهتمين ولعل القصيبي ولمقالح قد أشارا لذلك.
قد تكون الجهود الأدبية فردية وليست مؤسساتية وهذا مايجب أن يكون ، وقد يكون الإعلام لايخدم هذا الحراك بشكل جيد إلا إنه انجب أسماء كبيرة ذات حضور عربي ومازالت.
إن نظرة سريعة على إصدارات نادي الأدبي وحده منذ تأسيسه ينبينا عن ذلك ، وبشكل عام هناك مايطمئن بأن الحركة الادبية في المملكة في تصاعد ،،، تحية
 



 
الحراك القديم المتجدد
رياض السليم
 
 
لا يمكن لشخص ان يقرأ المشهد الادبي قراءة كاملة وهو منغمس في احد ازقة الادب دون ان يدري ماذا يدور في الزقاق الآخر.
ولا يمكن ان يبدي رأيه في الزقاق الذي هو فيه اذ لم يعرف اسلافه الاوائل و المتأخرين الذين بنوا وشيدوا هذا الزقاق.
لكي نقدم قراءة متكاملة للمشهد الادبي بحاجة ان نخرج من مدينة الأدب ونصعد على الجبل فتتضح لنا الرؤية ونستطيع ان نصف المدينة زقاقا زقاقا وعلى حد تعبير القذافي زنقة زنقة.
فمثلا لرصد المشهد الادبي الاحسائي لا يمكن فصله عن ادب الطف بكل الوانه ومراحله بدأ من الشعر و انتهاء بالمسرح و التشبيه.
بل يمتد لمعظم المناسبات الدينية وان كان بشكل اقل.
ورصيد الشعراء من معاني وصور و الفاظ يأخذها من بيئته بالدرجة الاولى.
ومقياس الحراك الادبي النسوي لا يمكن حصره في الانماط الحديثة و المطبوعة رسميا.
فمثلا الشعر النسوي لدى الملايات و المطوعات بعضهم سنويا تطبع لها بعض الدوواين ويوزع ويتم تداوله بين الملايات.
فمثلا المطوعة ام سلمان حافظة للقرآن وحافظة للفخري ولكثير من الكتب والدواوين وكانت تعمل مطوعة في تعليم الاطفال القرآن الكريم ولكن توقفت قبل ثلاثين سنة بسبب عزوف الناس عن الكتاتيب والتوجه للمدارس الحديث وشاعرة وتكتب الشعر الحسيني.
هذا نموذج ادبي يعتبر مصدر اساسي لتغذية مجتمعنا ادبيا خصوصا ان معظم الامهات يستمعون لادبها ليل نهار فمن من المهتمين بالحراك الادبي سلط الضوء على هذا النموذج ودرس وبحث عنه.
لكي نستطيع ان نقرأ قوة الحراك الادبي لا يمكن الا من خلال مقارنته بالمناطق الاخرى وايهما أكثر تأثيرا على الآخر.
وكذلك من خلال تنوع الموضوعات والاغراض ومدى تفاعل الادب مع مجتمعه وقضاياه بحيث يكون هو قلب المجتمع ولسانه الناطق.
ويكون الادب هزيلا والحراك ضعيفا اذا فقد هويته وتناول،موضوعات وقضايا لا تمت بصله لمجتمعه وواقعه بل استوردها استيرادا اعمى ينطق بلسانه ولكنه يشعر ويفكر بقلب وعقل غيره.
والحراك الادبي في الاحساء يبدو لي كمحب للادب يعيش خارج البلد وخارج المجتمع الادبي
ان الحراك الادبي في الاحساء و القطيف يتميز بالإصالة فهي تجربة فريدة ومميزة وليست اسنتساخا او انعكاس او امتدادا لتجارب اخرى.
والادب في المنطقة لم يكن مجرد ادب فقط بل تحول الى عنوان للثقافة بحيث قلما لا نجد احدا يعمل بالثقافة الا ولديه اهتمامات ادبيه بل وفي كثير من الاحيان نجد ان الادب كان الانطلاقة للمثقفين والمفكرين الكبار.
وللامانة العلمية يجب ان يقال ان الحراك الادبي في المنطقة استفاد من تجارب المجتمعات الاخرى التي سبقته كمصر و العراق ولكنه لم ينطلق من الصفر ولم يسر على نفس خطاهم ومنوالهم.
بل انطلق من تراثه الخاص به ومن بيئته الحضارية الخاصة به.
فكان لونا جديدا تميز بالرشاقة والجمال والاصالة.
خاض تجربته في التجديد بما يناسبه و يناسب حاجاته ولم يعش عقده ومأساه في هذا الصدد كبعض المجتمعات التي تاهت ولم تجد طريقا سليما للتجديد.
فاعلنت القطيعة مع تراثها وارتمت الى احضان تراث غيرها فتلوثت ذائقتها وضاعت سليقتها ولم تحافظ على هويتها ولم تستطع اللحاق بغيرها.
امحا الحراك الادبي عندنا لم يعش الرجعية مع التراث الادبي والانغلاق عليه.
بل تجاوزه وثار عليه ثورة خضراء ناعمه فاصطبغ الحراك بلون الحكمة في التعامل مع التراث ومع الفنون الادبية الجديدة الوافدة.
وهذا الحراك الادبي اراه شبيها الى حد كبير بالحراك الديني بل ارى متقاطعا معه في عنواين كثيرا بحيث كل واحد منهما يوظف الآخر في تحقيق طموحاته و في أحيان أخرى تتوحد الهوية ويكون احدهما مصداقا للأخرى.
وهذا ما يميز مجتمعنا و الحراك فيه من قديم واستعراض الامثلة و الاسماء يطول المقام بها وهي لا تخفى عليكم.
 
 
 
 

 

 
 
[١] "بنية الشعر الملحمي الحسيني، أشعار ملا علي بن فايز نموذجاً"
كاظم الخليفة
 

مقدمة:



ليس من أولويات هذه القراءة المحددة بأدب الملحمة الحسينية أن تذهب إلى بدايات حضور الشعر الشعبي في الخطاب الديني إلا بمقدار كشفها عن المحيط الثقافي الحاضن والمولد لهذا النوع من الإبداع الأدبي.
فبروز أدب الملاحم، ترافق مع ظاهرة نمو الشعر الشعبي في الجزيرة العربية وضفاف الخليج العربي، وتعدد قوالبه الفنية والإبداعية مثل الزهيرية والأبوذية والسامري والأوزان الشعرية المستحدثة علي يد محسن الهزاني.
قد يمدنا التاريخ الموثق والمكتوب ببعض النصوص الشعرية الشعبية مثل ابن خلدون في مقدمته، لكنه ليس توثيقا للبدايات. وكذلك لا نعرف بدايات نمو الشعر الشعبي في بيئتنا المحلية، وإن كان أسم الشاعر أبي حمزة العامري يبرز كأول شاعر أحسائي عاش في القرن التاسع الهجري ووثقت بعض اشعاره في كتاب، وإن كان لمؤلف مجهول!

 
أما عن الظروف الاجتماعية والثقافية التي أتاحت للشعر الشعبي بالنمو والازدهار، فهناك من يرجعها (الباحث خير الله سعيد)إلى عاملين: انحدار المستوى الثقافي وتخلي الشعر الفصيح عن مهماته كمعبر عن روح المجتمع لانفصال خطابه عن شريحة عريضة من المجتمع الأمي. والعامل الثاني سياسي اقتصادي جاء كنتيجة لممارسات الدولة العثمانية التي شجعت الإقطاع الزراعي ومارست خطط ضريبية خاطئة جعلت من قطاعات كبيرة من الشعب ترزح تحت خط الفقر. هذان العاملان أثرا على الجو الثقافي ودفعا بالشعر الشعبي للنهوض بما قصر عنه الفصيح كمعبر عن هموم المجتمع الذي تعصف بكيانه الأمية.
فكما لا يوجد توثيق لبدايات الشعر الشعبي، أيضاً لا يوجد توثيق لأول ملحمة شعرية شعبية في ثقافتنا العربية تسبق ملحمة عنترة وتغريبة بني هلال. سيرة سيف بن يزن تبقى الأولى من حيث تاريخ الشخصية، لكننا لا نعلم متى تحولت من حكاية شفهية إلى ملحمة مكتوبة، لأن كمية الأسطورة في بنيتها تغاير الأحداث التاريخية للملك سيف ابن يزن واليمن، وكذلك لا تعتمد كثيراً على الشعر بل السرد. وهذا ما يخرجها عن نطاق الملحمة.



أما على مستوى الملحمة الحسينية التي توثق سيرة الإمام الحسين عليه السلام شعرا، فنحن لا نستطيع الجزم بمن كان رائدا لهذ اللون من الأدب الشعبي. لهذا نستطيع وضع أسم الشاعر علي بن فايز الحجي من ضمن الرواد الأوائل الذين كتبوا الملحمة الحسينية. وكذلك نستطيع وضع تاريخ محدد لوفاته (عام ١٣٢٢هـ) في مدينة سترة بالبحرين، إلا أننا نجهل تاريخ ولادته وإن كان من المؤكد انه من مواليد الاحساء - منطقة الرفعة الشمالية.
هاجر الى البحرين واشتهر كخطيب حسيني، ثم بعدها أشتهر كصاحب مدرسة يجدد في الأساليب الشعرية وفن الصوت والألحان التي باتت تعرف ب(طريقة بن فايز). كتب الشعر الحسيني متأثرا بالثقافة الشعرية المحلية. وهذا ما ينكشف بمقارنة بسيطة بين شعره وبين شاعر أحسائي آخر هو سليم عبد الحي (توفي عام ١٣٢٠هـ)، حيث لم يتأثر بن فايز بفنون الشعر العراقي الشعبية مثل الأبوذية والزهيرية.. بل كان المعبر عن ثقافة بيئته.
للموضوع بقية،،، كاظم الخليفة

 

 

 
 
[٢] "بنية الشعر الملحمي الحسيني، أشعار ملا علي بن فايز نموذجاً"
 
 
أدب الطف الشعبي والأساليب التعبيرية:



يتميز أدب الطف في لونه الشعبي، بفرادة تجعله ينتسب إلى فنون أدبية وشعبية عديدة، ترفده بأدوات وأساليب تعبيرية مثل أدب الملاحم، والفلكلور، والمنولوج، والموال... فمنها يتخذ صفته الشعبية، لكنه في المضمون الفكري يتجرد من هذه الصفة وينهل من حقائق دينية تدفعه إلى أن يحلق بعيدا عن الأسطورة ويتخذ السمة المتعالية والقيمة الإيمانية الرفيعة.
فبالرغم من التزام الأدب الشعبي بما ورد في أدبيات السيرة الحسينية، إلا أنه وفي سعيه للتعبير عن أحداثها إبداعيا،
يقوم بإخراج الحدث بما يتلائم وثقافة مجتمعه، وكذلك حسب ما تنتجه مخيلتة من صور شعرية بلغة سهلة وواضحة. هذه البساطة في اللغة هي من تبعد الشعر الفصيح عن كتابة الملحمة الشعرية لارتفاع مستوى لغته عن اللغة المحكية باعتبارها ركنا أساسيا في بنية الملحمة. وهناك سبب آخر يضاف إلى اللغة، فبالرغم من أن الشعر الفصيح، كما الشعبي، وعند تناوله لواقعة الطف يتخذ نفس الآلية في التوفيق بين المخيلة والحدث التاريخي، لكنه أكثر حرصاً على الالتزام بالمنطق والتيارات الفكرية السائدة من الأدب الشعبي الذي تتحكم فيه الآلية النفسية، حسب فرانز كراتسي. وأيضاً، ليس كل شعر شعبي يعتبر ملحمياً حتى يحقق باقي الشروط التي اتفق عليها النقاد وأساتذة أدب الملاحم وسوف نتعرف عليها فيما بعد.
المهم الآن وقبل البدء، علينا التقديم بملاحظة مهمة على الملحمة الحسينية من كونها تخرج عن نطاق "نظرية البطل الملحمي النمطية" والتي يشرحها الدكتور غسان مرتضى بعد استقرائه لجميع ملاحم الشعوب وقام بصياغة ذلك في نظرية: (سنجد أن هناك تشابهات نمطية بين جميع أبطال الملاحم، وهذه التشابهات تصل أحياناً إلى حد عجيب ، فكلهم يولدون ولادة خارقة ويشفون في طفولتهم عن بطولات خارقة ويعانون في مشكلة الحب ويموتون من مكان محدد في أجسامهم). لذلك تخرج شخصية الإمام الحسين عن هذا التنميط لأن له وجود حقيقي في التاريخ وسيرته مغايرة تماما لهؤلاء الأبطال. وكذلك هو من القداسة بحيث لن يجرؤ أي شاعر شعبي على النيل منه بتزييف تاريخه.
للموضوع بقية،،، كاظم الخليفة



[٧] "بنية الشعر الملحمي الحسيني، أشعار ملا علي بن فايز نموذجاً"
 
 
الفصل الثاني: الرحيل.. "ضعن" يبحر فوق بحر من دموع:
اليوم الثاني من زمن الملحمة هو الخروج من المدينة. الإمام الحسين وعائلته يشدون الرحال نحو مكة لحشد الأنصار والتثبت من صحة وعود أهل الكوفة من خلال التقاء الإمام بالوفد العراقي الحاج.
لكن الرحيل هو علامة الفراق الذي لا لقاء بعده بالنسبة إلى ابن الحنفية:
((يـبكي مـحمّد والـدمع بـالخدِّ مـنثور يـحسين ريّـض الضّعن باودّع هلبدور
اِيـنادي يـخويه والدمع بالخدِّ غدران ريّـض لـضعن يحسين باودّع الشبّان
لاويـن شـايل يـا بـقيّة آل عـدنان يـحسين مـن بعدك علينا موحشة الدور
اِتـزفّر مـحمّد وانـتحب واَهمل العبره اُوضـمّه ابصدر اُوحبّ راسه اُوشمّ نحره))
بقدرية آسرة يودع ابن الحنفية الإمام، وكتأكيد على موقفه، نراه يحث شباب العائلة في عدم التواني عن نصرة الإمام:
((اُونـادي على اَخوانه اُوهو يجدب الحسره دوروا على ايميني اُوعلى اِشمالي يلبدور يـا حـسين اُوصيكم ترى هو علّة الكون لَـيكون يـا نـجوم السعد والعزِّ لا يكون لـو ضـاقت احـلفها عن الوالي تحيدون جولوا على الأعداء اُوحوموا حوم للصقور))
فكما قبل ابن الحنفية بقدر الإمام الحسين واستشهاده، قبل بذلك إيمانا واحتسابا، إلا أنه يبكي قدره (مرضه) الذي حال بينه وبين نصرة أخيه، متذكرا فروسيته في معارك والده، الجمل وصفين:
((لـولا القضا واللهِ ما نرضى ولا نطيع وآنـا غـرامي نازلة بساعة المفزاع
بـالأمس يوم المرتضى والعلَم منشور يا ما على العدوان حمنا حوم لصقور
يا ما هدمنا اِصفوف أعظم من بنا السّور والأرض ما نشفت ولا طير الفلا جاع
يـحـسين مـتـفيد التماني والتزافير طـيرٌ بلا جنحان ما لـه مقْدَرة اِيطير
بـيني اُو بـين ابن النّبي حالت مقادير وآنــا الـذي بالزلزلة ما قلبي ارتاع))
ينتهي اليوم الثاني من الملحمة بخروج الإمام (ع) من المدينة، وشاعرنا ابن فايز يتحرك مع الزمن الملحمي مستمرا في التواري خلف المتحدث الرئيسي في هذا الفصل وهو محمد ابن الحنفية، شارحا أهداف الثورة باعتبارها ضرورة دينية وتكليف إلهي لا يملك الإمام الحسين إلا الامتثال له.
لا يكتفي ابن فارس بابن الحنفية كشارح لسبب الخروج، بل يعزز ذلك بحوارية شجية بين الإمام وقبر جده (ص):
((فـي داعَـة الله يـا قـبـر جدّي يمبرور عـنّك اِمـسافر بالحمولة اُو غـالق الدُّور
مــا هـو اِبـطيبي سفرتي غصباً عليّه طـيـبـة أخـلّـيـها واَروح الغاضريّه)).
ثم يأتيه الجواب من القبر:
((يـحسين روح الغاضريّة اُو غـلّق الدور يـحسين ما لـك في المدينة قبر محفور
غـلِّـق مـنـازلنا اُوروح الـغـاضريّه ولا تْـخـلّي إبطيبة اِمن اُولادك بـقيّه))
يطيل الشاعر ابن فارس في زمن الخروج، وتتعدد مشاهد هذا الفصل لأنه عقدة الحكاية المقدسة وثيمتها. لذلك يجري حوارات كثيرة: بين الإمام وقبر جده، ومع قبر والدته السيدة الزهراء وأخيه الحسن وابن الحنفية وأم سلمة.. ، فخروج الإمام هو بمثابة مانفيستو لبنود الثورة ورسالتها.
للموضوع بقية،،،
 
 
 
 
 
 
[٨] "بنية الشعر الملحمي الحسيني، أشعار ملا علي بن فايز نموذجاً"
 
الفصل الثالث، مكة وكربلاء.. وسجال حول المقدس: عند حديثه عن خروج الإمام الحسين عليه السلام من مكة متوجها نحو العراق، يحافظ الشاعر ابن فارس على الموضوعية في شعره. وتتعدد المشاهد في هذا الفصل من الملحمة حتى تعالج قضية مهمة: رحيل الإمام (ع) من مكة قبل شعيرة عرفة بيوم. لذلك يخلق الملا ابن فارس صور ومشاهد مختلفة تخدم حدث الخروج من زاوية شرعيته.
هنا يحل عبدالله ابن جعفر ويبرز في المشهد الأول محل ابن الحنفية. فمن خلال حواره مع الإمام تتضح فكرة الرحيل عن مكة، لكن كيف أخرج المشهد بن فارس؟
وكذلك تبرز موهبة الملا بن فارس عندما وسع أفق المسرح بحيث لم يكرر ما خلقه في مسرح المدينة. يحرك بن فارس كاميرته ويختار زاوية التقاطها من على مشارف عرفة. قافلة تتحرك عكس السير الطبيعي في الثامن من ذي الحجة مغادرة الصعيد الطاهر. عبدالله ابن جعفر يلحظها باستغراب ويرسل ولده حتى يستطلع الأمر. لكن سرعان ما يعود ولده باكيا ويخبره عن هويتها:
-قلّه اُوهو ايجاذب ونينه
هذي الظعينة اللي راينه
ترى نور سلطان المدينه
بلكت الكوفة امكاتبينه
ثم يشارك الأب أبنه في توقعه بأنها قافلة الامام الحسين وهي متجه إلى العراق:
-اتزفّر اُوهو ايجاذب ونينه
لا يكون هذا القاصدينه.
يذهب ابن جعفر إلى الإمام مستوضحا فيخبره الإمام بأن له شعيرة حج مختلفة:
-حـجّـي مـهو بالحج حجّي يوم عاشور جـسمي الكعبة والحجر نحري المنحور
اُوحـجر النّبي اِسماعيل الأكبر المبرور اُوأمّــا مـبيتي في منى في الغاضريّه
عندي ضحايا يا افضل الموجود في الكون أفـضل مـن اللي كان واللي بعد بيكون.
يشفق عبدالله ابن جعفر على الإمام ويعطيه خيارا آخر بدل من بقاءه في مكة:
-يقلّه اُوقلبه يوقد اُوقيد
اُودمعه على الخدّين تبديد
ردّ الظعن يابن الأماجيد
اُوخل الفيافي اُوقطعك البيد
اُو باَرض المدينة عيّد العيد.
لكن الإمام الحسين يخبره بأن خروجه من مكة وتحلله من إحرامه جاء بطلب من جده وليس هناك مجالا للتراجع:
-قلّه اُو عبراته جريّه
جدّي النّبي اُو عزّه إليّه
جاني ابظلمة هالعشيّه
اُوظمني اُو وصاني ابوصيّه
جد السرى صبح اُومسيّه
إنته وهل بيتك سويّه
اُوخيّم اِبأرض الغاضريّه
وانا ممتثل هذي الوصيّه
قوله ترى واجب عليّه.
كل ما يستطيعه، شاعرنا ابن فارس بعد حديث الإمام هو أن يقبل بهذا القدر كما قبله الإمام نفسه. لكنه من جهة أخرى يهدئ شجنه ويسكن لوعته بوضع حوارية افتراضية ثانية، بين مكة وكربلاء، وينحاز إلى كربلاء في افتخارها:
الـغـاضـريّـة ما مثلها الغاضريّه
فازت على الكعبة اُو سماوات العليّه.
لكنه سرعان ما ينتبه إلى أن ذاتيته بدأت بالبروز، فيتوارى عن المشهد ويبقى محصورا بين مكة وكربلاء:
-الـغـاضـريّة اِتقول للكعبة اِنحطّي
عن شرفي بالْلي ثووا في جنب شطِّي.
مكة لا تقبل ذلك من كربلاء حيث لم تحافظ على الإمام سليما في ارضها ولم يروي مائها ظمئه. انها لم تكتفي باعطاشه، بل ارتوت هي من دمائهم:
-قـالت بدا منّك على المظلوم تقصير لـيـتك نبعتي ماي يوم أنّه حفر بير
اُومـاتوا عطاشى واِرتويتي من دماهم.
في هذه الحوارية تتضح تفاصيل أكثر عن الواقعة لأنها مخطوطة سابقاً على "اللوح المحفوظ. إرادة إلهية مما أدى إلى أن تكسب كربلاء الجولة، وبالذات أنها ستصبح مكاناً يحتوي في باطنها هذه الأجساد الطاهرة:
-آثــرنـي الله بـالـشـرف ما تنظريني عـافـك اُوطـيبة عافها اُوجـا قصد ليّه
لـمّن نـزلني اِحسين طـابت بي الأماكنْ فـضـلٌ مـن الله اُو فـضل ذرّيّة نبيّه.
وهذا ما يؤكده الشاعر أيضاً بقوله: ((بالأمس انتي اتراب اُوصرتي اليوم "تربه")). موضع السجود وقبلة الأرواح العاشقة.
للموضوع بقية،،،
 
 
 
[٩] "بنية الشعر الملحمي الحسيني، أشعار ملا علي بن فايز نموذجاً"
 
 
الفصل الرابع، مسلم ابن عقيل.. أول نقطة دم في مداد قلم الملحمة المقدسة:لعل هذا الفصل هو الأكثر وضوحا وانطباقا على المعنى العميق لأدب الملاحم الشعرية. كل شيء معد وباحترافية شديدة. فقط دع ابن فارس يقرأ أشعاره، ستتجسد تلقائيا شخصيات الملحمة أمامك على مسرح المخيلة. يتحاورون حتى يختفي صوت الشاعر ولا يبقى سوى الحدث.
(المشهدالأول)
طوعة تخاطب مسلم ابن عقيل:
اتنحى يها لواقف على الباب
وامضي لاشغالك ولسباب
يجاوبها مسلم:
نادى عليها بادمع سكّاب
انا غريب ضيفيني لك اثواب
تحتل طوعة الشخصية الرئيسية الثانية في هذا الفصل من الملحمة بعد مسلم. فطوعة في المشهد الأول تسأل ومسلم ابن عقيل يجيب، ويكشف لها عن دوره في الثورة الحسينية وحمله لرسالة الإمام الحسين إلى مجتمع الكوفة الذي أخل بوعوده.
(المشهد الثاني)
طوعه وولدها:
- قالت اُو منها تهمل العين
يابني لا تسألني مهو زين
- قلها دخبريني ولا تخفين
قالت ترى مسلم اتى الحين
يطلب الملجأ ماله امعين
عند حدوث الصدام والقتال بين مسلم ابن عقيل وجيش ابن زياد، لا تفارق طوعة المسرح. فهي الراوية لتفاصيل المعركة بجانب محاولتها تعنيف قومها وتذكيرهم بنقض عهودهم مع مسلم. لكنها تعلم أن المعركة محسومة لعدم التكافئ، فرد يقابل جيش متكامل إضافة إلى الخديعة الحربية التي غدر فيها أهل الكوفة بمسلم:
لـحد يـمسلم خانت ابعهدك الأنذال
لـكن بديت المرجلة يا فحل لرجال
لـولا الـحفيرة والقضا وافق الحيله
ما صابك ابن ازياد بارجاله اُوخيله
لـكـنّهم يوم الحرب صابوك غيله.
(المشهد الأخير)
تفاصيل استشهاد مسلم في قصر الحكم. لذلك تختفي طوعة من المسرح، فتتعدد الأصوات المتحاورة مع مسلم: الحاجب، عمر ابن سعد ابن زياد، ومسلم هو المحاور الرئيسي. وهنا تكمن مقدرة شاعرنا ابن فراس في إجادته لمهارة التواري خلف تلك الشخصيات:
مسلم عند ابن زياد :
- يمسلم سلم واحتشم زين
وقله يمير المؤمنين
- اُوحق الذي كون الكونين
ما لي امير غير لحسين.

لا ينتهي المشهد بالمحاورة الأخيرة بين مسلم وابن زياد لتنتهي باستشهاده مسلم. هنا شاعرنا ابن فارس لا يقفل الستارة ويرثي ابن عقيل، بل نجده يمنح طوعة مساحة أخرى للبوح فقد آلمها تفرد جيش الكوفة بمسلم. طوعة تبعث برسائل تستنهض فيها عشيرة مسلم؛ فتارة توجه خطابها إلى عمه الإمام علي (ع)، وتارة أخرى تستحث آل أبي طالب.
ليس هذا فحسب، بل حتى السيدة زينب تشارك طوعة في استنهاض ابطال القبيلة للدفاع عن مسلم:
يـا لـيـتـكـم جيتونه يا آل غالب قوموا
يـا ولاد عـبـد الـمطلب يا ليتكم جيتونه
وضـعوا حبل بارجوله اُوقاموا اله ايجرونه
مـسـلم جـنـازة امعطّلة ما جيتوا اتدفنونه
دفـنـوا اجـنازة مسلم يا آل غالب قوموا
يـهـل الـفـخر والشيمة ماذا التواني منكم
مـاجـاتـكم اخباره ما حـد لـفى خبّركم.
للموضوع بقية،،،

 
 
 


الادب الراقي
رياض السليم
 
 
الحراك يعني اختلاف في وجهات النظر و تعدد الآراء.
ام الجمود هو عبارة نسخ مكررة لمخلوق ممسوخ خلق له عقل لكن لا يفكر به.
وازدهار الادب هو انعكاس لتطور الذوق العام ورقيه في كل مجالاته.
فتعذب الالسنة وترتقي كلمات التخاطب وتحترم الذوات اكثر فاكثر فتسود لغة الاحترام في الاوساط الاجتماعية مما يولد مجتمع راقي طموح عزيز لا يرضى بالذل و الهوان .
وترق القلوب وتتهذب المشاعر وتصقل المواهب مما يجعل الانسان ملاصق لهويته الانسانية اكثر فاكثر فيولد المجتمع المتماسك المتراحم المتكافل الذي تحكمه لغة الحب والمودة .
هذا الكلام لو حافظ المجتمع على الحراك الادبي الذي يسير نحو الادب الراقي الذي يحافظ على اتزانه ومسيره نحو الاخلاق و الاحترام.
اما لو ساد الادب المنحط على مجتمع ما فتلك دلالة على انحطاط ذلك المجتمع.
ومتى ما سيطرت لغة الكراهية و الكلمات النابية والغرائز البهيمية على الادب وغابت لغة المحبة و الطهارة،و الكلمات الراقية و الجميلة ولغة العقل و الاخلاق فتلك اشارة على فساد الذوق وانحطاط المجتمع.
والحراك الادبي بالاحساء بلغة سامية رفيعة راقية تكشف عن روح جميلة ورائعة ترنو للمعالي تعيش في جسد المجتمع الاحسائي.
واكبر دليل على ذلك ان الاحساء هي المنطقة الوحيدة التي نجد الشعر الفصيح فيها اقوى من الشعر الشعبي ورواجه اكثر من رواح الشعبي.
وكذلك حتى الآن لم ينجرف أدباء الاحساء نحو الشعر الطائفي العدائي الذي يطفح بلغة الكراهية نحو الآخرين.
ولم ينجرفوا نحو الاباحي او الساقط الذي يجعل الامور المستكرهة و المقرفة مادة له.




 

 
في تموجات الصوت وترميزاته، عشقنا الأبدي
مهدي الرمضان
 
"ما يلي تموجات صوتية لمبدع"
على السهول التي تمتد في لغتي
ما زال ينمو معي عنقود موهبتي
«بضع وعشرون» شدت رحلها.. وأنا
أنا.. المعتق في إبريق تجربتي.
"من ديوان ما وراء حنجرة
المغني"
للشاعر المبدع: جاسم الصحيح.
بدأت اللغة بصوت اطلقه من حنجرته الإنسان الأول.
تموجات ذلك الصوت حملها الهواء وفي مضامينه كمنت المعاني والدلالات.
عبّر الصوت بدلالته عن معنى ضاغط إختلج في نفس ذلمك الإنسان فكان لابد له من ان يخرجه ليوصله لشخص آخر.
مذ ذلك الوقت لم يصمت الإنسان أبداً وتحولت تموجات أصواته لمختلف لغات العالم.
تشكلت لغات الارض المنطوقة المختلفة من تعدد إتفاقات البشر وتراضيهم في كل منطقة جغرافية على تعريف معاني الاصوات وبعدها تطورت اللغات بترميز الاصوات برسوم فكانت اللغات المكتوبة.
اللغة المنطوقة والمكتوبة هدفها أن تعبّر عما يكنه ويتناقله الافراد بينهم من أفكار وتطورت بتطور البشر ومفاهيمهم وإدراكاتهم وحاجاتهم لتصنع لغات تتخاطب بها العقول. عراقه ورسوخ اللغة بمقدار إتساع المجالات المستخدمة بها وإتساع الرقعة الجغرافية لمتحدثيها وتقاس قوتها الفاعلية بدقة تعبيراتها عن المحسوسات والمجردات وثبات معانيها وعدد المترادفات بها لكل معنى من معانيها.
يؤكد علماء الآثار والحفريات (الاركيولوجيا) ان بداية توظيف الإنسان الأول لتذبذبات الأصوات في التخاطب لم تتم إلا بعد ان تطور حجم دماغه لما يقارب لما لدى الإنسان المعاصر وتلك الفترة ترجع تاريخياً لما قبل حوالي مليون وخمسمائة ألف عام.
من خصائص الدماغ البشري تذوقه الجمال بأنواعه والطرب للتناسق والتناغم في كل اشكاله من الرسوم والالوان وتموجات الاصوات المريحة بإنسجامها وتناغمها في نوتتها الموسيقية.
يعشق الدماغ في بنيته جمال الوجه البشري المتناسق والجسم ذي المقاسات المتناسبة وكذلك يعشق جمال الأدب بتناغم معانية وموسيقى كلماته ولذا نجد الأدب بتركيباته ومشتقاته يرتبط بالفنون والإبداعات الإنسانية.
كما يعشق الدماغ المبتكرات التي تداعب مخيلته وتستفزها وفي الآداب وفنونه يجد الإنسان كل ذلك التشويق والتحفيز للدماغ.
ربما في البداية اعتبر الإنسان فنون الآداب تحف ومكافئات يتنعم بها بعد أن اشبع حاجاته الحياتية الضرورية ولكنه لاحقا وبتطوره حضارياً اكتشف أن الإنتاج الأدبي لما له من مفعول سحري مؤثر في النفوس لا يجب ان يعامل كنوع من الترف الذهني والفخفخة بل يرقى ليقود الإنسانية في رحلتها نحو الإزدهار و التنمية الحضارية وامسى وقود يقود المجتمعات نحو التطور والنمو.
التفتت المجتمعات البشرية مبكراً لما للآداب وفنونه من تأثيرات إجتماعية بالغة القوة وتنبه بعدها الموهوبون لإمكانية وفائدة تحويل تذبذبات الاصوات في خلق منظومات إبداعية ينسقونها ويصيغونها في عقود جمالية شعرية بحسن إختيار ورصف مجموعة أصوات مسموعة او رموز مكتوبة ليمتلكوا ناصية المتلقي وليتلاعبوا كيفما يشاؤون بوجدانه ويلامسوا ارهف حواسه ويحركوا ارق مشاعره.
هذه القوة العظيمة في الأدب قادت الأمم وأرتقت بالأفراد لمستويات حضارية ما كانت لتكون لولا ان سخرها المبدعون من الادباء بأنواعهم.
لا يحتاج المرء للبحث طويلا ليرى ان
مجتمعنا وبالذات الاحسائي يمر في مفصل تاريخي لحراك ادبي شبابي قوي فهو يزخر بالادباء من الشعراء الشياب والكتّاب المبدعون من الرجال والنساء وتترى إنتاجاتهم وتتواصل ملتقياتهم وتجمعاتهم في منتديات وحراك وزخم لافت خلال العقدين الاخيرين. ربما لا نزال في بواكير نهضتنا الادبية مقارنة بمن سبقنا من المجتمعات ولكننا بالمقارنة بما كنا عليه قبل عقدين فإن وضعنا بكل المقاييس مبشر. التنافس في كل مناحي الحياة هو المحرك نحو الرقي والتقدم ويصدق ذلك على مجالات الآداب وفنونه ويتطلب الحراك الأدبي الصحي في مجتمعنا أن يهيئ المهتمون به كألنوادي الأدبية ووزارات الثقافة الرسمية أمامه الطريق وتذلل العقبات لإكتشاف ودعم المواهب بعقد حلبات التنافس و المسابقات والمنافسات كما إن على المبدعين عدم التهيب من الدخول في معتركها والمنازله في ساحاتها ليستخرجوا أفضل ما لديهم لجماهيرهم العاشقة لتموجات اصواتهم الجميلة.

الجمعة، 24 أكتوبر 2014

الهويــــة



المشاركون:

1) عقيل عبدالله: الهويه أزمة انسانية

2) مهدي الرمضان: لمحات موجزة في قضايا الهوية "الهوية ليست منتج ناجز"

3) مهدي الرمضان:  تيارات العولمة تجرف الهويات الوطنية

4) فاخر السلطان: الدين ضحية لصراع الهوية
5) كاظم الخليفة: التحول الديني وبواعث الاعتقاد في الغرب

 
 
الهوية.. أزمة انسانية
عقيل عبدالله
 
تعد قضية الهوية من أهم مشكلات العصر الحديث لما أحدثته المتغيرات السريعة و الانتقال للافكار و البشر و السلع بين القارات بسرعة هائلة ، مما أثر على استقرارها من نواحي مختلفة .
بالحديث عن الهوية يجب ان نفرق بين نوعين من الهوية
الهوية الاجتماعية:
وهي ما يميز المجتمعات عن بعضها ,و هي عبارة عن الخصائص المشركة بين مجموعة من الافراد.
النوع الثاني هي
الهوية الذاتية أو الشخصية:
وهي ما يميز الفرد عن غيره و يعطيه خصائصه الفارقة
فبينما يعطي النوع الثاني انطباع ان الافراد متمايزون عن بعضهم ... يعطي النوع الاول الانطباع ان البشر متشابهون في كثير من الخصائص..
و من هنا نعرض لأصل كلمة الهوية
فهي مأخوذة من الضمير هو
و من الهوة و هي قعر البئر
مما يعني ان الهوية تعبير عميق عن حقيقة الانسان في داخله..
و في معجم المعاني
عرف الهوية انها حقيقة الانسان المطلقة و صفاته الجوهرية
وحقيقة الشيئ هي هويته
و عرف اريكسون هوية الانسان بأنها الوعي بالذات و فلسفته في الحياة..
يجرنا الحديث عن الهوية الى علاقته بالمثقف و ربما ليس اي مثقف انما المثقف المتطلع لتجديد واقعه و فتح آفاق جديدة ..
هذه المحاولة من المثقف يجعله في صدام مع من يرى ان الحفاظ على المكتسبات و الخصائص الاجتماعية من عادات و تقاليد و افكار - وهي مفردات الهوية- اولى من فتح نوافذ جديدة قد تؤثر سلبا ..
المثقف ليس من الضرورة ان يكون فاقدا للهوية او غير منسجم مع الهوية الاجتماعية ... و لكن المعضلة الحقيقية هي في عدم هضمه لهويته المحلية و الاستعجال في نقدها متكئا على ثقافة مستوردة..
و هذا يقودنا الى كلمات د. علي شريعتي خصوصا في كتابه مسؤولية المثقف التي صرخ فيها بوجه المثقف المستلب الهوية لصالح الذوبان في كل مستورد و طارئ...
من اصعب الامور ان يضطر شخص للدفاع احيانا عن افكار قد لا يؤمن بها بسبب انها تشكل هوية لمجتمعه و محيطه و عائلته..
تماما كحال كثير من المثقفين الذين ينقدون تفاصيل المذهب و لكنه يضطر للدفاع عنه عندما يدخل في جدال سني- شيعي
و هنا استحضر احدى قفشات الصديق صادق السماعيل
عندما يحتدم النقاش في اي لقاء او ملتقى حول احدى مكونات المذهب كنقد رجال الدين او الحسينيات او ..ليقول للناقد ..
نهايتك بتموت و سيتم تغسيلك و تكفينك و دفنك على الطريقة الشيعية و سيأتي معمم شيعي لينزل في قبرك و يلقنك على الطريقة الشيعية و سينصب عزاك في حسينية و سأتي ملا ينوح على مصيبة الزهرا..
هذه ليست نكتة بل حقيقة تجذر الهوية و الانتماء مهما نقد المثقف او حاول التمرد..
العرب و الهوية
جرب العرب الهوية القومية العربية و قاد هذا التيار الرئيس المصري عبدالناصر ..
ولكن هذا التيار فشل فشلا ذريعا في تحقيق اي حداثة للعرب ..بل لم يستطع تجسيد الهوية القومية في ارض الواقع..
و من هنا شقت الهوية الدينية الاسلامية بقيادة تيارات الاسلام السياسي خطها في تخليق هوية دينية كبديل للقومية..
و عندما استشعرت الانظمة العربية خطر التيارات الدينية العابرة للحدود اطلقت ما سمي بالهوية الوطنية ..
و لكنها الى اليوم لم تثبت صلابتها في مواجهة اي تيار ديني او قومي او فكري و هو احد اسباب ضعف الدول العربية و ضعف انتماء الشعوب العربية لكياناتهم السياسية الحالية..
العولمة ماذا حققت ؟
كانت العولمة حديث المجالس في التسعينات، و كان القلق من تغلغل المفاهيم الغربية و الامريكية تحديدا الى المجتمعات المغلقة و التأثير في هويتها متصدرا للخطاب الديني و الثقافي..
السؤال بعد نحو عقد و نصف من اثر العولمة.. هل تأثير هويتنا المحلية بها؟؟ما نوع الاثر ايجابي ام سلبي؟ و هل كان الخطاب حينها واقعيا ام مبالغ فيه؟
في مقابل العولمة و من اجل مواجهتها طرح البعض فكرة العالمية..
تتلخص في الفكرة بالاعتراف بكل الهويات و الثقافات الانسانية و التعايش معها بدل نموذج العولمة الذي يعني تصدير نموذج واحد للبشرية و هوية واحد لكل الناس..
ومثال ذلك
ان العولمة تؤدي الى تجد في كل مدينة من مدن العالم الناس ترتدي بنطلون جينز و تأكل في ماكدونلز و تركب سيارة فورد
اما العالمية
فتعني ان تجد في كل مدينة في العالم مطعم امريكي الى جانبه مطعم صيني و مطعم هندي آخر عربي و هكذا ..
لنتحدث عن فكرة طوباوية انتشرت لفترة من الزمن خصوصا في الغرب
و هي فكرة الانسان العالمي او الكوني..
الفكرة تتلخص في فئة من الناس قررت ان تنتمي للبشرية ككل و ان تنتمي الى كل الانتاج و الحضارات و الاديان و الافكار الانسانية بذات الدرجة دون تحيز او تعاطف مع فكرة دون اخرى.
و تريد هذه الفئة ان يتم اصدار جوازات سفرها من الامم المتحدة و يكون معترفا به في كل دولها و ان تتم كل معاملاتهم المدنية عن طريق المنظمة الدولية و ان لا يحملوا جنسية محددة بل تكون جنسيتهم الانسانية و دولتهم الكرة الارضية..
هذه الفكرة لقيت رواجا خصوصا بين اليساريين في الغرب لكن الفكرة ابعد ما تكون عن التطبيق..
صراع الهويات:
سلط أمين معلوف الضوء بشكل مكثف في كتابه الهويات القاتلة ..و طرح عدة نماذج لصراع الهويات ..
و قدم معلوف عدد من النماذج منها صراع البلقان في يوغسلافيا السابقة .. فبعدما كان الشعور بالانتماء طاغيا أيام يوغسلافيا تيتو .. تحول الى صراعات دامية بين أطياف الشعب اليوغسلافي من بوسنيين و صرب و كروات..
و البوسني اصبح يشعر بانتماءه الديني اكثر من الوطني بعد المجازر الوحشية و التطهير العرقي و الاثني ..
و طرح معلوف تجربته الشخيصية ايضا قبل انتقاله الى فرنسا ..
حيث اضطرته ظروف الحرب الاهلية للهرب من لبنان ..
هو المسيحي الكاثوليكي من طائفة الروم الملكيين في عائلة منقسة بين الطوائف .. بل و ان احد اسلافه متهم بالماسونية..
و رغم انه تابع للكاثوليك إلا انه مسجل كبروتستانتي بس خلاف عائلي ...
لديه جدة تركية الاصل و جد ماروني مصري ...
مسيحي لغته الاصلية العربية التي هي لغة الاسلام.. و لكنه يفكر و يكتب بالفرنسية
يتسائل معلوف هي هذه الانتماءات تجعلني مشترك مع ملايين البشر في هوية واحدة ام انها تعني انني ذو هوية فريدة لا تشبه احد..
في ظروف كظروف الحرب الاهلية او الانتخابات الطائفية كلبنان بجانب من يجب ان يصطف ؟؟و اي فروع هويته احق بنصرته و الانتصار له؟؟
نموذجين في مقاربة صراع الهويات..
في ايطار محاولتها لمقاربة صراع الهوية أفرزت التجارب العالمية نموذجين هما :
النموذج الاول
هو النموذج الفرنسي
و يقوم اساسا على صهر الهويات الفرعية في هوية وطنية شاملة...و السعي الى دمج الاقليات في الثقافة الام و تسهيل عملية ذوبانهم في المجتمع..
اما النموذج الثاني..
فهو النموذج البريطاني..
ويقوم على اساس تشجيع الهويات الفرعية على الاستمرار و النمو و تعويد المجتمع على تقبل الاختلاف .. و اعتبار الهوية الوطنية عبارة عن مزيج من الهويات الفرعية ..
و لعل سبب الاتجاه البريطاني الى هذه الاسلوب هو كون بريطانية دولة اتحادية تضم بالاساس عدة هويات و العلم البريطاني عبارة عن تجميع لاعلام الاقاليم المشاركة في الاتحاد.
على الصعيد الدوي فإن معظم حكومات العالم الثالث تتبنى النموذج الفرنسي و تعتبر ان صهر الهويات الفرعية في هوية وطنية شاملة ادعى للاستقرار السياسي..
 
و لكن دول اخرى كاستراليا و كندا حققت استقرارا كبيرا باستخدامها النموذج البريطاني .. فيما تعاني بعض الدول التي اعتمدت النموذج الفرنسي من الصراع المستمر..




 

لمحات موجزة في قضايا الهوية
"الهوية ليست منتج ناجز"
مهدي الرمضان
 
يهتم علماء السيكولوجيا والسيكولوجيا الإجتماعية والانثروبولوجيا كل في مجاله بالهوية وتعريفها وتركيباتها.
فمن الناحية السيكولوجية يهتم هذا العلم بالهوية في دراساته للأفراد كأفراد ويعتبر الهوية هي تعريف للذات والصورة الذهنية التي يحملها الفرد عن ذاته وبها يتحدد العنوان العام الذي ينضوي تحته الفرد ككيان كامل مستقل.
أما بالنسبة للباحثين والمتخصصين في السيكولوجيا الإجتماعية فينظرون للهوية في مفهومها الإجتماعي العام وإرتباطاتها بالإنتماء بالوسط والمحيط الإجتماعي.

أما علماء الانثربولوجيا فينظرون للهوية كمفهوم تاريخي تحدده وتمنحه الثقافة الإجتماعية للجماعة والكتلة البشرية التي يعيش وسطها الفرد. فهوية الفرد هنا هي مستمدة ومرتبطة عضويا بهوية الجماعة البشرية.

للهوية أبعاد متعددة متداخلة منها ما هو شبه ثابت نادر التغير والتحول كالجنس ذكر او أنثى والديانة والمبتنيات العقدية الرسخة ومنها ما هو ديناميكي دائم التحول كإرتباط الهوية بالعمر وإحساس المرء وتعريفه لذاته بحسب ما هو فيه من مرحلة عمرية ومن نواحي أخرى تتطور هويته بتطور مجالات عمله الوظيفي وتطوراته الثقافية بتطور مستواه العلمي وبتحولاته الفكرية الدائمة على سبيل المثال.
فهو دائماً يدخل دوائر جديدة و يغادر دوائر أخرى مع تطوره ثقافياً وأقتصاديا ومعرفياً.

يضع المرء تراتبية و اولويات هويته بلا وعي تام منه كي تحقق له هويته إستقرار تفسي ورضا عن الذات في كل مرحلة من حياته وتتبدل أهمية عناصرها التراتبية تبعاً لما يحققه في حينه كل عنصر من مكاسب او يدفع عنه من مخاطر.
ترتيب اولويات عناصر الهوية تحكمها اولا مدى ارتباط الهوية في حفظ كينونته وبقاءه على قيد الحياة ومن ثم يأتي قدرة هويته لمنحه إحترامه لذاته ودعم حراكه في الحياه وتحقيق إشباع لرغباته.

انثروبولوجيا، في العصور الماضيه وفي المجتمعات الاكثر بدائية والتي كانت تتسم بالثبات وبطء وتيرة التغير، لم تكن الهوية تشكل قضية مثار للنقاش او الجدل او المراجعة إجتماعياً. وكانت الهوية كتعريف للفرد ضمن المجموعة تمنح له من وسطه الإجتماعي فلم يكن لكيانه مفرداً أهمية وبروز إجتماعي ولم يكن وارد في مجتمعه ان يسمح له او أن يتاح له ان يختار هويته المختلفة ضمن هذا الوسط.
في عصرنا الحالي ومع المتغيرات الحضارية المتسارعة وبروز حركة الفردانية وبروز حركات حقوق الإنسان، اصبح الفرد بعد تمتعه بمجال حريه واسع وارتفاع مستواه الأكاديمي والثقافي معني بتعريف هويته الذاتية المستقلة وممارسة خياراته في وضع تراتبيتها وأولويتها ضمن الإطار الإجتماعي العام او حتى ضد وسطه وبيئته الإجتماعية.
كون الهوية دائمة التحول و التغير، فهي منتج غير ناجز وعملية غير محسومة أو تامة.

في العصر الحالي اصبحت الهوية قضية البشرية الكبرى لما لها من تأثيرات سياسية وإجتماعية ضخمة ادت لحروب عالمية طاحنة و صراعات كبيرة بسبب تضارب مصالح الهويات للشعوب والكتل البشرية.

ستبقى قضايا الهوية وما يستتبعها من تزاحم في الإنتماءات الإثنية والوطنية مثار للصراع البشري وربما سبب ذلك يرجع لبروز مفهوم الفردانية وتضاؤل قوة الجماعة وثأثيرها إجتماعيا وتطلع الافراد للحصول على مكاسب أكبر لذواتهم وضغطهم ليحصلوا إيضا على مكاسب لمن يشتركون معهم في الهوية في دوائرهم الإجتماعية.
 
 
 
 

تيارات العولمة تجرف الهويات الوطنية

مهدي الرمضان 

إنطلقت العولمة فلسفيا وعملاتيا مع بداية دخول الالفية الثالثة.

جاءت العولمة بعد ان تمهد لها الطريق بالإبتكارات وتقنيات التواصل وثورة المعلومات لتخترق الحدود بين الدول وتقتحم حواجز الثقافات بسهولة ويسر ولم يعد في المقابل للدول المنفردة القدرة ان تقاوم تياراتها فتضائلت مقاوماتها على صد ما يأتي مع العولمة الاقتصادية من مستجدات و من عناصر تفعل فعلها في مجتمعات تلك الدول. العولمة عملية مركبة ومعقدة و في مفهومها العام تهدف لإختصار الأوقات وتجسير المسافات بين الشعوب و الافراد لتزيد التبادل التجاري وكسب اسواق جديدة أمام بضائع الدول المتقدمة.

الدافع الإقتصادي وسيطرة رأس المال وتوسيع مجالات توظيفه هي الدافع الرئيسي لهجمة العولمة على اسواق وثقافات الشعوب وتمييع هوياتهم الوطنية.
ولكن ليست المحاور الإقتصاية منفردة هي فقط المؤثرة هنا بل تشمل العولمة وتمهد في طريقها لإعادة صياغات وخلق بيئات عالمية موحدة يكمن في طبيعتها مفهوم التجانس الثقافي والمزامنه العملاتية والتكامل بين كل شعوب العالم.
وفي طريقها لتحقيق ذلك تقع ثقافات وهويات الشعوب وبالذات الأقليات داخل الشعوب ضحايا مؤكدة في الطريق.

سيفقد العالم وشعوبه الضعيفة قواه وخصوصياته ويتم تخفيف وقع التعددية والخصوصية والتفرد الثقافي في العالم ليحل محلها التجانس والتزامن والتكامل الذي يفرضه الاقوياء فيصبح الجميع تقريبا نسخ متشابهة يأكلون ويشربون ويلبسون منتجات محددة ويتحدثون بلغة واحدة تحت سيطرة عالمية لقوى رأس المال وما يفرضه من نمطيات وبالتالي يتقاربون في أنماط معيشتهم وطرق تفكيرهم ويضيّعون على أثرها هويات مجتمعاتهم الثقافية والتاريخة.

طبعاً، لم تستسلم الشعوب بسهولة وتقبل هذه المتغيرات وما ستؤدي له من مخاطر ماحقة لاساليب معيشتها وهدم لمسلماتها وقناعاتها ومحو هوياتهم.
جاءت مقاومة الشعوب والعديد من الفئات الثقافية المحافظة والسياسية والحزبية الأيدولوجية لخشيتها من هجمة العولمة وما قد تشكله من مخاطر ماحقة عليها وعلى هوياتها الجامعة. وكانت ردود الفعل متفاوته في اسلوب تعاملها ورفضها. بعض الشعوب استسهلت الامر وسبحت مع التيار وحققت في الطريق بعض المكاسب الحضارية على حساب هوياتها. ودول أخرى خلقت تكتلات كبرى لتكون فاعلة إقتصادياً أمام تيارات العولمة واستطاعت ان تقلل من مخاطر فقدان خصوصياتها الثقافية والإجتماعية. وتعاملت بعض الدول بإنتقائية في مواجهة مخرجات العولمة ودول أخرى قامت بوضع حواجز ومنع دخول كل تقنيات التواصل وحرمان شعوبها من مخرجات العولمة بعذر الدفاع عن هوياتها الوطنية.

أليابان على سبيل المثال كانت إحدى الدول القلائل التي استطاعت في معادلة ناجحة ان تزاوج بين معطيات العولمة وبين الحفاظ على نمط عيشها وتراثها الثقافي ومنعت بذلك المساس بهويتها الوطنية.

سيبقى الصراع ويزداد ضراوة بين تيارات العولمة وهجماتها وإختراقاتها للحدود والحواجز وتأثيراتها الجانبية وستبقى شعوب ودول العالم الثالث تحاول الدفاع عن خصوصياتها الثقافية والتمسك بهوياتها الوطنية أمام تلك الهجمات.
ستنجح فقط الشعوب التي تتمكن من تحقيق إختراقات في مستوى أداءها الاقتصادي وفي رفع مستوى تنميتها الحضارية.



الدين ضحية لصراع الهوية

فاخر السلطان

هل يمكن الدفاع عن شريحة من المسلمين تحاول أن تعيد أو تفلتر أو حتى تقطع علاقتها بتاريخ الدين؟

هي في الواقع لم تقطع علاقتها بالله أو بالوحي ولا بعقائدها الإيمانية المعنوية، إنما أرادت أن تضع حدا لعلاقتها التقليدية والمادية المصلحية بالتاريخ الديني، فهي رفضت قبول التبعية للتاريخ وعارضت الخضوع للماضي الاجتماعي الديني الساعي إلى أن يصبح أساسا لحياتها في الحاضر.

لا يمكن بناء تلك العلاقة والدفاع عن تلك الشريحة إلا بطرح نهج للتدين يستمد أسسه من أصل رئيسي بعثت من أجله الأديان، ومن ضمنها الدين الإسلامي. هذا الأصل يتمثل في الإيمان الطبيعي المتحرر من الزوائد التي أدخلت عليه عبر التاريخ، الإيمان الهادف إلى بناء علاقة فطرية مع الله، لا التدين الساعي إلى استغلال الظروف والمصالح في الدنيا لتثبيت هوية دينية.

فلا همّ لمعظم المنتمين إلى ضفتي السنة والشيعة إلا الدفاع أو الهجوم على القضايا التي تحفظ هويتهم الدينية التاريخية، ولو أدى بهم الأمر إلى استخدامهم أساليب غير أخلاقية.

إذا ما واصلت المدرسة الفقهية التقليدية، لدى السنة والشيعة، والتي تتبنى نشر منهج الهوية الدينية وتعتبره أحد مهامها الرئيسية في الحياة، في الظهور على هذه الشاكلة من دون السعي إلى إعادة إحياء نهج التدين المعبّر عن العلاقة الفطرية بين الإنسان وربه ورفض الزوائد التي أدخلت على الدين عبر التاريخ، فإن أكثر المتضررين من ذلك هو الدين نفسه، ثم المواطن وأمن الوطن وسلامة المجتمع المحلي.

التديّن المصلحي والمادي المستند إلى الهوية الدينية يعبر في أبرز تجلياته عن الطائفية البغيضة، إذ لا هم لأصحاب هذا النوع من التديّن إلا الاستناد إلى التاريخ للدفاع عن وجودهم وهويتهم والسعي لإلغاء الهويات الدينية.

 
 

التحول الديني وبواعث الاعتقاد في الغرب

كاظم الخليفة

 

(1) 

ترى لماذا يتحول الإنسان من ديانة إلى أخرى؟، بل ماذ يدفع بالعلماني الغربي والمتخفف من لوازم الاعتقاد كالطقوس والشعائر الدينية ومنظومة أخلاق ووصايا يحددها الدين الجديد حتى يتخلى عن استقلاليته ويدخل في تبعية دينية؟
فهل هناك نظريات حاولت تفسير ظاهرة التحول الديني والكشف عن بواعثها وملابساتها؟
ثم الا يعتبر الحديث عن التحول الديني والذي تجاوزة الزمن بفعل التغيرات الثقافية والتي طرأت على الفكر الغربي حتى بات ما يعرف بالدين "المتجاوز للأديان" وذلك عندما يتم صهر معتقدين دينيين مع بعضهما البعض كما هو حاصل في أمريكا مثلاً بين بعض مبادئ الكاثوليكية والبروتستانتية ، دليل على على انحسار التحول بين الأديان المتقابلة إلى الانسجام والتوفيق بينها؟

سنحاول الإجابة على هذه التساؤلات من خلال قراءة في ثلاثة مراجع مهمة نستحضرها هنا حتى تجيب عن أسئلتنا هذه وهي:
١- كتاب "اعتناق الإسلام في الغرب أسبابه ودوافعه" للدكتور صلاح عبد الرزاق.
٢- كتاب "علم الاجتماع الديني الإشكاليات والسياقات" للدكتور سابينو أكوافيفا، و الدكتور إنزو باتشي.
٣- كتاب "علم الأديان مساهمة في التأسيس" لرئيس جامعة السوربون السابق البروفيسور ميشال مسلان.

مقدمة عن تطور الفكر الديني في الغرب:
"مريم جميلة" أو مارغريت ماركوس، تحولت عن اليهودية إلى الاسلام بسبب ميلها وإعجابها بالموسيقى العربية وكذلك لشغفها بصوت أم كلثوم وهي ترتل سورة مريم! ذلك ما تقوله مريم عن بداية تأثرها بالإسلام والثقافة العربية وتحولها عن اليهودية. لكن كيف لنا أن نستوعب ذلك بدون الولوج إلى أعماق الفكر الغربي واستيعاب مقدار التحول العميق في مفهوم التدين لدى الغربيين وكذلك معنى "الدين الطبيعي" والذي يفسر كثير من الظواهر ومنها التجربة الدينية أو الايمان العميق والذي ينشأ عن الشعور بالمقدس واستحضاره كتجربة داخلية، و هذا لا ينفي الدوافع العقلانية البحتة في العديد من حالات التحول كما لا حظها لاري بوستون في استقرائه لدوافع الحالات التي درسها لمجتمع عينته الامريكية.
كل ذلك سنعبره من خلال الموجز التالي:

(أ) الظاهرة الدينية وبواعث الإيمان:
يرى ميشال متسلان، مؤسس علم الأديان وعميد في السوربون، أن الظاهرة الدينية لايمكن فهمها بوضوح إلا من خلال تحليل الإنسان المتدين نفسه وتفسيره للعلاقات التي تربطه بقوة متعالية. لذلك هو لا يذهب إلى التنظيرات المجردة، بل يحاور فهم الإنسان نفسه لها، ويقرب وجهة نظره كالتالي: (كما أنه لا يمكن كنه إدراك كنه رؤيا حلم ما، إلا عبر لغة الحالم الصاحي، بالمثل لن تتم معرفة المقدس إلا عبر الإنسان الذي يعبر عنه).
لذلك نجد أن مجموع ما قاله البشر هو شعورهم بالقلق العميق الذي يكتنف وجودهم، وحسب تعبير هايدغر: داخل كون قُذف فيه وأسلم للموت.
فهذا القلق الوجودي هو ما يحاول الكاتبان باتشي و أكوافيفا في كتابهما المعنون ب علم الاجتماع الديني وصفه بأنه ينبع من "أصل غريزي" والذي يسعى فيه الإنسان إلى بلوغ مرحلة يصبح فيها خالداً بيلوجياً، ثم نفي القلق عن نفسه. لذلك يعتبران أن للدين له جذور نفسية عميقة، وهو يعبر عن حاجات منقوصة يخلف غيابها حرج شديد لدى الفرد.
لكن عندما أدرك الإنسان أن معركته من أجل الخلود هي معركة خاسرة، (هنا تولدت استراتيجيات نفسية "ذات طابع ديني" تهدف إلى وجود ضمانات في الوجود البشري). وبناءً عليه، يصل الباحثان إلى نتيجة مباشرة وهي أن التدين الداخلي العميق يقلص وبشكل واضح حدة القلق وخصوصا الخوف من الموت.
يتبع،،،



(2)

 (ب) انتفاء القلق من الموت هل يقود إلى العلمانية؟:
من خلال الإحصائيات وتتبع ظاهرة التدين في العصر الحديث، يصل الباحثان باتشي وأكوافيفا، إلى نتيجة واضحة بالنسبة إليهما، حيث يتناقص التدين ويزداد التحول إلى العلمانية وذلك بفضل الثورات الصناعية والاقتصادية التالية على عصر الأنوار. ففي إيطاليا مثلاً كان ٩٩٪ من مجموع المجتمع الايطالي يمارسون الطقوس الدينية في القرن الثامن عشر، وبعد نصف قرن أنخفضت النسبة إلى ٧٠٪. وحتى عام ١٩٥٦ لم تتغير النسبة إلا بشكل طفيف حيث بلغت ٦٩٪، لكن الانهيار الكبير حدث في عام ١٩٨٥ والذي انحدرت فيه النسبة إلى ٣٣,٥٪ وهو العام الذي انهارت فيه الأخلاق الدينية التقليدية ونمت أخلاق علمانية وكان أبرزها ظاهرة التحرر الجنسي، وكان السبب الرئيسي الملحوظ حينها هو الثورة الاقتصادية.

مع الثورة الاقتصادية تغير تقريبا كل شيء: شكل المحبة، والتواصل في المجتمع، نمط صياغة العلاقات، نمط التعايش، إضفاء معنى أو إلغاؤه على الحياة أو على الموت، وكذلك حدث تجاوز على الدين الشعبي السائد والدين التقليدي والذي يتميز بطابعه السحري وامتزاج العنصر المسيحي بالعنصر الوثني!!

بين خمسينات القرن الماضي وثمانيناته حدث الشيء الكثير من التغييرات التي هزت أركان المجتمع، فقد بقي الاهتمام بالدين الشعبي عند نسبة معينة، لكن دين الكنيسة حدث فيه تحولات عميقة وأطل شكل جديد من التدين يسمى التدين الطبيعي (استشعار ما في الطبيعة من رؤى واستبطان ذلك كتجربة دينية وتصوف، وليس الشعور بالله ذاته).

المجتمعات الغربية دب فيها العديد من التحولات وصار الموت بموجبها أبعد، كما بات حدثاً نادراً ما يأتي، وإن حل بأحد فهو غالباً ما يحصل متأخراً بفضل تقدم الطب وتحسن وسائل العيش. لذلك سقط أحد أهم بواعث القلق لدى الإنسان والذي يدفع إلى الايمان وهو هاجس الخوف من الموت.

السؤال هنا: وسط هذا الركام من حطام مظاهر التدين المسيحي هل جاءت عملية التحول الديني من الغربيين إلى الأديان الشرقية ومن ضمنها الاسلام كنتيجة لهذه الظاهرة؟
الجواب سنكتشفه من خلال نظريات التحول وشهادات المتحولين، وكذلك من وحي تنظيرات علماء النفس والاجتماع الديني.
أما باقي نظريات الظاهرة الدينية ومعنى الدين والتدين والإعتقاد، فسيتم الحديث عنهم لاحقاً تحت عنوان وموضوع منفصل.
للحديث بقية،،،

 

(3)

مفهوم التحول الديني:
يعّرف التحول الديني بأنه الانتقال من إيمان إلى آخر، أو هو تبديل مجموعة من العقائد والشعائر الدينية بأخرى. أو هو تغييرات راديكالية في النظرة إلى العالم والهوية مرتبط بصراع، كما عرفه لويس رامبو.
فمنذ بداية القرن العشرين قام الباحثون والسيكلوجيون بتطوير نظريات تفسر التحول الديني، وكل واحد منهم يركز على عامل معين أو دافع محدد يعتقدون أنه هو القوة الرئيسية. لكن يمكن اختزال هذه العوامل في محددين وهما عوامل داخلية وعوامل خارجية.

العوامل الداخلية الدافعة الاعتناق:
تراوحت التحليلات المفسرة للعوامل الداخلية لمعنى التحول الديني بين من أوله كحل خيالي من أجل الخروج من حالة التهديد النفسي من خلال التحالف مع قوى فوق طبيعية، كما يقول فلو كونوي، إلى من فسرها بسمو الروح ورفعتها مثل براودفوت وهي أن الإنسان بحاجة إلى إيجاد معنى للحياة ويشمل هذا الحوادث اليومية المتعذر تفسيرها، اضافة إلى القضايا التي تنتاب تفكيره.
هذا التحول يعزوه كونوي إلى عوامل نفسية واجتماعية تودي إلى تغيير كيميحيوي في تركيبة الدماغ، مولدة تغييرات في الوعي.
أما سيجموند فرويد فيرى أن ديناميكية الاعتقاد هي انعكاس للقوى البدائية داخل الشخصية.
أما أشمل التنظيرات فقد أتت من خلال تقسيمات جون لوفلان ونورمان سكونوفد حيث قسما الدوافع الداخلية إلى ستة أنواع سنعرضها لاحقاً.
للحديث بقية،،،

 

(4)

أعطى الباحثان جون لوفلان و نورمان سكونوفد تفسيرات لدوافع الاعتناق الداخلية بواسطة الخبرات التي يمكن تحديدها من كل نوع من محرضات الاعتناق وهي:

١- دوافع فكرية، وفيها يبحث الشخص عن معرفة القضايا الدينية والروحية من خلال الكتب والتلفزيون والمقالات وبقية الوسائل الإعلامية، فالشخص يستقصي ويبحث عن البدائل.
٢- الاعتناق الصوفي، والذي يحدث بشكل فجائي وتفجر مرضٍ للبصيرة، يُستحث بالصور والأصوات أو أية خبرات فوق الطبيعة.
٣- الاعتناق التجريبي، كسبيل رئيسي للتحول في القرن العشرين بسبب الحرية الدينية الكبيرة وتعدد المعتقدات المتاحة. فالشخص المستعد يقول سأجرب هذا المعتقد وأرى أية فائدة روحية يمنحني إياها.
٤- الاعتناق التأثري، فهو يركز على الروابط بين الأفراد باعتبارها عاملا مهما في عملية الاعتناق، ويلعب التأثر بالآخرين دورا مركزيا في الخبرات الشخصية المباشرة تجاه من يحبونه من الجماعة أو زعيمها.
٥- عوامل نفسية قسرية، حيث يفتش المحللون النفسيون عن الدوافع نحو الاعتناق في رؤية تتمثل بوجود أزمة نفسية تتضمن وهنا وانكسارا وخوفا ووحدة وبأساً. ويفسر الاعتناق بأنه آلة تكيف تحاول حل الصراع النفسي. فهم يعتبرون المعتنقين مرضى عاطفيين يبحثون عن حل عاطفي.
٦- عامل إحيائي، حيث يتعرض الفرد إلى إيقاظ نفسي وانجذاب صوفي ووجد عاطفي وإثارة روحية في بيئة جماعية ذات تأثير تحولي على الفرد.

العوامل الخارجية للاعتناق:
وهي دوافع اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية، حيث يحدث الاعتناق أو التحول في بيئة ديناميكية وليس في بيئة خاملة. فالبيئة هي التي تقوم بتشكيل طبيعة وتركيب مراحل الاعتناق. يقول جون غريش: كل اعتناق يحدث في بيئة، فالبيئة متعددة الوجوه والتي تتضمن ميادين سياسية واجتماعية واقتصادية ودينية مختلفة تؤثر في الشخص الذي يعيش فيها اثناء الاعتناق. فهو لا يحدث خارج البيئة الثقافية.
بالاضافة الى البيئة هناك العديد من النظريات التي فسرت العوامل الخارجية للاعتناق مثل نظرية "الهوية" والتي تعطي هيكلاً يمكن من خلاله فهم حاجات الناس للاقتناعات والقيم التي تقوي فهمهم لذواتهم ولبناء علاقات مع الناس الآخرين، وكذلك نظرية "المودة" والتي تطرح تصورا مبنيا على أن البشر يشكلون أواصر عاطفية تعكس صلة الفرد بمصدر رعايته الأصلي وكذلك نظرية "العولمة".
للحديث بقية،،،


 


[٥] "الهوية الإسلامية وجدل الحداثة"
قراءة في كتاب الدكتور عبدالله العروي (السنة والإصلاح).

كاظم الخليفة

 

تكملة العامل السياسي:
أشراف مكة الفائزون بالسلطة هم الذين فرضو فهمهم للنص بسلوكهم، وبآرائهم وضعوا أسس السنة. أي كيفية تطبيق النص الأولي على الواقع البشري المتحول. عارضهم الخوارج باجتهادات وأقوال مختلفة لكن بدون جدوى، مما أدى في النهاية إلى العزلة والانفصال. الشيعة أسسوا سنة موازية باعتماد الطريقة نفسها التي سار عليها أهل الجماعة. لا يعارض الشيعة فكرة السنة بقدر ما يتشبثون بسنة مخالفة. أما الخوارج فانهم لا يرضون بأي سنة، بأي تقليد مستقر ومتراكم.

وإذا كان حكم المذهب الخارجي منذ البدء أن يتراجع ويضمحل، فإن المذهب الشيعي عكس ذلك، لم يفتأ ينتشر ويتقوى، بل أوشك احياناً على الفوز بولاء الأغلبية. وحتى بعد أن أخفق مشروعه السياسي، فانه احتفظ بجاذبية لا تنكر جعلت منه دائماً قوى خفية مؤثرة في جل المناطق والمحافل، والسر هو أن المذهب الشيعي يسير دائماً إلى أقصى ما يحتمله كل اختيار قالت به الجماعة. هذا التطرف النظري، هذا الاتساق في المواقف كان باستمرار عامل قوة على المستوى الفكري (الأيدلوجي) وعامل ضعف وتخاذل على المستوى العملي. كان دأب معتنقي المذهب التردد بين العجز والتقية من جهة وبين الظهور والانتهازية من جهة ثانية.
كل ما نقوله عن التراث السني، سلباً أو إيجاباً، ينسحب على مقابله الشيعي، إذ الأصول واحدة، والمنهج واحد، والمصطلح واحد.
لذا، وعكس المذهب الخارجي، لا يمكن للمذهب الشيعي أن يرشح نفسه بديلاً عن المجتمعات السنية.
للحديث بقية،،،

 

[٦] "الهوية الإسلامية وجدل الحداثة"
قراءة في كتاب الدكتور عبدالله العروي (السنة والإصلاح).

٢- العامل الاجتماعي:
الإسلام المعروف في التاريخ هو اسلام الجماعة. والاسم يطابق المعنى. هو اسلام أنشأته جماعة معينة عبر عملية طويلة بدأت مبكراً في المدينة نفسها، وتأصلت السنة من خلال:
• واقع تاريخي: ما كان يعمل فيه في المدينة.
• واقع اجتماعي: نفوذ وتألق أسياد مكة.
• نص واضح ومؤكد: إذ الإسلام يعرف نفسه بالعودة إلى الدين الأصيل، الدين القيم.
في هذا التلازم بين التاريخ والمجتمع والنص تكمن قوة السنة الإسلامية، وربما كل سنة متواترة.

يطرح الخارجي مسألة الإيمان ولا يجد لها حلاً حاسماً مقنعاً.
يطرح الشيعي مسألة الحكم الشرعي ولا يجد لها حلا حاسماً مقنعا.
عجز يلاحق الفريقين ويقوي موقف الوسط المتسامح، ذاك الذي أملاه أسياد مكة. كانت هذه النخبة المحنكة تنصح باغفال المشكلتين، والنهوض بما هو أهم وأنفع: تشييد مملكة الإسلام. (ألا يذكرنا حكم العروي على الفرق الثلاث بميكافيلي؟)

٣- العامل الفكري:
كلما عرضت معضلة سياسية شائكة، فإنها تحول في الحين إلى مسألة فقهية، ثم في مرحلة لاحقة تفرغ في قالب كلامي وفي مرحلة ثالثة، بعد إخضاعها لتفريعات منطقية كثيرة، تحال على الفلاسفة.
بهذه الطريقة اللبقة يتم التخلص منها نهائياً بعد فترة تطول أو تقصر.
يتراجع الفقيه بعد أن يكون قد أدى مهمته ويحل محله المتكلم. فيغير منحى السؤال: لم يعد يتعلق بالإنسان، ما ذا يستطيع أن يفعل أو ماذا يجب عليه أن يفعل، بقدر ما يضاف الآن إلى الله. ما يجوز وما لا يجوز قوله في حق الله.
بعد فترة: تقدم وثراء على مستوى الفكر، وعلى مستوى الواقع ضحالة وتعثر.

لذلك كلما عرضت لنا مسألة فكرية مجردة (الكفر والإيمان، الخلق والأزل، الجبر والقدر، الرأي والأثر... الخ) قبل أن نفكر في الحلول المقترحة، علينا أن تتصيد أولاً المحرك الأصلي، الدافع الواقعي، المعضلة السياسية والاجتماعية القائمة في بداية النقاش والتي عمل الفقهاء على طمسها بافراغها في قالب نظري يكثر فيه القيل والقال حتى لا يصادقوا على الحل الذي يفرضه الواقع.
مع الأيام ينمو الكلام في الله ويتفرع بين الكلام في شئون البشر في السياسة والمجتمع يخبو ويذبل، مع أنه الأصل والأساس. وكمثال على ذلك: هل واجب المسلم أن يهاجر إذا تغلب العدو الكافر على وطنه؟
لا يزال الفقهاء يتنازعون في مثل هذه القضايا حتى بعد أن تكون الأحداث قد تجاوزتها.
للحديث بقية،،،
 



[٧] "الهوية الإسلامية وجدل الحداثة"
قراءة في كتاب الدكتور عبدالله العروي (السنة والإصلاح).

كاظم الخليفة



٤- الإصلاح:
أ- سمات السنة.. جردة حساب:
ما يمكن ملاحظته في أسلوب العروي السردي وعندما أقترب من موضع كتابه الرئيس (السنة)، تحول الخطاب من المباشرة في توجيه الحديث إلى السيدة الأوروبية المفترضة وحل مكانه تصعيد في الحوار الداخلي. نوع من الاستطراد والقفز على المحاور، ثم يعود بعدها إلى نقطة انطلاقته الأولى. هذا اللون من التكنيك السردي يكون محبذا عندما يتم توظيفه في القصة كحوار داخلي وجداني، وليس في سبيل نقد منظومة عقدية مهمة.
طريقته هذه، تجهد القارئ ويغرق في التجريد. لذلك وقبل الدخول في فصل الإصلاح أرى تلخيص أهم مآخذه على السنة بأسلوبه الذي لا يخلو من التجريد:

١- في السياسة، تساوي السنة بين مفهومي الإله الواحد والحاكم الفرد (غياب المشاركة السياسية في الحكم).
٢- لا يتصور السني مجتمعا بلا طبقات (لا يحتاج إلى استلهام التاريخ ليقرر أن الديمقراطية هي عين الفوضى، والمساواة فتنة مقنعة).
٣-السنة ملازمة لمفهوم الأمية، يقول الشاطبي: إن الشريعة لم توضع إلا على شرط الأمية.
٤- السنة دائماً حذرة، دائماً متابعة. تخشى باستمرار إما هجمة الخارج وإما مروق الداخل، فتتصرف كالسلحفاة، كلما استشعرت الخطر تقوقعت لتستمسك وتصمد. شغلها الشاغل الجرد والتنقية.
٥- لا تفتأ السنة تحيل على مبدأ المطابقة، وتطمس معالم الزمن عندما تقيس الحاضر على الماضي.
٦- تتصف السنة بخاصيتين: الجدل والنفي. وبذلك لا تستطيع الإنفصال عن ظروف نشأتها. ما يثبتها بالضبط هو ما ينقضها (كل ما يثبت بالجدل فإنه بالجدل ينقض). لذلك تشتبك خمس فرق فيما بينها وتتنازع على صحة التأويل وكلها يمثل السنة: السنة السنة (الأصلية)، الشيعة (السنة المضادة)، الخوارج، المرجئة، المعتزلة. تبقى فرقتان (المتصوفة والفلاسفة) يتوزعا على فرقتين، السنة والشيعة.
خمس فرق متكافئة تقر السنة نفسها بوجودها الأصيل. فأول خطوة في الإصلاح تكمن في تصور بدائل عقائدية لنظام السنة، أكان ذلك سني سني أو سني شيعي كما أفرزه التاريخ وكما شكل بدوره التاريخ.
علينا إذن إعادة تركيب العقائد البديلة، كل واحدة على حدة بالرجوع إلى المسائل، نقاط الخلاف، وإليها وحدها. المسائل مبعثرة في كتب علم الكلام. بتنظيمنا إياها مجددا نكشف عن الأصول، المبادئ الأول التي قد لا تكون هي التي تنسبها السنة إلى هذه الفرقة أو تلك.
للحديث بقية،،،


 

[٨، والأخيرة] "الهوية الإسلامية وجدل الحداثة"

قراءة في كتاب الدكتور عبدالله العروي (السنة والإصلاح).

 

ب- المجاهدة والذوق:
في الفصل الأخير من الكتاب يستعير الكاتب مفردات صوفية بحتة، وكأنه يشير إلى أن ما يندرج تحت هذا العنوان (المجاهدة والذوق) يعتبر بمثابة رؤية وجدانية لا تخضع إلى الحجاج العقلي.
يتذكر العروي في هذا الفصل أن خطابه بالأساس موجه إلى سيدة أوروبية، ويتذكر أيضاً أنها حذرته في أول مراسلتها (كلمني أي شيئ، حدثني بما تشاء، لكن لا تحاول أبداً إقناعي بأن العلم سراب، الديمقراطية مهزلة والمرأة أخت الشيطان. في هذه الموضوعات الثلاثة لا أقبل أي نقاش).

•من خلال نزعة صوفية إيمانية لوثرية يدعوها: قد تجدين صعوبة في تقبل التأويل التقليدي المتوارث لكلام الله، لكن الحرج يرتفع رويدا عندما يشملك الصمت قُبيل وبُعيد الترتيل، وينتفي كليا بذكر الرسول الذي هو أسمى مما يعد به العلم أو تفرضه السياسة.
• يرى العروي أن السنة استنفذت مقدرتها على التعاطي مع الواقع، تحافظ على التراث مع اختلال في النتائج (السنة تكون مستمر. في كل طور من أطوارها تتأثر بحادث وتعمل آليا على طمسه):
- كان وارداً أن تضمحل اللغة العربية وتخلفها لغة أخرى. لم تندثر العربية، غير انها انفصلت عن الخطاب اليومي.
- كان واردا أن ينقرض الشعب العربي مع اختلاطه بالعجم. حافظ العرب على هويتهم، غير أنهم فقدوا كل مبادرة.
- كان وارداً أن تذوب نخبة قريش في جموع الموالي. لم يحصل ذلك، ظلت تشكل طبقة متميزة، لكن كشاهد على الماضي.

• تؤكد السنة على أن واجبها إظهار العقيدة بإقامة الشعائر. لكن الشعائر ليست مؤبدة، فقد أتت كمبادرة بقصد. وبتحقيق الغرض يرتفع الأمر، وكذلك لأن الشعائر ليست على مستوى واحد، حيث:
- الختان والحج والهدي، يخلد الانتساب لإبراهيم الخليل، إثباتا لصحة دوام العهد.
- الجمعة والزكاة والصدقة والجهاد، يؤسس الجماعة ويحفظها.
- الصيام والصلاة، يكسر الشهوة المهددة لالتحام المجتمع.

• أخيراً، يختتم العروي مرافعته واتهامه للسنة بالتالي: واجب علينا إنقاذ العلم والسياسة، لا من الدين، بل من التأويل الذي فرضته السنة، والسنة في النهاية هي مؤسسة بشرية. إذن لماذا ترفض السنة العلمانية!؟
أنتهى، وتقبلوا فائق مودتي.
كاظم الخليفة