الاثنين، 27 يوليو 2015

مقالات في الخوارج >>

مقالات في الخوارج



بقلم الاستاذ : عبدالله الرستم 





يبدو أنه ﻻ خلاف في نشأة الخوارج، والذي كان إبّان حرب صفّين الواقعة بين علي (ع) ومعاوية، وفتنة التحكيم.
والمطّلع على هذه الفتنة بأحداثها ومراحلها التاريخية يكاد يصل أن ما جرى حركة سياسية وليست دينية، ودليل ذلك عدم ثباتهم على رأي، حيث انقلبت الموازين منذ البذرة اﻷولى، فكان هناك أتباع رأس الخوارج نافع بن اﻷزرق، وأسماء أخرى برزت منذ البداية ..

نعم لهم مواصفات عبادية كاسوداد الجباهِ من كثرة السجود، وكثرة صﻻتهم، وكثرة قراءتهم للقرآن الكريم، إلا أن ذلك لم يغيّر من وضعهم شيئاً في اﻻلتفاف نحو قائد ديني، ولذا اختلفت معايير التكفير في شخوص ما.

ولعلنا بحاجة إلى قراءة ثقافة كل رمز من رموز الخوارج؛ للتعرف على حقيقة كل شخص إذا ما أردنا استنطاق الحقيقة، فجﻻء اﻷمر يبزغ نوره من خﻻل استقراء التاريخ بكل حيادية، فما اشتهر عن رموز الخوارج شخص فقيه، وﻻ محدّث (في حدود علمي)، ولذا كلٌّ يفتي كيفما شاء.

حصل انشقاق عند الخوارج منذ البداية، ففرقة اسمها النجدات والأزارقة وغيرهما، وكلها انقرضت كما يشير بعض كتّاب المقاﻻت والفرق.


الحديث عن فرقة الإباضية ليس بعيداً عن الجو، فاﻹباضية تختلف في المنحى، فهي وإن وافقت بعض عقائدها عقائد الخوارج من تكفير من قبل بالتحكيم، إلا إنها ترى أنه كفر نعمة وليس كفر ملّة.

اجتمع عنصران رئيسيان في نشوء الإباضية وهما:
- التخطيط وصاحبه: عبدالله بن إباض التميمي.
- الاتجاه العبادي وصاحبه: جابر بن زيد العماني، والذي كان يحدّث عن الصحابة الكبار كعبدالله بن عباس، وله كتاب في الفقه يحتوي على مروياته، وقد رأيته بنفسي.

فجانب التخطيط السياسي بدعامة التوجه الديني يصنعان دولة وإن كانت صغيرة، وهذا ما جرى حيث أقيمت دويﻻت للإباضية (وليس للخوارج) في أفريقيا وعمان، ومع تطوّر الزمن تغيّرت كثيرٌ من الأحكام عند اﻹباضية في قضايا التكفير وغيرها، ومن أرادها فليرجع إلى مظانّها.

سبب انقراض الخوارج وفكرهم، هو أنهم تعرضوا إلى مواجهات عنيفة بحكم عنفهم واستباحة دماء المسلمين ممن ﻻ يقول بقولهم، فقد قاتلهم في البداية أمير المؤمنين (ع)، ومن ثم قاتلهم اﻷمويون، ثم العبّاسيون حتى انقرضوا.

على خﻻفه عند اﻹباضية التي وإن كانت توافق بعض أفكار الخوارج إلا إنهم استطاعوا صناعة مذهبٍ فقهي وعقدي يتماشى مع الزمن، فهم وإن كانت بعض المسائل ﻻ زالت لصيقة بهم، إلا إنهم بدأوا يتجاوزون ماﻻ يتناسب مع الحياة، مثل: كفر علي بن أبي طالب، والذي بدأ يتطور مع الزمن إلى محبّته ومحبة العترة الطاهرة.


كل فرقة تبدأ بإشهار السﻻح دون وعي، فمآلها إلى الزوال، والخوارج من تلك الفرق والتاريخ كفيل بالتحدث عن الفرق المسلّحة ذات التوجه السياسي الصِرف، ناهيك عن التيارات الدينية التي ربما ترى مصلحتها في الديمومة فتقدم تنازﻻت لكي تبقى، كاستخدام التقية، وإخفاء بعض ما ﻻ يتناسب مع الجو السياسي.

اﻹباضية كان أول أمرها في الخوارج، إلا أنهم خالفوا تيار الخوارج لما آلوا إليه من تكفير شريحة كبيرة من المسلمين، فالمسألة نابعة من فهم التكفير،  ولربما أحبوا اعتزال الحرب كما هو مفهوم تاريخهم، فاعتزلوا تيار الخوارج، وتكون لديهم تيار وصاحبه عبدالله بن إباض التميمي.

أما رأيهم في الإمام علي (ع)، فشتّان بين أقوال المتقدمين والمتأخرين، فالمتأخرون يتبرؤون مما نُسب إليهم في تكفير الصحابة والإمام علي (ع)، ويرون أن ذلك مفترى عليهم.


وفي هذا الصدد كل شيء يتغيّر في تاريخ المذاهب، فالإباضية كما يُنقل عنهم في كتب المقاﻻت والفرق لهم تاريخ يختلف عن التاريخ المعاصر، ولذا أقاموا دولة وكونوا مذهباً .. بيد أن الخوارج ليس لهم مذهب وتاريخهم مليء بالدماء.

وكما ذكرت فإنهم يتبرؤون ممن ينسب إليهم تكفير الصحابة، ويؤولون ما نُسب إليهم من تكفير أو يرون أن ذلك خﻻف الحقيقة.


الحديث عن فرقة ما يحتاج إلى شحذ الهمة واستيقاظ الذهن، فما ذُكر عن الخوارج والإباضية في بداية النشأة ينبغي التفريق بين أمرين وهما:
- نشأتهم كتاريخ وتيار سياسي.
- نشأة عقائدهم والمنظرين لتلك العقائد.

حيث إن من كتب تاريخهم هم المعارضون لهم، وربما صبّوا النار على الزيت - المعارضون - وهذا ما بغض الناس فيهم وتعمدوا الكذب عليهم.

فمن يقرأ كتب المقاﻻت والفرق ﻻ يناقش مسائل المخالفين مناقشة جادة، بل المناقشة تأتي من صميم العناد والخﻻف بين التيارات في تاريخ صدر الإسﻻم. لذا ينبغي التعاطي بهدوء مع تاريخ أي فرقة (فلعل) ليس التهم المنسوبة إليهم حقيقية، بل هناك من يكذب على الفرق المخالفة، وهذا ما حصل للشيعة، وهذا ما أقره غير واحد من كتّاب المقاﻻت والفرق.

انتهى.

قرأت قبل سنوات دراسة في شعر الخوارج للأستاذ/ علي فجّال، والدراسة ليست لدي في الرياض بل هي في الأحساء (قاتل الله الغربة التي تبعدني عن مصادر ثقافتي)، وهي دراسة على ما أتذكر توضح قدرة شعراء الخوارج وقوّة شعرهم وأدبهم، خصوصاً وأن ثقافتهم عربية وقرآنية، والحروب تصنع شعراء ﻷجل محاربة الخصم في هذا الجانب، فليس غريباً أن يكون لديهم شعراء وقرّاء، إلا أن تاريخهم المسلّح قضى عليهم.


لو كان تيار الخوارج طالبوا حقيقة لما آل أمرهم إلى الزوال، ولذا نرى أمير المؤمنين (ع)، أمر أن ﻻ يقاتل الناس الخوارج من بعده، وقال عنهم: كلما نجم منهم قرن قطع، حتى يكون آخرهم لصوصاً سﻻبين).

فلو كانوا طﻻب حقيقة لما آل أمرهم إلى السلب والقتل والنهب، بل إن بداية أمرهم كان القتل حيث قتلوا عبدالله بن خباب وزوجته الحبلى، ومن تكون بداية أمره دماً فﻻ شك أن عمله ليس لله سبحانه وتعالى، وأمره إلى الزوال.


شواهد من تعامل الإمام علي مع الخوارج:

إن سلوك الإمام عليه السلام مع الخوارج من خلال مواقف متعددة يبرز لنا مدى التزام الإمام بمبادئه التي اختطها لنفسه، واقتبسها من تعاليم الدين الحنيف، فقد قال أحد الخوارج ذات يوم بعد أن سمع كلاما له عليه السلام: قاتله الله كافراً ما أفقهه، فوثب القوم ليقتلوه، فقال عليه السلام: رويداً إنما هو سب بسب، أو عفو عن ذنب[1].

وكذا موقفه مع ابن ملجم حينما ضربه، فقد أوصى به بقوله: قد ضربني فأحسنوا إليه وألينوا له فراشه، فإن أعش فهضم أو قصاص، وإن أمت فعالجوه، فإني مخاصمه عند ربي عز وجل[2]، وقد جعل يتفقده ويقول: أرسلتم إلى أسيركم طعاماً؟[3].

وهذا يؤكد لنا أن أمير المؤمنين عليه السلام ليس له إلا تطبيق معالم الدين وآدابه، مقدّماً رضا الله عز وجل على رضا نفسه، وما أكثر النماذج في حياته التي نذرها لله عز وجل.

--------------
[1] نهج البلاغة، الشريف الرضي، تصنيف: صبحي الصالح كلامه u رقم (420).
[2] المستدرك على الصحيحين، النيسابوري، ج3 ص155 حديث 4691/289.
[3] الفتوح، ابن أعثم، ج4 ص279.




مشكلة الخوارج أنهم قشريّون، أي إنهم يأخذون بظاهر اللفظ القرآني وليس لديهم أي معرفة بالقرآن الكريم، ولذا نشأت عندهم مسألة التكفير ﻷخذهم بظواهر الآيات التي وردت فيها كلمة (كفر).

والمتتبع لسيرة أمير المؤمنين (ع) معهم، أنه قال ﻻبن عباس حينما أرسله لحوارهم: يا بن عباس ﻻ تجادلهم بالقرآن فإنه حمّال أوجه، ولكن جادلهم بالسنة فإنه ﻻ محيص لهم عنها (بما معناه).

فكان في بدء الحرب أن جادلهم أمير المؤمنين (ع) فتحوّل إلى جيشه مجموعة كبيرة منهم، وكذا حينما جادلهم ابن عباس تحولت مجموعة كبيرة لجيش الإمام .. ولو استمر الجدال لتحوّل عدد كثير، إلا إنهم ﻻ يزالون على أن علياً مذنب وكافر يجب مقاتلته ﻷنه لم يتب من ذنبه (وقصدهم بذلك التحكيم).

لذا مسألة التكفير أخذت صداها في نشأة أفكارهم، حتى وصلوا من هشاشة فكرهم أن أطفال من يقاتلونهم يستحقون النار بجريرة فعل آبائهم.


 جولة مع الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (تاريخ المذاهب الإسﻻمية) (فصل الخوارج).

الشيخ أبو زهرة هذا العالم الموسوعي، ينقصه التوثيق، فهو كما يبدو لي في بعض كتبه أنه ﻻ يوثق إلا قليﻻً، وإن وثّق فهو ﻻ يذكر تفاصيل المصدر الذي ينقل منه، وهذا خلل منهجي.

فهو حينما ذكر نشأة الخوارج وتفرقهم وانشقاقهم أتى بآراء ﻻ أعلم إن كانت صحيحة، فبعضها قد يكون سليماً من حيث المبنى كأن يكون الخوارج من بني حنيفة من اليمامة وهذه مسألة مهمة والتفاتة رائعة، وهذا ينبغي على دارسي عقائد أصحاب الفرق النظر في اﻷصول القبلية لزعماء الفرق، وفعﻻً إن جزءاً كبيراً من الخوارج هم من اليمامة، وطبيعة اليمامة الصحراوية والجافة تخلق فكراً متشدداً كالخوارج وما شابههم.

مسألة أخرى أشار إليها وهي أن بعض فرق الخوارج دعوا إلى إلغاء الشريعة المحمدية وإرساء قواعد شريعة جديدة، وأصحاب هذه الدعوى بعض الموالي من الفُرس، بحجة أنه لم يُبعث من قومهم نبي .. وغيرها من اﻵراء.

هذه اﻵراء وغيرها مهما كانت تصدر من تحليل وذائقة تاريخية إلا إنها بحاجة إلى تحليل أعمق؛ ليتم قبولها .. بعيدة عن النزعة القومية وما شابه ذلك ..



 شبهةٌ ورد

ذكرتُ سلفاً أن محمد أبو زهرة في كثيرٍ من منقوﻻته ﻻ يذكر المصادر، وهذا مؤسف بحق شخصية كبيرة كأبي زهرة.
فقد ذكر عن الميمونية من الخوارج أنهم أنكروا سورة يوسف ولم يعدّوها من القرآن؛ ﻷنها قصة غرام في زعمهم، فﻻ يصح أن تُضاف إلى الله.

في حين أن أبا الحسن اﻷشعري (ت 330) في (مقاﻻت الإسﻻميين) يشكك في ذلك حيث قال: وحُكي لنا عنهم ما لم نتحققه أنهم يزعمون أن سورة يوسف ليست من القرآن.

في حين أن الدكتور/ عامر النجّار يذكر القولين مع إحالته للمصادر، ولضيق الوقت لم يسعفني الوقت للمراجعة، فقد قال:
وحكى الشهرستاني (ت 479) والبغدادي (ت 429) عن جماعة الميمونية إنكارهم كون سورة يوسف من القرآن، لكن اﻷشعري يشكك في صحة نسبة هذا القول إلى الميمونية.

المطلوب:
مع مﻻحظة الفارق الزمني بين أبي الحسن الأشعري ومن تﻻه كالشهرستاني والبغدادي، فإن التشكيك واضح، حيث إلغاء شيء من القرآن بحاجة إلى تثبت وهذا ما قام به أبو الحسن، في حين أن البغدادي المتحامل على كل من يخالفه يرى أنهم ينكرون أن سورة يوسف من القرآن.

لذا أقول: التثبت مطلوب، فليس كل ما ذُكر صحيح في حق جماعة نختلف معها.



لو كانت النسبة صحيحة لاتفق في نقلها معظم من كتب في المقاﻻت والفرق، كابن حزم، والمقريزي واﻻسفراييني وغيرهم كثير ممن طرق باب هذا الجدل القائم بين الفِرَق.
ومعلوم أنه ﻻ ضابطة تُذكر عند أصحاب هذه المصنّفات، وإن ذُكرت الضابطة فإن اﻻلتزام واختراق هذه الضوابط أمرٌ وارد عند بعضهم، فالعصبية المذهبية تقتحم هذه اﻷجواء بكلّ قوة.


توجيه قد يكون وجيه

بالنسبة لمن ينقل بعض اﻵراء المكتوبة عن الخوارج، وخصوصاً في كتب المقاﻻت والفرق، عليه مراعاة التسلسل الزمني للمصنّفين، وكذا انتماءاتهم المذهبية، والأجواء التي عاشوها، وغيرها من الأمور ذات اﻻعتبار العلمي، حيث معظم هؤﻻء ينقلون بما تمليه عليهم العصبية المذهبية ونحوها من اﻷمور التي تفرّق وﻻ تقرّب.
لذا فهناك من يفرّع فرق الخوارج إلى فرق كثيرة من أجل التشنيع عليهم، ولعل المطّلع على لغة بعض المصنّفين يرى كيفية التعاطي مع آراء المخالفين له، وينزّه ساحته وﻻ يتطرّق لها وكأنها قرآن منزل.



وقفة مع د. لطيفة البكاي في كتابها (الخوارج)

1- أطلقت الدكتورة البكاي في بعض فصول كتابها بعض التهم غير العلمية، مثل قولها:
وتبالغ المصادر كثيراً عند حديثها عن النتائج العسكرية للمعركة، حيث تذكر أنها أسفرت عن مقتل عشرة فقط من جانب علي ونجاة عشرة من الجانب المقابل. ويضيف بعض الرواة أن علياً نفسه تكهّن بهذه النتيجة قبل اندﻻع القتال. وتبدو هذه الروايات غير مقبولة ﻻﻷنهاتدخل في باب التنبؤات والخوارق، وهي صفات ألصقتها الشيعة بعلي في فترة متأخرة).

2- قولها: ويذكر الرواة عند سردهم ﻷحداث النهروان أن علياً أمر أصحابه بعد نهاية المعركة بالبحث بين القتلى عن رجلٍ ناقص اليد في عضده شامة تمتد كهيئة الثدي وهو الشخص الذي أخبره الرسول أن أن يكون العﻻمة المميزة لقوم سيخرجون يتكلمون كﻻم الحق ﻻ يتجاوز حلوقهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية وقد عثر أصحاب علي على جثة هذا الرجل بين القتلى، ففرح عليّ من صحة موقفه في هذه الحرب).


الرد على تلك الشبهات:

1- إن هذه الروايات ليست ببعيدة عن الواقع، حيثها وردت في المصادر التاريخية والحديثية وخصوصاً القديمة منها، بما فيها المصادر الشيعية والسنية، ومنهم: تاريخ اليعقوبي وتاريخ ابن أعثم واختصاص الشيخ المفيد والسنن الكبرى للبيهقي ...الخ.

2- الباحثة نقلت الروايتين من مروج الذهب للمسعودي وتاريخ الطبري وهما من المتقدمين، فكيف جاز لها اتهام الشيعة؟!!!!!



مسألة أخرى

هناك بعض المؤرخين المعاصرين لهم موقف من التنبؤات المرتبطة بالنبي (ص) أو أمير المؤمنين (ع).

هم في حقيقة اﻷمر ﻻ يبرزون استغرابهم؛ لكنهم يحاولون التعليق على النص وتهميشه وكأنه من الخوارق والتنبؤات التي أتت بها الشيعة أو المسلمون لتثبت بعض المسائل وأنها ملفّقة .. وهذه مسألة غير علمية، فبعض التنبؤات لها مصادر شتّى وليست من المسائل الغريبة في تاريخ الإسﻻم، خصوصاً من شخصيات لها صيتها الذائع.

لذا من يقرأ بعض كتب الدراسات التاريخية المعاصرة سيرى شيئاً مما قلتُ، وﻻ أعلم لماذا ﻻ يقبلون بعض التنبؤات!!
خصوصاً وأن التنبؤات المعاصرة من قبل بعض السياسيين المعاصرين تجاه حدث ما، أمر مقبول، فلماذا ﻻ يتم معالجة بعض أحداث التاريخ بأن هذا القائد يمتلك الحنكة والفراسة في استقراء الأحداث ويدلي بدلوه إزاء أي حدث جرى؟!.

ما ذكرته نموذج حول اﻹشكاﻻت التي طالت الخوارج، فالبعض ﻻ يحاول التفريق بين تاريخ الخوارج وما آلت إليه بعض فرقهم في الوقت الحاضر.
وهذا ما وقعت فيه الدكتورة البكّاي ..


 شخصيات الخوارج

هناك بوادر لوجود الخوارج في زمن النبي (ص)، ومنها قول أحد الصحابة وهو: زهير بن حرقوص السعدي لرسول الله ذات مرة (اعدل يا محمد) فقال في حقه رسول الله: سيخرج من ضئضئ هذا الرجل قوم يمرقون من الدين ...الخ (بما معناه).

ما أريده من الشاهد السابق
أن دراسة شخصيات الخوارج دراسة مستفيضة أمر مطلوب؛ وذلك للتعرف على تاريخ رجال الخوارج وأن بعضهم ليس له من المعرفة شيء في الدين، أو كان أعرابياً أو غير ذلك من الصفات التي تساهم في أن يكون هذا الشخص ضمن تيار الخوارج.

موضوع الخوارج موضوع واسع جداً، وإذا كانت رؤيتي أن جُل الفرق والمذاهب لها صراع على قضية التكفير، فقد ذكر البعض أن من المسائل ذات الجدل الواسع عند الخوارج وغيرهم هي مسألة (الحكم).
هل يحكم المولى؟
وهل يحكم القرشي؟
وهل يحكم غير القرشي؟
...الخ.


 ضوء على دراسة معاصرة

بين يدي دراسة بعنوان (دراسة في الفرق والطوائف الإسﻻمية لمؤلفها/ أحمد عبدالله اليظي.

يقول مصنّف هذا الكتاب أنه طرح شيئاً جديداً في كتابه، حيث ابتعد عن ذكر ما ذكرته الكتب المتقدمة وابتعد عن السرد التاريخي وأنه طرحه بطريقة مبتكرة، حيث قضى فيه 18 عاماً في تصنيفه.

تصفحت ما ارتبط بتاريخ الخوارج فرأيته لم يضف شيئاً جديداً، فقد دوّن ما ارتبط بتاريخ الخوارج في 15 صفحة، سرداً تاريخياً خالياً من التوثيق، ثم إنه ذكر فرق الخوارج والتي عدها إلى 35 فرقة.

وعجبي من هكذا كتب حينما يأتي إنسان يعيد ما ذكره المؤرخون دون مناقشة، خصوصاً وأن أصحاب فرق الخوارج، يذكر أسماءهم وﻻ يذكر شيئاً من سيرتهم، وﻻ حتى يتطرق إلى شيء من عقائدهم، فقط يسرد اﻻنشقاقات  التي تجري بعد وفاة أحد زعمائهم، دون ذكر أي معلومات مهمة تضاف في هذا الصدد.

لذا ينبغي التنبه من (بعض) كتب المعاصرين في ذكر ما يتعلق بالفرق، فهي إحدى الحاﻻت التالية:
- سرد تاريخي.
- غياب التوثيق.
- إعادة صياغة.
- ﻻ جديد يُرتجى منها.



الخوارج في البحرين

لعل من المسائل التي لم نسمع عنها أن الخوارج وصلوا إقليم البحرين (اﻷحساء والقطيف والبحرين)، فقد ذكر خليفة بن خيّاط في تاريخه ص278 سنة 79، أن الريّان النكري خرج في قرية طاب بالخط، وقدم عليه ميمون الحروري من عمان.
وكذا التقى الريان النكري في البحرين مع يزيد بن أبي كبشة.

وحصلت أحداث، وﻻ بد لهذه اﻷحداث أسباب وتفاصيل كثيرة. وسأوردها ما وسعني ذلك، مستعيناً ببعض المصادر.


لماذا توجه الخوارج إلى البحرين؟

اتخذ الخوارج البحرين ضمن المناطق التي يريدون بث دعوتهم فيها، وذلك ﻷسباب كثيرة، منها:

- أن البحرين تشكل قوة اقتصادية وكثافة سكانية.

- ابتعاد البحرين عن المركز الرئيسي للحكم (الدولة الأموية).

- رواج دعوة الخوارج عند (بعض) سكّان البحرين ﻻ يعني القبول بأقوالهم ومعتقداتهم.

- كانت البحرين بعد صدر الإسﻻم مصدر تمرّد، حيث يتم إرسال المعارضين إليها، ومنها خرجت ثورات كثيرة، والتي منها الخوارج، وثورة الزنج، والقرامطة، وغيرها.

- تفاعل إقليم البحرين مع الخوارج ليس لمعتقداتهم، بل للظلم الذي يحيق بهم من قبل الدول الرئيسية.

- وأسباب كثيرة يمكن على مُستنطق التاريخ أن يخرج بأسباب عديدة.



عقائد الخوارج

عوداً على عقائد الخوارج، فإن أقوالهم لم تلق رواجاً عند سكّان إقليم البحرين، حيث قبيلة عبدالقيس ذات السيادة كان أغلبها موالون لبني هاشم، والمسألة كذلك مصالح قبلية وسيادية.

فقد أخذ الجدال مأخذه عند جماعات من الخوارج، وبلغ الجدل أوجه، وعلى سبيل المثال في المسائل ذات الجدل الذي حصل بينهم:
- قتل الأطفال من غير الخوارج.
- استخدام التقية.
- الجبر واﻻختيار.
- ... وغيرها من عقائد الخوارج التي كثر الجدل حولها.

وهذا الجدل سبب رئيس في حصول بعض اﻻنشقاقات عن الفرقة اﻷم، حيث خالفت جماعة فرعية في رأي مع جماعة فرعية، وهكذا تفرّعت إلى جماعات حتى بلغت ال35 جماعة حسب تصنيف بعض كتب المقاﻻت والفرق.



 أين الحقيقة؟

لعل من يريد البحث في تاريخ الخوارج، عليه أن يقرأ مصادر الخوارج أنفسهم، وليس أمامنا سوى كتب الإباضية، حيث لديهم مصنّفاتهم التي تحكي واقعهم، وﻻ بأس أن نضم ما كُتب عنهم في كتب التاريخ وكتب المقاﻻت والفرق وعمل مقارنة، فالمقارنة ضرورية في هكذا بحوث.

صحيح أن تاريخ الخوارج قائم على سفك الدماء، إلا أن هناك من ألصق بهم ما ليس فيهم، أو مبالغة في بعض اﻷحداث، كاﻻنشقاقات التي بالغ فيها أصحاب المقاﻻت والفرق، وهي في واقع اﻷمر مجرد انشقاق جماعة عن جماعة، حيث تخالفهم في بعض اﻵراء وتوافقهم في كثير من الآراء العامة للخوارج.
وهذا الخﻻف قد يصل حد استخدام السﻻح، وقد ﻻ يصل، خصوصاً وأن اﻻنشقاق قد يكون سببه مسألة واحدة وليس في المسائل كلّها.
ولهذا أسبابه الموضوعية.



 كتب المقاﻻت والفرق والخوارج

من اﻷمور التي نفتقدها في كتب المقاﻻت والفرق، أنها ﻻ تذكر تواريخاً محددة بالسنوات، وﻻ أسماء مناطق، وﻻ وﻻ.
وهذه المسائل (ذكر التاريخ والمناطق) تساهم في قراءة الحدث بشكل أدق، وكذا ينقص كتب المقاﻻت والفرق اﻷسماء الكاملة لبعض المنشقّين من الفرقة اﻷم، كأن تّذكر كنية الشخص وﻻ يُذكر أسمه.

وكما ذكرتُ سلفاً معلومة من تاريخ (خليفة بن خياط) وهو من المؤرخين المتقدمين حيث توفي عام (240 هجري)، أي قبل الطبري المتوفى (310 هجري).
فغياب المعلومات الدقيقة حول أسماء اﻷشخاص والمناطق يعد خسارة في فقدان بعض المعلومات المهمة التي تساعد على قراءة الحدث بشكل أدق.



المستشرقون والخوارج

للمستشرقين آراء عدة حول الخوارج، وﻻ يسعنا حصر تلك الدراسات وتقييمها، إلا أن اﻻطﻻع على بعض اﻵراء تنبيك أن هناك من يقرأ الخوارج قراءة أخرى غير القراءة التقليدية، أو على اﻷقل هناك من تأثر بأقوالهم - المستشرقين - من الكتاب الباحثين العرب.

وليس في ذلك غضاضة من اﻻستفادة بتلك الأطروحات المتنوّعة، خصوصاً إذا لم تكن تلك القراءات غرضها تشويه صورة الإسﻻم كأن يُقال مثﻻً: بأن الخوارج يمثلون الإسﻻم كلّه، نكاية بالمسلمين.

فمن تلك القراءات أن المستشرق (ليفي دﻻفيدا) له رأي في قضية التحكيم، حيث يقول: ويكاد يكون من المحقق أن الرواية التي تذهب إلى أن الخوارج تآمروا على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص والي مصر رواية منحولة).
ﻷنه يرى أنه لم يتحقق شيء من تلك اﻻتفاقية، فهو يرى أن قضية التحكيم شيء، وحركة الخوارج شيء آخر، وقد وافقه في هذا الطرح الدكتورة/ لطيفة البكّاي على ما أتذكر، ولعل قارئاً فطنا من العرب يرى هذا الرأي إذا ما قرأ الحدث بعيداً عن نصوص التاريخ.

والقراءات المختلفة غالباً ما تأتي عبر دراسة كل مرحلة على حدة، وقراءة كل شيء له صلة بهذه الحركة الدموية.


قلتُ سلفاً وأقول: إن الخوارج حركة دموية، ولكن في قناعتي أن كل فساد يتبعه جانب إيجابي، فمن الجوانب الإيجابية التي يذكرها (ليفي دﻻفيدا) والدكتورة/ لطيفة البكّاي، أن الخوارج فيما بعد فتحوا باب العقليات، باعتبار أن ارتكاز حركتهم على قضية الإيمان والكفر والعقاب ...الخ، وكل هذه المسائل لها صلةٌ بالجانب العقلي، ومعلوم أن الجانب العقلي المعتمد على الجدل يأخذ بالإنسان إلى زوايا كثيرة في تصحيح مسار الفكرة.

فرغم الجدل الدائر بين الخوارج أنفسهم ومعارضيهم في قضية الجدل، فقد خسروا بعض أتباعهم بحيث ساهم ذلك في حصول اﻻنشقاقات فيما بينهم، في حين أنهم بدأوا في إعادة ترتيب الأوراق، مما جعل لديهم شريحة من المنتمين إليهم في صناعة مرجعية فقهية لهم.

إضافة إلى ذلك وكما ذكرنا سلفاً، أن قوّة بيانهم وبﻻغة شعرهم ساهمت في انتشار مجالس الجدل واستقطاب بعض الرموز من المسلمين، ولهذا دوّن الجاحظ وغيره من مؤرخي الأدب الشيء الكثير عن أخبارهم وأشعارهم وخطبهم التي قد تستحق الدراسة من ناحية لغوية.


ﻻ أستطيع الإسهاب في هذه النقطة، بيد أن شريحة من المستشرقين درسوا هذه المرحلة بجميع أبعادها، ولعل موسوعة (دائرة المعارف الإسﻻمية) تُعد من الموسوعات المهمة في هذا الميدان، حيث ساهم كبار المستشرقين في إنشاء هذه الموسوعة والتي تدرس كل حدث على حدة وإن اختلفت آراؤهم، مثﻻً:
حينما تريد أن تقرأ عن الخوارج فما عليك إلا أن تبحث عن المادة المشتقة منها (خوارج)، وفي هذه المادة تجد إحاﻻت إلى أبحاث في ذات الموسوعة لها صلة بالمادة نفسها وفق ترتيب هجائي، مثل: (حروراء) لتجد شيئاً يثريك وإن اختلفت مع الكاتب، أو (الصفرية) كفرقة من الخوارج وتجد فيها ما يساهم في قراءة الخوارج من زوايا أخرى.



ابن عبّاس والخوارج

يعد ابن عبّاس من الشخصيات البارزة في التاريخ الإسﻻمي، ووقوفه بجانب أمير المؤمنين (ع) ﻻ يُنكر، حيث كان مﻻزماً له، ولذا اختاره أمير المؤمنين (ع) نيابة عنه في التحكيم، بيد أن الخوارج أبوا عليه ذلك، واختاروا أبا موسى الأشعري.

ثم بعد ذلك أرسله إلى الخوارج بعد أن اعتزلوا الكوفة وأقاموا بحروراء (قرية على ميلين من الكوفة)، وبحسب المحاججة التي تذكرها كتب التاريخ ومنهم (ابن أعثم الكوفي، ت 314) فإن ابن عبّاس كان حكيماً في ومتحدثاً بارزاً مع الخوارج، فقد استطاع ابن عبّاس من خﻻل حواره أن يحج القوم بقوّة منطقه وبيانه، إلا إنهم عارضوه رغم انكسار الشخص الذي اختاروه نيابة عنهم أمامه، فطلبوا أن يأتيهم أمير المؤمنين (ع) لمحادثتهم إياه.

وكان لهم ما طلبوا، حيث جاءهم أمير المؤمنين (ع) وحاججهم، وقد نتج عن هذه المحاجّة تراجع جزءٍ منهم عما أقدموا عليه من حربه عليه السﻻم.

لذا فابن عبّاس يعد في طليعة الأشخاص المفوّهين، ولوﻻ ثقة أمير المؤمنين (ع) فيه لما أشخصه إليهم لمحاورتهم، وهذا يعطينا درساً أن في مثل هذه اﻷمور (الفتنة) أن يكون الشخص المحاور من أوسع الناس علماً وحلماً وحكمة.


مع الدكتور الشكعة في (إسﻻم بﻻ مذاهب)

في فصل (الخوارج) من هذا الكتاب، نرى أن الشكعة يكتب تقريراً مفصﻻً عن الخوارج وفرقها، موثقاً معلوماته بشكل أفضل من غيره الذين كتبوا في هذا الميدان، ويذكر معلومات عن بعض زعماء الفرق الرئيسة والفرعية، وهذه المعلومات تساهم في التعرّف أكثر على مدى علميّة اﻻدعاء في بعض اﻵراء التي يؤمن بها أصحاب الفرق.

وكذا يتطرق إلى التطور الذي يحصل لبعض الفِرق كنوع من التعرّف أكثر على مسيرة الحياة العلمية لبعض فرق الخوارج، ورغم اختزاله لبعض المعلومات إلا أن اختزاله - حسب رأيي - لم يخل بالموضوع الأساس، وهذه قدرة يمتلكها بعض الباحثين في اختزال الفكرة دون المساس بأصل الفكرة التي يريد إيصالها للقارئ.


 وقفة مع الشهرستاني (ت 548هـ) في الملل والنحل

يعد كتاب الشهرستاني من الكتب المهمة في هذا الميدان، فرغم أنه وضع خطة لكتابه وضوابط لما يخطه قلمه، إلا أنه لم يلتزم بذلك، وإليك بعض ما قاله في خطبة كتابه:

- ومن المعلوم الذي لا مِراء فيه أن ليس كل من تميز عن غيره بمقالة ما في مسألة ما، عُدّ صاحب مقالة، وإلا فتكاد تخرج المقالات عن الحصر والعد، ويكون من انفرد بمسألة في أحكام الجواهر مثلاً معدوداً في عداد أصحاب المقالات.

- وما وجدتُ لأحد من أرباب المقالات عناية بتقرير هذا الضابط، إلا أنهم استرسلوا في إيراد مذاهب الأمّة كيف اتفق، وعلى الوجه الذي وجد، لا على قانون مستقر، وأصل مستمر.

- وشرطي على نفسي أن أورد مذهب كل فرقة على ما جدته في كتبهم، من غير تعصب لهم، ولا كسرٍ عليهم، دون أن أبين صحيحه من فاسده، وأعيّن حقه من باطله ...الخ.


كارثة الفِرَق

من فِرَق الخوارج فرقة (الصفرية) وهي التي تُنسب إلى أكثر من شخص قد بلغوا خمسة أشخاص تقريباً، ومنهم (عبدالله بن الصفار التميمي) الذي افترق عن نافع بن اﻷزرق في مسألة قتل أطفال ونساء المخالفين لنافع.
فقد خالف الصفار نافعاً ليُطلق عليه فيما بعد أنه مؤسس فرقة (الصفرية).

ويرى بعض الباحثين - وأنا أتفق معهم - أن الغموض يلفّ مؤسسي بعض الفرق الفرعية، وكأنه إحدى أمرين:
- إما تشنيعاً عليهم ﻹضعافهم.
- وإما مبالغة  في خطرهم.
وقد ذكرتُ سلفاً أن غياب المعلومات عن بعض الشخصيات لَهُوَ من الأمور التي نحتاج إلى أن نتعرف على خبايا الفرق الرئيسية والفرعية؛ لنستطيع الحصول على معلومات تخدم البحث من جميع النواحي.



ذكرتُ في البداية أن الشهرستاني لم يلتزم بضوابطه، ومن ذلك أنه يستخدم صيغة المبني للمجهول في حديثه، مثل:
ويُقال: إن أول سيف سُل من سيوف الخوارج سيف عروة بن حدير.!!!
وقال عن الحازمية: ويحكى عنهم أنهم ...الخ.

فكلمة (يُقال) و (يُحكى) خارجة عن الضابطة العلمية التي وضعها في خطبة كتابه، ولا تفيد العلم، ثم إني ذكرتُ في مشاركات سابقة، ما قيمة الأشخاص العلمية والمذكورين في هذا القسم (الخوارج)؟! فهو لم يذكر أحداً بقيمته العلمية سوى عمران بن حطّان، حيث قال عنه: مفتي الخوارج وزاهدها وشاعرها الأكبر.
أما البقية فلم يذكر لنا عنهم شيئاً سوى الاسم الثلاثي أو الرباعي فقط!!!

من ضوابطه المذكورة في خطبة الكتاب أنه قال:
- وشرطي على نفسي أن أورد مذهب كل فرقة على ما جدته في كتبهم، من غير تعصب لهم، ولا كسرٍ عليهم، دون أن أبين صحيحه من فاسده، وأعيّن حقه من باطله ...الخ.

وهذا مع شديد الأسف لم يلتزم به، حيث يسردُ أقوالاً تلو الأقوال دون توثيق معلومة إلى كتب الخوارج أو من عاصرهم.
نعم، ذكر عبارة واحدة أوعزها إلى مصدر وهي قوله: ذكر الحسين الكرابيسي في كتابه الذي حكى فيه مقالات الخوارج.
سؤال: من يكون هذا الحسين الكرابيسي؟ ومتى عاش؟ ومن يكون هذا؟
فقد بحثت في كتب التراجم فاشتبهت علي الأسماء، وما اشتبه عليّ اسمه لم أجد له كتاباً في هذا الصدد؟
ولا أظنّه من الخوارج، فلو كان من الخوارج لذكر اسمه ضمن أيّ فرقةٍ من هذه الفرق، إلا أن الكرابيسي لم يرد اسمه إلا مرة واحدة فقط وهي العبارة التي ذكرتها سلفاً.


عدد المنتمين إلى فرق الخوارج:
قال الشهرستاني: وما وجدتُ لأحد من أرباب المقالات عناية بتقرير هذا الضابط، إلا أنهم استرسلوا في إيراد مذاهب الأمّة كيف اتفق، وعلى الوجه الذي وجد، لا على قانون مستقر، وأصل مستمر.

وهذه من المسائل التي وقع فيها، فقد نقل كما نقل غيره، ولم يأتِ بجديد، حيث يسرد الأسماء دون توضيح معلومات ذات أهمية بالفرقة الأم أو الأساس.

نعم، ذكر بعض المعلومات في بعض أسماء الفرق، مما يشير أن هناك فرقة لها كيانها وقوّتها، كقوله عن الأزارقة أتباع نافع بن الأزرق أنه كان معه زهاء ثلاثون ألف فارس.

وقال عن نجدة بن عامر الحنفي، أنه سيّر مع ابنه جيشاً إلى أهل القطيف فقتلوا رجالهم وسبوا نساءهم.

هذه المعلومات تشير إلى كيان بشري له وجوده على الساحة، أما تعداد الانشقاقات فليس لها قيمة وإن ذكر أسماءها وأقوالها، فما يدرينا أن ذلك رأي تفرّد به صاحبه والتحق به جماعة قليلة!! وهذا هو الحاصل، أن ما يجري هو انشقاق ضمن انشقاق ضمن انشقاق، ولذا لا تقوم لهذه الجماعة قائمة وهم في هذا العدد اليسير.


الخارجي: شبيب الشيباني

من المشتهر عن الخوارج أنهم أصحاب إقدام في في الحرب، باعتبار أن الحروب المسلحة التي خاضوها من أجل الدين، وفي قناعتي منذ زمن أن الحروب الدينية تُعد من أعتى الحروب وأشدّها ضراوة.

يخصص الباحث: هادي العلوي في كتابه (شخصيات غير قلقة في الإسﻻم) صفحاتٍ عن شبيب الشيباني، ويراه من العظماء الذين حُبسوا في زوايا معتمة من التاريخ، فلوﻻ سقوطه من على صهوة فرسه في النهر وثقل الدرع عليه لما استطاع الأمويون القضاء عليه.

فمن شجاعته أنه أراد أن يفي نذراً ﻷمه أن تصلّي في مسجد الكوفة وتقرأ سورة البقرة بكاملها، والكوفة وﻻية أموية، فما كان منه إلا أن اقتحم الكوفة بوجود الحجّاج بن يوسف الثقفي فيها، ولم يستطع الحجّاج مواجهة شبيب رغم قلّة عدد من كان معه، فصلّت أم شبيب في مسجد الكوفة وشبيب وجماعته يحرسونها.

ثم يقارن بين شبيب الشيباني والحسين بن علي (ع)، حيث يرى أنهما رغم بطولتهما من حيث: اصطحاب النساء في حركتهما مع اختﻻف المؤدّى، إلا أن العلوي يرى شبيباً أفضل من الحسين في تخطيطاته العسكرية، سوى أن شبيباً سقط في النهر وغرق، والحسين برز اسمه حيث مقتله وسبي نسائه في الكوفة والشام نخرا في جسد الأمويين مما ساهم في انتقال السلطة من السفيانيين إلى المروانيين، وهذا ما ساعد في انتشال الأمويين للثارات التي أتت بعد مقتل الحسين (ع).

ثم يركّز العَلَوي على أن الخوارج يصطحبون نساءهم لأجل القتال، في حين أن الحسين اصطحب اخته زينب، والتي يرى أن مواقفها السياسية بعد واقعة كربﻻء ضمن الخطّة التي رسمها الحسين (ع).