الثلاثاء، 12 مايو 2015

نظرية التطور



* الموضوع: نظرية التطور - 5/2015
* المشاركون 

1) علي الحمد - نظرية داروين
2) مهدي الرمضان -  نظرية دارون: ما لها وما عليها (1-4) .. في خلق الانسان وتطوره (1-3)
3) ثامر العيثان - التحول ، الحركة الجوهرية والخلق.
4) أمين الغافلي - قراءة داروين في الفكر العربي
5) كاظم الخليفة - جدلية الحلقة المفقودة بين الإنسانية والحيوانية (1/3)
6) حيدر موسى - ما بين سفينة نوح وسفينة بيغل (1/3) - التغيرات البيئية والتطور
7) طارق العزيز - أصل الأنواع بين العلم والأدلجة


------------------------------------------

نظرية داروين
علي الحمد

فهم التصنيف هو بداية جميلة للحوار حول هذا الموضوع، وربما يكون في المجموعة من يستطيع إثراءنا أكثر.

 فالتصنيف القديم أو الفلسفي للمخلوقات يتحدث عن جوهر معين لكل مخلوق، فجوهر الإنسان يختلف عن جوهر الحصان والذي بدوره يختلف عن جوهر النخلة وهكذا. وكانت فكرة الجوهر هذه متلائمة مع العدد المحدود من الحيوانات والنباتات المعروفة في بيئات العالم القديم والتي تتباين في شكلها وخصائصها بشكل كبير والتي طوّعها الإنسان في ذلك الزمن وتعلّم الاستفادة منها حتى تصوّر أنها خلقت بشكلها هذا وخصائصها هذه لأجله فقط أو ضمن سياق أسطوري يتعلق به. 

ولكن فكرة الجوهر لم تصمد طويلاً أمام رحلات الاستكشاف العلمية للغابات الاستوائية والجزر المعزولة ذات التنوع الأحيائي الهائل والتي تعيش فيها نباتات وحيوانات تقف على حافة التصنيفات المعروفة آنذاك ولا تنتمي لأي منها وليس لها في قاموسنا نحن البشر أي فائدة معروفة.

بالإضافة لذلك فإن زيادة عمق المعرفة الأحيائية التي يقوم عليها التصنيف لتتجاوز المظهر والشكل الخارجي العام فتشمل التركيب الهيكلي والمظهر التشريحي وقابلية التزاوج، قد أثارت العديد من الأسئلة الطارئة. فبدلاً من أن يكون لدينا نوع واحد من الفيلة كما اعتدنا، اكتشفنا أن هناك نوعان منفصلان منها لا يتزاوجان مع بعضهما وهما الفيل الأفريقي والفيل الآسيوي. وفي السياق الديني المسيحي الذي ظهرت فيه النظرية، فرضت عليهم هذه الاكتشافات أسئلة جديدة لم تكن النظرية السابقة وهي نظرية الخلق قادرة على الإجابة عليها. فعلى سبيل المثال، لماذا ياترى خلق الله نوعين من الفيلة؟ وإذا كان قد خلق نوعين من الفيلة فأيهما الذي حمله نوح عليه السلام في سفينته؟ أم أن الله خلق فيلاً واحداً ثم تطوّر هذا النوع بسبب البيئة إلى النوعين الذين نراهما الآن؟ ولماذا لم يعودا يتزاوجان؟ فإذا قلنا أن التطوّر ممكن في حدود الرتبة ذاتها فمالذي يمنع من إمكانيته على فترة زمنية أطول في إطار الفصائل الحيوانية كلها أو حتى في إطار الممالك الأحيائية الكبرى كلها؟

هذا السؤال وغيره من الأسئلة المشابهة حول تصنيف الكائنات البينية مثل خلد الماء أو البلاتيبوس والذي يقف بين الثدييات والطيور أثارت الكثير من الشكوك في الفرضية القديمة حول تباين الأنواع وتفرّد نشأتها وامتلاك كل واحد منها لجوهر يميّزه.

 بالإضافة لذلك كله أتى علم الأحافير ليضيف تأكيداً أكبر لنظرية التطوّر. فالأحافير هي بمثابة ألبوم الصور أو سجل الحياة على هذه الأرض. والملاحظ أن الحصان مثلاً في أحافير الصخور التي تعود للمليون سنة الماضية يشبه حصاننا الموجود حالياً، أما في الأحافير التي يعود تاريخها لـ ٨ ملايين سنة فلا وجود للنوع الحالي بل نجد نوعاً آخر يختلف هيكلياً عنه، وإذا عدنا أكثر في الزمن فإن أحافير الحيوانات المعروفة حالياً تختفي تماماً ونجد بدلاً منها أحافير حيواناتٍ بسيطة وبدائية. فهل يا ترى خُلِقت المخلوقات بالتتابع أثناء تقدّم عمر الأرض؟ ولماذا هناك اختلافات بين هياكل الكائنات الحالية والأحافير القديمة لأسلافها؟؟

كل هذا وقد كانت الفكرة السائدة هي أن الحصان يلد حصاناً مثله تماماً والإنسان يلد إنساناً مثله تماماً ويفترض بالتالي أن يستمر هذا التماثل بين الجيل والجيل الذي يليه إلى ما لا نهاية. ولكن كان للتهجين رأي مختلف، فقد وصلت أشكال الكلاب مثلاً والتي قام الإنسان بنفسه بمزاوجتها والتدخل في الانتخاب الطبيعي لها إلى عدد كبير جداً وتفاوتت أحجامها وأشكالها بشكل كبير جداً مما يجعل عملية التزاوج بين بعضها بشكل طبيعي شبه مستحيلة. نعم، حدث هذا على مدى فترة قصيرة نسبياً وهي مدة التاريخ البشري المكتوب لذلك نعلم تماماً أنها تعود لنفس الجد. ولكن لو كانت هذه الحيوانات المختلفة في الشكل تعيش في البرية أو قام بتصنيفها من لا يعلم تاريخ التهجين البشري لها لقام بتصنيفها ضمن أنواع مختلفة بلا شك.

كل هذا ولم تكن المعلومات حول الوراثة المندلية قد انتشرت بعد ولم تكن الجينات معروفة. لذلك فقد كان لاكتشاف الدي ان أي الدور الأكبر في تأكيد نظرية التطور إذ بيّن أنّه ليس هناك فرق في الجوهر بين النحلة والنخلة فكلاهما عبارة عن فقرات في ظهر مخلوق واحد اسمه الحياة، أو حلقات من سلسلة طويلة من الشفرات الوراثية التي تشبه بعضها بدرجة أو بأخرى ولكنها ليست نسخاً متطابقة من بعضها البعض والتي لا نملك نحن البشر إلا أن نجمع تلك التي تتشابه منها تحت اسم واحد يميزها عن غيرها.

فقد اكتشفنا أن الابن لا يكون أبداً نسخة مطابقة لوالديه وإنما هو كائن مميز جينياً ومختلف عن كل واحد منهما، هذا الاختلاف بين الأبناء وآبائهم يزيد جيلاً بعد جيل وتتراكم الاختلافات الجينية (الطفرات) بمرور الزمن، فخصائص الحصان تتغير وخصائص القرد تتغيّر وخصائص الإنسان تتغيّر، حتى لا يصبح هناك معنى لهذه الأسماء بعد فترة من الزمن، إلا كتصنيفات لكائنات أحفورية عاشت لبرهة من الزمن ثم انقرضت وبقي أسلافها المختلفين شكلاً عنها.

تحياتي 🌹

علي بن محمد الحمد
--------------------------


ما بين سفينة نوح وسفينة بيغل (١ 
حيدر موسى

تعتبر السفن من اقدم وسائل النقل التي ابتكرها الانسان، وهذا الفتح المبكر في عالم المواصلات كانت مرحلة فاصلة نحو نشوء الحضارات. الحضارة التي تتكئ على التجوال والاكتشاف والتساؤل حول ما يدور خلف محيط الانسان ذلك الكائن الشغف لفض بكارة المجهول. واذا ما استعرضنا تاريخ اشهر اسماء السفن التي رسخت في الذاكرة البشرية وتركت بصمة فكريه على فلسفة الوجود والحياة، فسنجد ان سفينتي نوح وبيغل تتصدران قائمة تلك السفن. فعلى ماذا تتفق هاتين السفينتين وفيما تفترق ؟.

كانت مرحلة الطوفان في زمن النبي نوح منعطف تاريخي مهم، تناقلته كتب الديانات واهتم بها علماء الاثار والجيولوجيا في وقت لاحق، ولم تتجاهلها الدراسات الاكاديمية، حتى ان هناك ورقه بحثيه منشورة في جامعة هارفارد قرأتها فترة دراسة الماجستير تتناول وضع نظرية اقتصادية حول حماية التنوع الحيوي ذات الاولوية استلهاما من قصة سفينة نوح على اعتبار ان نوح اخذ على متن سفينته ازواجا من الحيوانات لانقاذها من الطوفان العظيم. وبعد اكثر من خمسة الاف سنة ظهرت سفينة اخرى رسمت احداثا مغايره لما كانت تقوم عليه فسلفة سفينة نوح بشأن الايمان بالله كخالق للحياة والوجود. لقد كانت سفينة بيغل احدى السفن الملكية البريطانية ولم يكن لها دور سوى خدمة المراسيم الملكية (1820) ، الا ان تحولها فيما بعد الى سفينة ابحاث تجوب قارات وبحار العالم، والتحاق العالم تشارلز داروين بها كانت نقطة تحول مهم في تحريك المياه الراكده حول نشوء الخلق والحياة.

نكمل فيما بعد
حيدر موسى

----------

ما بين سفينة نوح وسفينة بيغل (٢)
حيدر موسى


لقد كانت الغاية من بناء سفينة نوح هو النجاة من الطوفان العظيم الذي اجتاح الارض كعقاب من الله على من انكر وجوده في تلك الحقبة كما هو وارد في الادبيات الدينية، فالسفينة ما هي الا اثبات لحقيقة الخالق والوحدانية عبر فلسفة المعجزة التي تتكئ عليها الاديان. صحيح اننا قد نتمكن من خلال الاثار والجيولوجيا التوصل الى حدوث فيضان ضخم في ذلك العصر، الا ان الشيء الذي لا يمكن اثباته هو هل ان الفيضان كان بالفعل نتيجة عقاب الرب ام هي حالة من حالات الكوارث الطبيعية التي لا تخلو منها الارض كما شاهدنا في تسونامي ٢٠٠٤ ؟ هل ان القصة زيد فيها فيما بعد واخذت طابعا وبعدا اخر في تفسيرها من قبل رجال الدين ؟ هل كان نوح داعيا الى الله ام عالم بكوارث الطبيعة الامر الذي جعله يستعد لما هو مجهول ؟ اما السؤال الذي حاول العلماء البحث عن اجابة له هو كيف تمكنت سفينة نوح من حمل ازواجا مختلفة من كل الكائنات لانقاذ التنوع الحيوي في ظل ضغط فيزيائي هائل للطوفان على السفينة ؟ وكيف تمكن نوح من جلب الكوالا والكانغرو الذي يعيش فقط في استراليا واللاما من جنوب امريكا في حين ان الواقعة حدثت في الشرق الاوسط ؟ هذه التساؤلات لا تنفي القصة بقدر ما تضع علامات استفهام على حدث تاريخي مروي قابل للزيادة والنقصان في اجزائه. فبحوث علم الاثار اكتشفت عن قصص مشابهه لما عليه حادثة الطوفان في الكتب السماوية مثل ملحمة جلجامش الذي امرته الالهة ان يبني سفينة ويحمل فيها بذور كل شيء.  

وعند الحديث عن سفينة بيغل فان داروين كان مجرد باحث مبتدئ في التاريخ الطبيعي، ساهم الحظ ربما في التحاقه برحلات البيغل. وعلى هذا فان الغاية من السفينة ليست البحث عن دليل لانكار وجود الله، ولم يكن ذلك واردا في فرضيات داروين نفسه، بل ان داروين لم يعطي تصورا عن كيفية بدأ الحياة بعد ان كتب كتابه اصل الانواع. الجيولوجيا والاحافير والتاريخ الطبيعي كان محور اهتمام داروين بالدرجة الاولى فكان حريص على جمع ما يقع على بصره من عينات مفيده وتدوين الملاحظات. اما نقطة التحول التي من خلالها انبثق وميض نظرية التطور بشكل اكثر وضوحا عند داروين فهي عندما شاهد طيور المحاكي في جزر غالاباغابوس وتساءل عن سبب اختلافها البسيط عن تلك الانواع التي رأها في اماكن اخرى، حيث ظهر جليا لداروين ان الانواع لا تستقر وانما يحدث لها تحولات عبر ازمنه طويله. والجميل كله في ما قام به داروين انه وبعد عشرين سنة من رحلته عبر سفينة البيغل نشر كتابه اصل الانواع، وهذا يعكس دقة داروين في البحث والتوثيق.

ان رواية سفينة نوح حين نقابلها مع بحوث سفينة البيغل سنجد تعارضا هاما بينهما. واهمها على الاطلاق ان الروايه الدينية للحياة تجعلها في حدود لا يزيد عن عن الستة الاف سنة، وان نوح حافظ على الجنس البشري والتنوع الحيوي من الابادة خلال تلك الفترة، في حين ان نظرية التطور تتوغل في الحياة الى ملايين السنين من خلال الاحافير التي تم اكتشافها، وانه لا يمكن للحياة ان تكون قصيرة للحد التي ترويه الكتب الدينية.

يتبع
حيد موسى


-------------------------------------

ما بين سفينة نوح وسفينة بيغل (٣) 
حيدر موسى

ان ماحملته لنا سفينة بيغل من معلومات صادمه حول تطور الخلق، لن يغير في اعتقاد الكثير بخالقهم الذي امنوا به منذ ستة الاف سنة. فالعلوم مهما بلغت في حجيتها الا ان المعتقدات لاتنكسر عند اول منعطف. فصدق او لا تصدق ان فلة من البشر لازالت لا تؤمن بكروية الارض وصدق او لا تصدق ان فلة من البشر لازالت تعتقد ان الكوارث الطبيعية ومشاهد الخسوف والكسوف ما هي الا تعبير عن غضب الرب او الالهه.  
وبالرغم من اني تخصصت في علوم الاحياء، الا انني استمعت الى قصة سفينة نوح مئات المرات ولم اسمع عن سفينة بيغل الا في بضع مناسبات، وان طيلة مكوثي في الجامعة لم يكون لداروين ونظريته التطورية حضور ولو من باب النقد !!. كان متوقعا ان تنهار الدارونية في لحظة ولادتها مع كل هذا الحصار واللغط الدائر حولها الا ان تطور علوم الاحياء بعد داروين خاصة مع مجيء علم الوراثه ومن ثم القفزة الهائلة في البيولوجيه الجزيئية وتفكيك الجينوم اعاد الدارونية الى واجهة المشهد وجعل منها اكثر ثقة وصمودا. 

ان النقاش الساخن المطروح اليوم على الساحة هل يجب تدريس الدارونية في المدارس التعليمية كبديل عن الخالقية على اعتبار ان الاولى تسير في محاذاة العلم بينما الثانية لاتخصع للمنهجية والاختبارات العلمية ؟!. هذا السؤال لازال نقطة جدل داخل الدول العلمانية نفسها وفي بريطانيا ذاتها التي انطلقت منها الافكار الدارونية. فكثير من الاباء لازالوا متمسكين بما هو وارد في الكتب المقدسة، مع الاخذ في الاعتبار ان ميثاق حقوق الطفل الدولية تضع في الاعتبار حق الاطفال في الانتماء الى معتقدات ابائهم مما يجعل تعليمهم الدارونية انتهاكا لحقوقهم وخصوصياتهم. 

ايضا فان المواقف العالمية تجاه الدارونية تبقى متفاوته الا انها اصبحت تحظى بايمان كبير حسب ما تظهر بعض الاستطلاعات العالمية. ففي استطلاع اجرته (Pew Research) ٢٠٠٩ في امريكا اظهر ان ٣٢٪ من الناس يؤمنون بالتطور بتأثير الطبيعة مقابل ٢٢٪ منهم يؤمنون بالتطور مع تأثير قوة عظمى (الله) في حين ان ٣١٪ لازالوا متمسكين بالخالقية. اما على صعيد العلماء الامريكان فان الغالبية القصوى منهم (٨٧٪) يرون ان التطور بتأثير الطبيعة هو المفسر الوحيد للنشوء. استطلاع اخر في ٢٠٠٦ اجري في بريطانيا تحت عنوان اصل وتنمية الحياة؛ وجد ان ٢٢٪ يؤمنون بالخالقية، وان ١٧٪ يؤمنون بنظرية التصميم الذكي، مقابل ٤٨٪ اختاروا نظرية التطور. وفي استطلاع اجري في النرويج ٢٠٠٨ اظهرت نتائجه ان ٥٩٪ منهم يؤمنون بالدارونية، ٢٤٪ يؤمن ببعض ما جاء في نظرية التطور وبقية النسب ذهبت للرافضين لها او الذين ليس لديهم رؤية واضحه.     

ختاما، ان فكرة الايمان بالرب احتاجت الى مئات السنين كي تستقر في افئدة الناس، وهذه الفكرة ايضا مرت بمراحل تذبذبية شاسعة بين الاديان ان لم يكن على صعيد الخالق نفسه فعلى الاقل على صعيد الحديث عن ماهيته وصفاته وغاياته، كذلك فان الدارونية ستمر بمراحل تذبذبية مماثلة، وبالرغم ما تم جمعه من ادلة علمية الا انه تبقى بعض التساؤلات المنقصة التي تنتظر مزيدا من الدراسات والتدقيق. وكما اني مع فكرة تعليم الدارونية في مناهج الاحياء المدرسية فانا مع تعليم الخالقية على الاقل في المناهج الفلسفية. 

حيدر موسى

------------------------------
[١] جدلية الحلقة المفقودة بين الإنسانية والحيوانية
كاظم الخليفة 

من كتاب فركو "الحيوانات الفاسدة"، يقتبس الفيلسوف الفرنسي ووزير التربية والشباب والبحث العلمي لوك فيري في كتابه "تعلم الحياة" هذه الحكاية:

في الخمسينيات، ذهب فريق من العلماء البريطانيين إلى غينيا-الجديدة للبحث عن "الحلقة المفقودة" الشهيرة، أي عن الكائن الانتقالي بين الحيوان والإنسان. كانوا يأملون بالعثور على أُحفورٍ لقرد كبير غير معروف حتى ذلك الحين؛ لكنهم وقعوا بالصدفة العجيبة وبكثير من الدهشة، على مجموعة حية من الكائنات "الانتقالية" والتي دعوها "تروبي". إنها حيوانات تدب على أربعة، هي إذن قرود. لكنها كانت تعيش في مغاور حجرية مثل أهل الكهف.. والأهم انها كانت تدفن موتاها. وهذا ما وضع مستكشفينا في حيرة: كان ذلك لا يشبه أياً من العادات الحيوانية. وأكثر من ذلك، كانوا يتداولون لغة بدائية، جنينية. 
كيف كان يجب تحديد موقعهم بين الإنسان والحيوان؟ كانت المسألة ملحة جداً خاصة وأن أحد رجال الأعمال وبدون وازع من ضمير عزم على ترويضهم لجعلهم عبيداً له! لو كانوا حيواناتٍ لسهل الأمر، ولكن إذا صنفناهم إلى جانب البشر يصبح الأمر غير مقبول، وغير شرعي أصلاً. ولكن ما السبيل إلى معرفة ذلك؟

يضحي بطل القصة بنفسه: وينجب طفلاً من إحدى إناث أو (نساء) تروبي، وهذا يثبت أنهم كانوا بصدد نوع أقرب إلى نوعنا البشري (بما أن علماء الحياة يعتبرون إن فقط كائنات النوع نفسه تستطيع التوالد فيما  بينها). من هذا المنطلق، كيف كان يجب تصنيف الطفل: إنسان أم حيوان؟ كان من الواجب أخذ القرار بأي ثمن، لأن هذا الأب الغريب الأطوار قرر قتل ولده وذلك بالضبط ليجبر العدالة على اتخاذ موقف. أُقيمت إذا دعوى، شُغِفت بها كل إنكلترا، واحتلت عناوين الصحافة العالمية. واستدعى أفضل الاختصاصيين إلى المنصة: علماء الإنسان، علماء الحياة، علماء المتحجرات، فلاسفة، لاهوتيون.. كانت خلافاتهم مطلقة وحججهم، كل في ميدانه، كانت من الجودة بشكل استحالت معه غلبة أي واحد منهم. 
زوجة القاضي هي التي وجدت المعيار الحاسم: إذا كانوا يدفنون موتاهم، كما قالت، فهذا معناه أن التروبي بشر. لأن هذا الاحتفال يدل على تساؤل ما ورائي. وكما قالت لزوجها: (لكي يكون هناك تساؤل، يجب أن يكون هناك اثنان؛ السائل وما نسأله. وبامتزاجه مع الطبيعة، لا يمكن للحيوان أن يسألها. يبدو لي أن هذا هو ما نبحث عنه. الحيوان يتحد مع الطبيعة، ذائب فيها، بينما الإنسان متجاوز لها، وهو الكائن المناهض للطبيعة بامتياز).

للحديث بقية،،،
كاظم الخليفة


----------------------
[٢] جدلية "الحلقة المفقودة" بين الإنسانية والحيوانية
كاظم الخليفة

كان من المفترض أن أقوم باستعراض أهم ما جاء في كتاب الفيلسوف الفرنسي لوك فيري في كتابه المهم "تعلم الحياة"، لكن لأسلوبه التبسيطي والذي اختطه بناء على طلب قراءه، سوف أنقل بقية بحثه من دون أي اضافة أو استطراد:

"ثلاث فوارق مهمة بين الحيوانية والإنسانية: البشر هم الكائنات الوحيدة صاحبة التاريخ والكرامة المتساوية، والقلق الروحي"
إن نتائج الإقرار عميقة جداً وسأبين ثلاثاً منها فقط، والتي سيكون لها تأثير هائل على المستوى الأخلاقي والسياسي. 
النتيجة الأولى:
إن للبشر، خلافاً للحيوانات، ما يمكن تسميته "تاريخية مزدوجة". من جهة هناك التاريخ الفردي للشخص وهو ما ندعوه عادة "التربية". من جهة أخرى هناك تاريخ الجنس البشري أو تاريخ المجتمعات الإنسانية، أي ما نسميه عادة "الثقافة والسياسة". أنظر، على العكس، إلى حالة الحيوانات فترى أنها مختلفة تماماً. لدينا منذ التاريخ القديم أوصاف للمجتمعات الحيوانية، مثل مجتمعات النمل الأبيض، والنحل. وفعلاً، كل شيء فيها يوحي لنا بأن تصرفات تلك الحيوانات بقيت كما هي تماماً منذ آلاف السنين: فسكنها لم يتغير بفاصلة، ولا طريقة جمعها للغذاء أو تغذيتها للملكة أو توزيع الأدوار فيما بينها... إلخ. على عكس ذلك، لا تتوقف المجتمعات البشرية عن التغيير: إذا عدنا ألفي سنة إلى الوراء، لا يمكننا التعرف على باريس، لندن أو نيويورك. بينما، على العكس، لا نجد أي مشقة للتعرف على بيت للنمل ولا نفاجأ قطعاً بطريقة اصطياد الهررة للفئران أو بهريرها وهي في حضن أصحابها..
إن ما يسمح للكائن البشري أن يمتلك ذلك التاريخ المزدوج هو أن بإمكانه، وبما أنه متجاوز "للبرامج" الطبيعية، أن يتطور إلى ما لا نهاية له، وأن يتعلم طيلة حياته، وأن يدخل في تاريخ لا يمكن لأحد اليوم أن يقول متى وأين ينتهي. فهي النتيجة المباشرة لحرية المعرفة، وهي نفسها كإمكانية ابتعاد عن الطبيعة. 
للحديث بقية،،،


------------------
[٣] جدلية الحلقة المفقودة بين الإنسانية والحيوانية
كاظم الخليفة

النتيجة الثانية:
إن للحيوانات "جوهراً" مشتركاً لكل جنس، يسبق الوجود الفردي: هناك "جوهر" للهر أو للحمامة، هناك برنامج هو برنامج الغريزة، للأول كآكل لحوم وللثانية كآكلة للحبوب؛ وهذا البرنامج "الجوهر" مشترك بين أفراد النوع بشكل يحدد وجود كل واحد منه من بدايته إلى نهايته: لا الهر ولا الحمامة يستطيعان الإفلات من هذا الجوهر المحدد لهما والذي يلغي عندهما أي نوع من أنواع الحرية. 
عند الإنسان تسير الأمور عكس ذلك: ليس هناك من جوهر يحدده ولا برنامج يحبسه، كما أنه ليس هناك من فئة تأسره بشكل مطلق بحيث لا يستطيع التحرر منها قليلاً، ولو في جزء منه- جزء الحرية. من المؤكد أن أحدنا يولد رجلاً أو امرأة، فرنسياً أو غريباً عن فرنسا، في وسط غني أو فقير، شعبي أو نخبوي.. إلخ. لكن لا شيء يثبت أن فئات البداية تلك تحبسه في داخلها مدى الحياة. 
من الممكن لهذا المرء أن يكون امرأة مثل سيمون دو بوفوار وأن يرفض إنجاب أولاد، أو أن يكون فقيراً في وسط محروم، ثم يصبح أن غنياً، أو أن يكون فرنسياً لكنه يتقن لغة أجنبية ويغير جنسيته.. بينما لا يمكن للهر أن يتوقف عن كونه آكلاً للحوم ولا الحمامة عن كونها آكلة للحبوب. 

النتيجة الثالثة:
لأنه حر وليس أسير أي "قانون" طبيعي أو تاريخي مُلزِم فإن الكائن البشري هو كائن معنوي. كيف يمكننا، أصلاً أن ننسب إليه أعمالاً جيدة أو سيئة إذا لم يكن بطريقة ما حراً في خياراته؟ في المقابل، من قد يفكر بإدانة سمكة قرش افترست متزلجاً؟ أما عندما تتسبب شاحنة بحادث ما فإننا نحكم على السائق وليس على الشاحنة. لا الحيوان ولا الشيء مسؤولان معنوياً عن الآثار، ولو المضرة، التي قد يسببها للكائن البشري.
أنتهى، وتقبلوا فائق مودتي،،،
كاظم الخليفة

-------------


التحول ، الحركة الجوهرية والخلق.
ثامر العيثان


اكثر الشكوك والتساؤلات حول نظرية دارون وما قبلها وبعدها، هي نزعة فطرية لدى الانسان لمعرفة بداية وجوده. هناك شق علمي جاد يبحث عن عملية النشوء والارتقاء او التحول الذي يحدث في الكون عموما وفي أنماط الحياة خصوصا. هذا الشق العلمي يبني نتائجه على ضوء المعطيات التجريبية او العقلية او كليهما( يعتمد على الفكر الفلسفي للباحث، ان كان يؤمن بوجود اله موجد ام لايؤمن).

يجب عدم الالتفات الى الشق الغير علمي من الأثارات والتساؤلات حول النشأة والارتقاء والخلق ، والذي يسعى لاهداف غير كشف الحقيقة بطريقة علمية.

ينقسم الموضوع الى ثلاثة أقسام، يبدو انها منفصلة ولكنها في حقيقتها مترابطة:
١- الشق الفلسفي للنشأة .
٢- الارتقاء والتطور او التحول.
٣- اصل الحياة على الارض والتقاء الانسان مع أشكال الحياة الاخرى.

١- الشق الفلسفي للنشأة.

هو محاولة الحصول على اجابة المصدر الاول للحياة.
"المدرسة العقلية "لدى المسلمين ( وهي امتداد لمدارس اليونان والرسل والانبياء والوحي) تقول بالخلق من قبل خالق واحد قادر وهو الله سبحانه.
وهذه المدرسة طورت الفلسفة ونصب عينيها إثبات هذه الحقيقة وأزالت الشبهات من حولها.

وهناك من المدارس الحديثة والقديمة ، لاتؤمن بوحدانية او وجود اله.
وهذه المدرسة ايضا تطورت من الأساطير الى "المدرسة المادية" البحتة. ايضا هذه المدرسة طورت فكر فلسفي يحاول الاجابة على الاشكالات حول رفض الخالق. 
اكثر فترة ترعرعت فيها هذه الفلسفة هي الحضارة الأوروبية التي عانت من سيطرة الدين المسيحي لحكام أوروبا.

٢- الارتقاء والتطور او التحول.

المدرسة العقلية انقسمت الى قسمين:
ا-قسم يؤمن بالخالقية ولكن المباشر منها ، وهو ما نراه ونلمسه بشكله الحالي، ويعطي التحول والتغيير هامشا بسيطا جدا. هذا القسم سيطرت عليه المدارس النقلية، مع كثرة التحريف والتلاعب وتسخير الدين للمصالح المحدودة الفردية او الجماعية. وهذه المدرسة قليلة التفاعل مع المتغيرات العلمية والتطورات العقلية للإنسان .

ب- القسم الثاني هو الذي يتبنى الخالقية ولكن يرى سيطرة العقل على كل التفكير العلمي.
فهو يحاول فهم التطورات العلمية مع إيمانه بالنتائج العقلية - الغيبية.

فعملية الارتقاء تم إثباتها فلسفيا بنظرية " الحركة الجوهرية"
وهذه تعني انها لاتعارض الخالقية من خلية حيوية بسيطة وتطورها الى كائن معقد مركب، وهذا لايعني انها تؤمن بذلك.
هناك الكثير من الاشكالات وخصوصا النقلية" الكتب المقدسة- الغير محرّفة" والتي يجب على هذه المدرسة الاجابة عليها.
مثال: تطور أشكال الحياة على الارض و إنزال ادم ع من الجنة بعد خلقه مباشرة.

ج- هناك عملية حساب الاحتمالات لتكون مركبات معقدة من مركبات بسيطة ( الأحماض الامينية الى الدي ان ا) وهذه عملية علمية يصدقها أفراد المدرسة العقلية، ويعتمدها أفراد المدرسة المادية كأساس لتكون البنية الاساسية للحياة.
هذا الشق الحسابي للاحتمالات عليه بعض الملاحظات:
١- ما هو تعريف الحياة؟ وهل يمكن اثباته؟
٢- الأخذ بالاعتبار تطور حساب الاحتمالات مع تطور الكون .
٣- اثبات نظرية الاحتمالات للبنة الحياة الاساسية لايعني ان الحياة جاءت منها، او عدم وجود خالق.

٤- هناك طريقة في فيزياء الكم تستخدم شيئا شبيها بنظرية الاحتمالات. تسمى طريقة تكامل الطرق المتعددة. وهي تشمل الاحتمالات. يمكن استخدامها لحساب تكون لبنة الحياة الاولى.

لو تم استخدام هذه الطريقة، فلن يكون الاحتمال صفرا حتى لو كان صغيرا. ولكن تنتهي الى نفس النتيجة بعاليه، وهي لاتثبت عدم الخالقية.

٣- اصل الحياة على الارض والتقاء الانسان مع أشكال الحياة الاخرى.

المدرسة المادية تؤمن بان اصل الحياة على الارض واحد، وإنما تبحث عن الدليل.

اما "بعض" المدرسة العقلية: فإنها تؤمن بان الحياة متطورة ومتحولة، لكن تؤمن بما تم اثباته في المختبر، ولا ترفض الذي مازال في طور الفرضية.

واذا رفضت بعض الفرضيات، فلأنها تتعارض مع المنطق العقلي.

وهذه المدرسة تراجع فهمها لنصوصها النقلية اذا تعارضت مع التجربة. ولن تنكر التجربة في مقابل وضع قداسة وهمية للنصوص.



---------------------


أصل الأنواع بين العلم والأدلجة
طارق العزيز

"أرى في المستقبل البعيد مجالات مفتوحة لأبحاث أكثر أهمية"
* تشارلز داروين

تلك كانت رؤية داروين صاحب كتاب أصل الأنواع الشهير ، الذي لا زال يثير جدلا بين الأوساط الأيديولوجية الدينية تحديدا ، في الوقت الذي اعتمد عليه الوسط العلمي ليجعل منه انطلاقة حقيقية لاكتشافات أكثر أهمية وتثبتا وسدا لثغرات نظرية داروين كما توقع داروين نفسه ، ولا يزال القادم أوسع ..

الجدير بالذكر إن مسألة الأصل البشري وأصول الحياة هي من المسائل التي شغلت بال الإنسان منذ سنوات عديدة ، وهناك كثير من المحاولات في تفسير ذلك الأصل وتعليله وكيفية وجوده ونشأته ، أما أهم ما طرح حول ذلك فقد اختصره ديڤيد باس في كتابه "علم النفس التطوري" في ثلاث نظريات بارزة :

١- نظرية الخلق :
وهي نظرية تقوم على فكرة إن هناك إرادة سامية (إلهية) خلقت كل شيء بلا استثناء ، وهي نظرية تشترك بفكرتها غالبية الأديان وأشهرها مع اختلاف متفاوت ببعض التفاصيل ، لكنها نظرية خاضعة للتصديق الشخصي أو الاعتقاد الديني وليس لها أي دور في المجال العلمي ، فهي لا يمكن اختبارها أو استنتاج توقعات تجريبية نوعية حول ادعاءاتها الكبرى ، كما إنها لم ترشد الباحثين إلى أي اكتشافات علمية جديدة ، بالإضافة لعجزها عن برهنة جدواها كنظرية تنبؤية أو تفسيرية علمية للآليات العضوية المكتشفة ..
لذلك هي نظرية غير علمية حسب مقاييس العلم ، فلا يمكن تفنيدها أو البرهنة على خطئها ، كما لا يمكن البرهنة على جدواها ..

٢- نظرية البذار :
ويذهب أتباع هذه النظرية إلى القول إن الحياة لم تبدأ على الأرض ، بل كانت هناك بذور للحياة خارج الأرض ووصلت إليها إما من خلال أحد النيازك ، أو من خلال كائنات فضائية مجهولة لكنها ذكية جدا بحيث زرعت البذور في الأرض وعادت لمجرتها أو كوكبها ..
وهي نظرية ضعيفة علميا خالية من أي دليل على الأرض ، وإن كانت قابلة للاختبار من حيث المبدأ ، إلا إنها لم تؤدِ إلى اكتشافات علمية جديدة ولم تفسر لغزا علميا قائما ، ولم تجب - على فرض صحتها - ما هي أسباب وجود أو أصول تلك الكائنات أو البذور !؟

٣- نظرية التطور بالانتقاء الطبيعي :
أو ما تعرف بنظرية داروين ، وهي وإن كانت لا يزال اسمها نظرية ، إلا أن مبادئها الأساسية تم إثباتها مرارا وتكرارا ، وإلى اليوم لم يتمكن أحدهم من إثبات بطلانها ، ولذلك يتم اعتبارها بيولوجياً بمثابة واقعة فعلية ..
كما أنها تحقق أبرز الفضائل التي يبحث عنها العلماء في النظرية العلمية العميقة ، حيث إنها تنظم الوقائع المعروفة ، وتؤدي إلى تنبؤات جديدة ، وتوفر دليلا مرشدا لمجالات مهمة من الاستقصاء العلمي ..

وكون العلم يسمح دائما بالشك فاتحا الباب لإمكانية قدوم أي نظرية أخرى أفضل منها بالمستقبل ، إلا إنه لا يعني أن هناك مقارنة فعلية أو علمية بين النظريات الثلاث : الخلق والبذار والتطور بالانتقاء الطبيعي ، فالأخيرة هي النظرية العلمية الوحيدة التي يمكنها تفسير التنوع المذهل للحياة ، مع امتلاكها القدرة على تعليل أصول وبنى الطبيعة البشرية بشكل علمي يمكن إثباته والاعتماد عليه ..

ففي الوقت الذي تعتبر فيه نظرية التطور بالانتقاء الطبيعي حجر أساس في علم الأحياء الحديث ، نجد المؤدلجين لا زالوا يرددون : «يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما» 
مساوين بين اعتقاداتهم وإدعاءاتهم وبين العلم ، معتبرين أن العلم لم يقر بحقيقة التطور بعد ، متجاهلين أن العلم لا يطرح القناعات بشكل دوغمائي وجامد ونهائي ، ومع ذلك لا يترددون ولا يستحون من محاسبة من ينكر إدعاءاتهم لافتقارها إلى برهان ، في الآن الذي يعتبرون فيه التصديق بالعلم التطوري كفراً وتجاوزاً حسب فهمهم الإقصائي ..


*طارق العزيز



-----------------------

في عام 2014 صدر كتاب باللغة الانجليزية للباحثة المصرية مروى الشاكري بعنوان: قراءة داروين في الفكر العربي 1950-1850 ،ركزت فيه على طريقة تلقي وتفاعل المفكرين العرب(مسلمين ومسيحيين ويهود) لنظرية داروين.
كان المصري اسماعيل مظهر من أوائل المتحمسين لنظرية داروين فترجم الاجزاء الخمسة من كتاب داروين (اصل الانواع) ،ثم ألف كتابا عام  1923 عنوانه ( مذهب النشوء والارتقاء) ثم طوره في كتاب جديد بعنوان ( ملقى السبيل في مذهب النشوء والارتقاء) صدر في 1942 م.وكان هدفه الدفاع عن التغيير والتجديد والدفاع عن الروح العلمية وفصل العلم عن الدين.
أما أبرز المفكرين والادباء العرب المتأثرين بنظرية داروين فهم :جبران خليل جبران،جميل صدقي الزهاوي،نجيب محفوظ،شبلي شميل،فرح انطون ،قاسم أمين،محمد عبده.
للحديث بقية،تحياتي لكم🌹

امين الغافلي


----------------------------
قراءة داروين في الفكر العربي 2
أمين الغافلي


لم يكن نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيرة بعيدا عن الآراء الداروينية ،ولم يرفض جمال الدين الافغاني رغم تحفظاته الأكيدة وحسابه الديني تعاليم داروين الرفض الكامل ،فهو يعتقد ان الاسلام يتضمن جميع الحقائق العلمية،وكان تلميذه محمد عبده يؤمن بالتطور بعامة وبالتطور الاجتماعي بخاصة .
في البدء قرأ العرب داروين باللغة الانجليزية ولم يعرفوه باللغة العربية إلا لاحقا.
وصلت أفكار داروين للعرب عن طريق (إدوين لويس) استاذ الكيمياء في الكلية السورية الانجلية التي غدت لاحقا الجامعة الأمريكية في بيروت الذي أثارت محاضرته الداروينية لغطا كثيرا في الاوساط العلمية دفعته للاستقالة التي ادت إلى إضراب الطلاب دعما للاستاذ عام 1882 م.
لم تكن الإيدلوجية الدينية (الاسلامية والمسيحية) المسيطرة في الشرق الأوسط ترحب بالأفكار الداروينية .
ففي البدء شن جمال الدين الأفغاني هجوما على أفكار داروين من دون أن يساجلها علميا،ثم انتهى إلى موقف معتدل معتبرا أن ما جاء به عالم الأحياء الانكليزي عرفه العرب والمسلمون قبل زمن.
أما تلميذه محمد عبده ،فلم يكن لديه تحفظا أبدأ على الداروينية معتمدا في معرفة مرتكزات النظرية على صديقه الإنكليزي ويلفرد بلونت.وحماس محمد عبده للنظرية يعود لأسباب إجتماعية ،إذ أن في التطور ما يحرر المصريين من السيطرة الخديوية والعثمانية والتحرر تاليا من السيطرة الإنكليزية .

أما النزوعات الاشتراكية كما جسدها شبلي شميل وفرح انطون فلم تتعارض مع الداروينية.
قارن اسماعيل مظهر بين كتاب (أصل الأنواع ) لداروين وكتاب (الحيوان) للجاحظ للوقوف على القواسم المشتركة بينهما ، وعثر اسماعيل مظهر على ارهاصات لأفكار داروين عند الشاعر الفيلسوف أبي العلاء المعري الذي تحدثا شعرا "الحي المستحدث من جماد" ،ووجد بعض المفكرين العرب أن ماقاله داروين يمكن تأمله في كتابات (إخوان الصفا) الذين تحدثوا عن متواليات الوجود وارتباطها بعضها البعض.
تحياتي لكم ،أمين الغافلي.لم يكن نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيرة بعيدا عن الآراء الداروينية ،ولم يرفض جمال الدين الافغاني رغم تحفظاته الأكيدة وحسابه الديني تعاليم داروين الرفض الكامل ،فهو يعتقد ان الاسلام يتضمن جميع الحقائق العلمية،وكان تلميذه محمد عبده يؤمن بالتطور بعامة وبالتطور الاجتماعي بخاصة .
في البدء قرأ العرب داروين باللغة الانجليزية ولم يعرفوه باللغة العربية إلا لاحقا.
وصلت أفكار داروين للعرب عن طريق (إدوين لويس) استاذ الكيمياء في الكلية السورية الانجلية التي غدت لاحقا الجامعة الأمريكية في بيروت الذي أثارت محاضرته الداروينية لغطا كثيرا في الاوساط العلمية دفعته للاستقالة التي ادت إلى إضراب الطلاب دعما للاستاذ عام 1882 م.
لم تكن الإيدلوجية الدينية (الاسلامية والمسيحية) المسيطرة في الشرق الأوسط ترحب بالأفكار الداروينية .
ففي البدء شن جمال الدين الأفغاني هجوما على أفكار داروين من دون أن يساجلها علميا،ثم انتهى إلى موقف معتدل معتبرا أن ما جاء به عالم الأحياء الانكليزي عرفه العرب والمسلمون قبل زمن.

أما تلميذه محمد عبده ،فلم يكن لديه تحفظا أبدأ على الداروينية معتمدا في معرفة مرتكزات النظرية على صديقه الإنكليزي ويلفرد بلونت.وحماس محمد عبده للنظرية يعود لأسباب إجتماعية ،إذ أن في التطور ما يحرر المصريين من السيطرة الخديوية والعثمانية والتحرر تاليا من السيطرة الإنكليزية .
أما النزوعات الاشتراكية كما جسدها شبلي شميل وفرح انطون فلم تتعارض مع الداروينية.
قارن اسماعيل مظهر بين كتاب (أصل الأنواع ) لداروين وكتاب (الحيوان) للجاحظ للوقوف على القواسم المشتركة بينهما ، وعثر اسماعيل مظهر على ارهاصات لأفكار داروين عند الشاعر الفيلسوف أبي العلاء المعري الذي تحدثا شعرا "الحي المستحدث من جماد" ،ووجد بعض المفكرين العرب أن ماقاله داروين يمكن تأمله في كتابات (إخوان الصفا) الذين تحدثوا عن متواليات الوجود وارتباطها بعضها البعض.

تحياتي لكم ،أمين الغافلي.

-----------


نظرية دارون: ما لها وما عليها
مهدي الرمضان. (1)

إبتداء، لابد من الإقرار ان نظرية النشوء والارتقاء لدارون بلغت من القوة في جوانب عديدة منها حتى وصلت لأن تقترب من الحقائق العلمية لدى غالبية من المتخصصين والمهتمين بالعلوم الطبيعية. 
فقد جمعت حولها كم هائل من الدلائل والشواهد التي تؤيدها وبالذات بعدما تم كشفه من الاحفوريات في مناطق مختلفة من العالم وكان منها بقايا متحجرة في طبقات التربة لبقايا عظام وهياكل مخلوقات متنوعة عاشت في فترات سحيقة من التاريخ القديم.  خضعت النظرية وإجتازت بصمود للعديد من التحديات خلال قرن ونصف. 
جاء مؤخرا تطور علم الوراثة وإستخداث تقنيات لدراسة تركيب الجينات وتحديد سلاسل DNA لجينوم للإنسان والكثير غيره من المخلوقات لتضيف أبعاد جديدة تدعم  موقف للنظرية.
لا يملك المنصف وحتى من المتدينين ومن منطلق علمي إلا أن يقف موقف من يصعب عليه إنكار وتغافل كل تلك الشواهد المؤيدة لصحة فرضيات النظرية ولا يملك عندها إلا ان يأمل ان يجد العالم حلاً يريحه ويريح كل من يؤمن بالخالقية.

ومن جانب آخر بعد مضي ما يقارب القرن والنصف من الزمن منذ اعلن عنها دارون لا يزال العديد من العلماء والمتخصصين يثيرون المثير من الجدل حول ثغرات لم تغطيها النظرية وأسئلة لم تعطي اجوبة شافية لها. 
النظرية تواجه في العالم وفي دول الغرب بالذات اكبر الإنتقادات ومعرضة شرسة من اصحاب الفكر الديني المسيحي ومؤسساته الدينية التي تعتنق مفهوم الخالقية للإنسان ويثار جدل واسع في الاوساط الإحتماعية في بعض دول الغرب حول مشروعية وحكمة تدريس النظرية للناشئين في مؤسسات التعليم العام. 
(يتبع)

----------


نظرية دارون: ما لها وما عليها
مهدي الرمضان. (2)

ومن هذا المنطلق سنستعرض اهم المآخذ "العلمية" على النظرية الداروينية كما يوردها المختصون مع التأكيد على متانة وصلابة الشواهد والأدلة التاريخية والحديثة التي تستند عليها النظرية. 

1/ يجمع العديد من المختصين على قصور النظرية في تفسير تكون نظام معقد غير قابل للتبسيط Irreducible complexity كعين أو إذن الإنسان على سبيل المثال والتي لا يمكن تبسيطها فهي في حالة مكتملة ونهائية تركيبا ووظيفة فلا يمكن معها ان تختزل لأبسط منها ولا يمكن حذف اي جزء من مكوناتها بدون ان تفشل كليا كنظام في وظيفتها البيولوجية ووجه القصور ينحصر في صعوبة إثبات تكون هذه الأنظمة أو الاعضاء المركبة الغير قابلة للتبسيط نتيجة إنتقاء طبيعي بتعديلات طفيفة جدا هائلة العدد متراكمة على مدى احقاب متطاولة من الزمن لتصل لشكلها وعملها الوظيفي النهائي المعروف. ولعل هذا التحدي هو من اصعب وأقوى التحديات التي لا زالت تواجهها النظرية مما استدعى دارون لأن  يعترف قائلا: 
 "To suppose that the eye with all its inimitable contrivances for adjusting the focus to different distances, for admitting different amounts of light, and for the correction of spherical and chromatic aberration, could have been formed by natural selection, seems, I freely confess, absurd in the highest degree."
 [6]  The origin of species 1858 p. 155. 
"بإفتراض ان العين مع كل تركيباتها الدقيقة والفذة من أجل ضبط التركيز البؤري للمسافات المختلفة، والتحكم في كميات مختلفة من الضوء الداخل لها، و تصحيحها لانحراف تقعر رؤية الإنحرافات اللونية، و أن يكون ذلك كله  قد تشكل بفعل الانتقاء الطبيعي ، يبدو ، وأنا أعترف بكامل الحرية ، بأنه سخف في أعلى درجاته . "
دارون في كتابه المطبوع عام 1858 صفحة 155

كما صرح دارون في موقف آخر في كتابه أيضاً قائلا:

In The Origin of Species Darwin stated:

'If it could be demonstrated that any complex organ existed which could not possibly have been formed by numerous, successive, slight modifications, my theory would absolutely break down.'

"إذا أمكن إظهار أن أي عضو مركب من أعضاء الجسم لا يمكن خلقه من خلال خطوات صغيرة عديدة ومتتالية من التعديلات عندها وبشكل قطعي ستتهاوى نظريتي." 

(يتبع)-----


--------------------------------------

نظرية دارون: ما لها وما عليها
مهدي الرمضان. (3)

2/ إفتقاد أثر للمراحل الوسيطة للأجناس والسلالات من سجل الاحفوريات Fossil Records. 
من المعروف ان سجل الأحفويات هو اقوى داعم لصحة فرضيات النظرية ومن النادر وأيضا من الصعب إكتشاف أحفورية تضيف معلومة جديدة لسجل الاحفوريات ويؤخذ على النظرية هنا ندرة وجود آثار أحفورية في طبقات الارض المختلفة العمق لمخلوقات مندثرة يفترض ان تكون تواجدت بأعداد كبيرة جداً كما يؤخذ عليها بشكل خاص إفتقادها لآثار ومتبقيات ما يسمى بالمراحل الوسيطة للمخلوقات اثناء تطورها لشكلها النهائي. ويذكر دارون في هذا الصدد ليتلافى هذه الإشكالية ان سجل الاحفوريات غير تام ولا يخلو من النقص. ويبدو من هذا السجل وجود قفزات زمنية واسعة لا يظهر فيها بقايا لمخلوقات وسيطة تمثل مراحل التطور التدريجي الناتج من الإنتقاء الطبيعي.  
اين هي إذا -يتسائل البعض- بقايا تلك النماذج الوسيطة؟

3/ Tree of Life شجرة الحياة. 
رسم دارون في مسودة كتابة أصول الاجناس "شجرة الحياة" مبينا الأصول الأولية لظهور الكائنات بسيطة وبدائية قبل مئات الملايين من السنين وتفرع تلك الشجرة لفروع وغصون تمثل تسلسل ظهور أجناس وسلالات جديدة بالطفرات الجينية و الإنتقاء الطبيعي (ضع صورة هنا) وتظهر الشجرة الفروع وإنتهاء كل فرع بمخلوق جديد.  ولكن بعد أن تم تطوير علم الوراثة ورسم خرائط الجينوم تغيرت الصورة للشجرة جدريا وإتضح ان شجرة الحياة هي في الواقع اكثر تعقيد وبها تداخل كثيف بين جينات سلالات لمخلوقات يفترض انها متباعدة جنسا عن بعضها على سلم التطور. كما تم إكتشاف على سبيل المثال أجزاء ومقاطع من سلاسل DNA للثعابين موجودة في مورثات الابقار واتضح ايضا ان هنالك تزاوج جنسي قديم بين سلالات لا تقرب لبعضها حسب التصنيف البيولوجي. لم تتمكن النظرية من إيجاد تفسير لهذه الظواهر. بل تبين أن الجينات تحكي قصص تطور وتداخل السلالات والعائلات بصورة مختلفة تماما وبعضها مناقص لما ترويه قصص تصنيف الكائنات قبل اكتشاف الجبنات ودراستها ورسم خرائطها.  
يبدو أن الكشف عن ربط علاقات القربى بين الأجناس والسلالات ليس سهلا وواضحا كما بدى لدارون.
وهذا يوضح خطأ دارون في رسوماته لشجرة الحياة كما اوردته مجلة New Scientist في عدد يناير 2009. وربما يكون لدارون العذر كونه وضع النظرية بأكثر من قرن قبل الفتح العلمي للوراثة ونتائج دراساتها. 
4/ المأخذ والملاحظ على الكفاءة المتدنية جدا لمعامل نشر معظم الصفات المكتسبة بين المجاميع بعد حدوث الطفرات الوراثية. يرى العديد من المختصين ان كفاءة نشر صفات مكتسبة في اجيال متتالية لشعب من نفس المخلوقات المتماثلة بسبب الطفرات الوراثية متدنية جداً إن لم تكن الطفرة الوراثية الحادثة ذات قوة خارقة في تسيدها بشكل إستثنائي. 
(يتبع)



------------------------

نظرية دارون: ما لها وما عليها
مهدي الرمضان. (4)

5/ تبرز لدى الإنسان الحديث وفي مراحل تاريخية متأخرة على سلم تطوره إكتسابه صفات وسجايا مثل تميز القوى الذهنية والقدرات العقلية العالية لديه ما يمكنه من صنع وإبتكار الموسيقى والشعر والفنون وإعتناق الاديان والقدرة على التفكر والتأمل والتي لا يمكن تفسيرها بكونها تضيف قيمة او لها فوائد مباشرة او تأثير على رفع مستوى قدرة البقاء وجعل من يمتلك تلك الصفات في وضع اقوى وأشد ممن لا يمتلكها. هنا تقف النظرية صامته عن تفسير هذه الحالة ويؤخذ عليها ذلك بأن التطور قد لا يكون دافعه ومحركه الوحيد حب البقاء وقد لا ينضوي فقط تحت عنوان البقاء للأصلح بل قد تشارك في عوامل التطور عناصر لا يوجد لها تفسير علمي حالياً. 
6/ الطفرات الوراثبة العشوائية المتبوعة بإنتقاء الاقوى للبقاء قد لا تنتهي بالضرورة لتحسين وراثي للأجيال المتتالية بل قد يكون العكس ولم يتمكن أحد من إثبات توظيفها على مدى ازمنه متطاولة ومن خلال تغيرات طفيفة متراكمة لتنتهي بصنع اعضاء مركبة غير قابلة للتبسيط Irreducible complexity كعين او أذن الإنسان. وفي مثل هذه الحالة توجد مآخذ كبيرة على النظرية يقر بها دارون كما ذكر اعلاه. 
من الواضح ان النقاش والجدل بين الفريقين العلمي المقر بصوابية النظرية وبين فريق أخر يعتمد وجود خالق والبعض يقول ب "المصمم الخارق" أو التصميم الذكي لتفسير وجود الكائنات وإختلافاتها وتشابهها وكل من هذين الفريقين لديه عدد من الحجج والبراهين الملموسة والفكرية الفلسفية القوية لتدعيم موقفه.
فكل فريق يتمنطق بمفهوم يمكن الدفاع عنه بشواهد مقنعة. 
في ظني أن مثل هذه الحالة من التنازع الحاد الغير محسوم لصالح اي منهما لابد ان يستبطن ليس فقط الخلاف الظاهر بل ايضا وبقوة الإمكانية الكبيرة والواعدة في وجود توافق وتوائم خفي بينهما وبالتالي يمكن إيجاد سبيل لإحداث تزاوج وتناغم بين النظرتين ويمكن ان يأتي فريق علمي وديني ثالث في المستقبل يتمكن من إحداث إختراقات عملية ودينية لإيجاد الحلول والسبل ليوائم بين النظرة الدينية للخلق وبين النظرة الداروينية في التطور.

يمر المجتمع العلمي الفيزيائي في حالة علمية مشابهة فبين نظريتي النسبية  الخاصة لإنشتاين للاحجام والابعاد والسرعات الكبيرة ونظرية الكموم لعالم جزيئات الذرات من التباعد وعدم الإنسجام ما عجز العلماء والمختصين لحد الآن عن ربطهما في نظرية ثالثة تجمعهما ويسعى الفيزيائيون في محاولات حثيثة لإيجاد صيغة تفاهم وحل لظاهرة عدم تطابقهما بالرغم من ثبات صحة وصوابية كل منهما في عالمه الخاص به.
فكما تبذل الجهود ليتوائم فيزياء الكون مع فيزياء الكموم ربما يمكن أيضا يوما ما إيجاد حلول للتوائم بين نظرية التطور لدارون مع قاعدة الخالقية الدينية او مع نظرية المصمم الخارق. 
وفي الختام يبدو ان فرضيات النظرية لا تزال في حالة صيرورة وتكتسب بإستمرار عناصر تأييد وأيضا في ذات الوقت عناصر دحض بمشاهدات ورصد علمي فهي واقعاً ليست نظرية ناجزة بل مع متانتها والإعتراف الواسع بها في الاوساط العلمية لا تزال تعاني من تحديات ليس بسيطة. 
(الخاتمة)



---------------------------------
تعليق على مقالة المهندس مهدي الرمضان
علي الحمد

١- هناك خلاف شديد حول مفهوم النظام غير القابل للتبسيط Irreducible complexity  وحول حقيقة وجود شاهد عليه في الواقع. فهذا المصطلح ظهر لأول مرة في أطروحة البروفسور مايكل بيهي Behe وهو من دعاة نظرية التصميم الذكي، النسخة الحديثة من برهان النظم، والتي تفرض أن أي منظومة معقدة في هذا الكون لابد وأن تحتاج إلى مصمم. بينما كانت الأطروحة الأساسية في نظرية داروين هي إمكانية نشوء الأنظمة المعقدة من أنظمة أكثر بساطة ودون الحاجة لتدخل مباشر من أي مصمم، وذلك عن طريق الانتقاء الطبيعي. 
لذلك، يرى العلماء غير المؤمنين أن هذه الحجة، أي التعقيد غير القابل للتبسيط شبه علمية وليست علمية Pseudoscientific والسبب هو عدم إمكان إثباتها. فعندما نحكم على العين البشرية أو الفلاجيلا البكتيرية مثلاً بأنها غير قابلة للتبسيط أو للنشوء التدريجي من خطوات أبسط فإن هذا حكم غير قابل للإثبات بأي طريقة. 
بل وبالرغم من حداثة المصطلح فإن داروين حاول الرد على هذه الحجة في كتابه أصل الأنواع في فصل بعنوان (الأعضاء ذات الكمال الفائق) فقال: 
"If it could be demonstrated that any complex organ existed, which could not possibly have been formed by numerous, successive, slight modifications, my theory would absolutely break down. But I can find out no such case."
"إذا أمكن إظهار أن أي عضو مركب من أعضاء الجسم لا يمكن خلقه من خلال خطوات صغيرة عديدة ومتتالية من التعديلات عندها وبشكل قطعي ستتهاوى نظريتي. ولكني لم أجد أي حالة كهذه"

كما رد عليها أيضاً في مقطع آخر حيث قال في معرض حديثه عن العين البشرية:
Organs of extreme perfection and complication.—To suppose that the eye, with all its inimitable contrivances for adjusting the focus to different distances, for admitting different amounts of light, and for the correction of spherical and chromatic aberration, could have been formed by natural selection, seems, I freely confess, absurd in the highest possible degree. Yet reason tells me, that if numerous gradations from a perfect and complex eye to one very imperfect and simple, each grade being useful to its possessor, can be shown to exist; if further, the eye does vary ever so slightly, and the variations be inherited, which is certainly the case; and if any variation or modification in the organ be ever useful to an animal under changing conditions of life, then the difficulty of believing that a perfect and complex eye could be formed by natural selection, though insuperable by our imagination, can hardly be considered real.


٢- من الصعوبة بمكان الحفاظ على بقايا الحيوانات القديمة بشكل جيد على مدى ملايين السنين. ورغم أن الأحافير المشاهدة حالياً للحيوانات القديمة تعد بالمئات أو الآلاف إلا أن عددها يعد ضئيلاً جداً جداً بالمقارنة مع أعداد الحيوانات التي دبّت على وجه الأرض، خصوصاً مع التغير المستمر للقشرة الأرضية والزلازل والبراكين والنيازك وغيرها من العوامل الطبيعية. بالتالي فإن وجود هذه الأحافير النادرة يمنحنا نظرة فريدة إلى الماضي قد لا تتكرر في كل لحظة نتمناها ولأجل كل غرض نريده. 

٣- بالنسبة لمعامل نشر الصفات الوراثية فإن ما يغيب عن أذهاننا عادة هو مقدار التنوع الهائل في كل نوع من الحيوانات في كل لحظة زمنية. فالبشر على سبيل المثال يتفاوتون بشكل كبير جداً في مستوى الذكاء والطول والوزن والعنف والإبداع والقدرة اللغوية والمرونة الجسدية والمناعة والشكل وأمور كثيرة أخرى في نفس الوقت ونفس الزمن. كما أن النسبة الكبيرة للتشوهات الظاهرة لدى المواليد والتي تشير إلى حدوث الطفرات أثناء التكاثر، بخلاف تلك الطفرات الجينية المفيدة أو غير المحسوسة والملحوظة والتي لا نحصيها في الغالب، كلها تشير إلى تنوع جيني كبير يفوق ذلك التي توفره النظرة الأحادية للتطور بمعنى 
تطور صفة ثم صفة أخرى وهكذا. والظروف الحياتية في أي لحظة زمنية معينة قد لا تجعل لأحدهم فرصة أكبر في التكاثر من الآخر. مع ذلك فإنه وعلى المدى الطويل فإن الأفراد أصحاب مجموع الصفات الأفضل (وليس بالضرورة الصفة الأفضل) هي التي تستمر وتتكاثر خصوصاً إذا أصبحت هذه الصفات مرغوبة جنسياً وبالتالي دخلت في الانتقاء الجنسي وليس فقط الانتقاء الطبيعي، وهذا التنوع الكبير بالإضافة إلى الانعزال الجغرافي يساهم في تضخيم معامل انتشار الصفات، في مقابلالنطرة الأحادية التي تنظر لمعامل انتشار كل صفة على حدة.   

٤- يفسر الانتقاء الجنسي كثيراً من الصفات البشرية التي قد لا تدخل في الانتقاء الطبيعي مباشرة، حيث يُفسِّر العلماء التطوريون حب الإنسان للفنون والآداب وإقباله على تعلمها وممارستها بأنها تمنح صاحبها ومجتمعه قدرة أكبر على إتقان بعض الأمور الأخرى الضرورية للحياة كالمهارة اليدوية اللازمة للصناعة والقدرة اللغوية اللازمة للإقناع، وبالتالي تساعدهم كأفراد وكمجموعات للعيش بشكل أفضل والتفوق على الأشخاص والمجتمعات التي لا تملك حباً أو تقديراً للفنون والآداب. وربما يكون أسلاف الشيمبانزي هم أبناء عمومتنا الذين لم تعجبهم الفنون والآداب ورأوا فيها هدراً للوقت 😊 

عموماً أكتفي بهذا وأجد نفسي مضطراً أن أختم باقتباس من قلمك الرائع والذي لا أملك إلا أن أتفق معك فيه:
"وفي الختام يبدو ان فرضيات النظرية لا تزال في حالة صيرورة وتكتسب بإستمرار عناصر تأييد وأيضا في ذات الوقت عناصر دحض بمشاهدات ورصد علمي فهي واقعاً ليست نظرية ناجزة بل مع متانتها والإعتراف الواسع بها في الاوساط العلمية لا تزال تعاني من تحديات ليس بسيطة" 


تحياتي 🌹

علي بن محمد الحمد

------

في خلق الإنسان وتطوره. 
مهدي الرمضان (١). 

في كتابه الأول أصول الأنواع On The Origin of Species لم يأتي دارون على ما يخص تطور الإنسان إلا بعبارة وحيدة هي " Light will be thrown on the origin of man and his history "
"سيلقى الضوء على أصل الإنسان وتاريخه"
وكان ذلك التمنع منه راجع لخشيته من التطرق لموضوع تطور الإنسان بسبب الظروف السياسية المضطربة حينها في بريطانيا.  
ولكنه نشر كتابه التالي بعد اثنا عشر سنة بعنوان  The Descent of Man حيث شرح فيه أفكارة عن تطور الإنسان وتحدره من مخلوقات من رتبة ادنى واقدم واكثر بدائية. 
حيث ربط اصل الإنسان بفصيلة القرود وقارن على سبيل المثال بين صفات الإنسان وتلك التي يحملها افراد سلالة قرود Orangutan الذكية التي تعيش في الغابات الناطرة في سومطرة ويشرح التماثل في العلاقة الجنسية واسلوب التقارب للتزاوج وطرق تربية الاطفال وحاجتهم لفترات رعاية طويلة مقارنة بحيوانات أخرى. كما يقارن بين الاجنة ونموها في الارحام وصعوبة التفريق بين اشكالها بين القرود والإنسان. ويشرح بالتفصيل الدقيق التماثل الشبه كامل بين اعضاء الإنسان والقرد مثل العين والأذن وتركيبات الدماغ. 
ويعرج بعد ذلك للتشابه في الغرائز والصفات مثل حب المعرفة (الفضول), التقليد, الذاكرة، قدرة التخيل، قدرة التحليل، العواطف، التي يمتلكها الإنسان و سلالات القرود الاقل رتبة. 
والتشابه القريب للإنسان في السلوك الإجتماعي لدى القرود كتأسيس الأسر والتجمعات العائلية والتكاتف ورعاية الايتام الصغار. 
مع وجود هذه المشتركات الكثيرة بين الإنسان وسلالات القرود، إلا أن الإنسان يتمايز عنها بقواه العقلية وقدراته التخيلية وشغفة الكبير للمعرفة وحب التقليد ما جعله يفوق ويسبق بمراحل في تطوره اقرب السلالات الاخرى له. 
يؤمن دارون -وهو ينحدر من اسرة ليبرالية المنهج- بأن كل البشر بإختلاف اشكالهم والوانهم هم ذات الفصيلة العلمية Homo Sapiens وكان رأيه ذلك مصدر لضغوط كبيرة عليه في فترة إنتشار الإتجار في الرق وإستخدام الرقيق في أوربا وشيوع النظرة الاوربية لكون الجنس الابيض الاوربي هو المتميز و هو ارقى الاجناس البشرية.  
ولذا لم يكن سهل على دارون طباعة ونشر أفكارة بهذا الخصوص ولقي كتابه معارضة شديدة من الاوساط الدينية والإجتماعية في حينه. 
(يتبع)

-----

في خلق الإنسان تطوره. 
مهدي الرمضان. (٢)

يتعمق بعدها دارون في كتابه في تبيان اصول ومنشأ الإنسان ويقرر أن أفريقيا هي مسقط رأس الإنسان الحديث وهو ينحدر من مخلوقات سابقة له على سلم التطور بناء على مشاهداته بتواجد غالبية سلالات القرود الاقرب للإنسان بما فيها الغوريللا في أفريقيا. وخرج الإنسان الأول من أفريقيا ليجوب ويؤسس تجمعاته في قارات العالم الأخرى. 
يرجع دارون التاريخ للخلف لتتبع الاجناس والسلالات التي تحدر منها الإنسان ويعتمد على الإكتشافات الجيولوجية للأحافير ولرفات متحجرة ويؤكد أن إفتقاد الحلقات الوسيطة لكثير من الأجناس والسلالات مرده للصعوبة البالغة في كشف بقايا عظام وأحافير يمكن إضافتها لسجلات الاحافير ولأن البحث عن مثل هذه البقايا لا تنحصر في اماكن محددة بل في مساحات شاسعة تحتاج لجهود كبيرة للكشف عنها. 
يحدد السلالات التي تفرع منها الإنسان وفي هذا الجانب من المفيد بيان التقسيمات الانثروبولوجية للإنسان وأصوله كما اثبتها المختصون كما يلي:.
Family: Himinoidea فبل ٢٨ مليون سنة
Subfamily: Homininea قبل ١٥ مليون سنة
Tribe: Hominini قبل ٦ مليون سنة
Homo Erectus. قبل ٣ مليون سنة
Homo Erectus اول من استخدم الادوات
Neanderthal: قبل ثلاثمائة الف سنة
Species: Homo قبل نصف مليون سنه
Homo Sapiens الإنسان الحديث ظهر قبل مائتا ألف سنة.
(يتبع)



----------------

في خلق الإنسان وتطوره. 
مهدي الرمضان. (٣)

يعتقد ان التزاوج تم بين Homo Sapiens وNeanderthal في فترة تزامن تواجدهما قبل ما يقارب خمسون لستون ألف عام.  
ويعتقد ان إنقراض سلالات النيندرتال كانت بسبب حروب الهوموسيبينس الاكثر قدرات والاذكى ضدهم. 
ويذكر بعض المختصين ان بعض فروع سلالات الإنسان تأثرت كثيرا بأسلوب التزاوج وكان لإختيار وتفضيل الذكور والاناث لشركائهم دور ايضا في ترسيخ صفات وراثية والابقاء على خطوط سلالات وإندثار خطوط أخرى. هنا مع ارتفاع نسبة الذكاء اصبح للذوق الشخصي قوة لا يستهان بها مقابل قوة الإنتقاء في تقرير مصير إنتقال المورثات للاجيال المتلاحقة. 
كما يقرر الانثروبولوجيون ان اول بوادر ظهور اللغات واستخداماتها بين افراد الانسان الحديث ربما ترجع لحوال خمسين الف عام وبإبتكار اللغة كاسلوب تواصل حدثت قفزة نوعية في تطور الانسان وسرعة تناقل الخبرات بين الافراد. 
وهذا الحدث المهم في التاريخ الطبيعي للإنسان ربما يكون هو الاهم على الإطلاق الذي كان بداية رسم لمدنية وحضارة الإنسان. طبعا بإبتكار الكتابة بأشكالها تعززت قوى وتزايدت وتبرة التطور الثقافي والمعرفي. المخاطبة الشفهية كانت تفعل فعلها في زمنها الآني وتتطلب من المتحدث والمتلقي القرب المكاني وجها لوجة بينما إبتكار الكتابة كان بمثابة إيجاد مخزن لحفظ الافكار وتناقلها عبر الازمان والتجمعات البشرية والمسافات الجغرافية وبذا توسعت المعرفة وتنافلت الافكار وسبق الإنسان كل المخلوقات في تطورة وسيطرته على ظروف حياته. 
بالرجوع لقضية الموائمة بين الفكر الديني للخلق وبين النظرية الداروينية في النشوء والإرتقاء، ربما اقول ربما ان المخرج يكون بتصور خلق ألنبي آدم وزوجه حواء كما جاءت به وأجمعت عليه نصوص الديانات السماوية الثلاث قد تم بعد ان بلغ تطور الإنسان عن طريق الإنتقاء الطبيعي وبلوغه مرحلة من التطور الفكري لإبتكار التخاطب اللغوي وبلوغه النضج الذهني الذي يؤهله لتلقي تعاليم السماء فجاءته عندها رسل ربه بأول الخليقة أدم ليضع له المناهج ويعلنه العبادة وليندمج معه في مصاهرات وتزاوج لخلق سلالات تختلط فيها جينات النبوة من أدم بجينات الهوموسيبينس ويصبح الجميع اسرة واحدة لها نقطة لقاء تاريخة مشتركة وخط مسير واحد لنشر النسل والتكاثر وألعمل على إعمار الأرض.  
هذا سيناريو رأيته الاقرب لإحداث المزاوجة بين الخالقية والداروينية.
فهل فعلا هدا ما حدث؟
ربما فلا أدعي صوابيته وربما يأتي من يكشف الحقيقة يوما.
فالعلم عند الله.  

(الخاتمة)
-----


التغيرات البيئية والتطور
حيدر موسى

قد نحتاج ان نتجاوز قليلا الكلام عن اثبات نظرية التطور عبر النظر الى الادلة الكامنة في الاحافير، الى الحديث عن التطور كواقع معاش حاليا او كواقع يمكن التنبأ بحدوثه في ظل المتغيرات المحيطة بالأرض. العصر الذي كان فيه داروين حيا كان معدل درجات الحرارة اقل ثمان درجات مئوية مما عليه الان، وكان تركيز ثاني اكسيد الكربون في تلك الفترة حوال 70 ppm بينما الان يصل 400 ppm. بمعنى ان هناك تغيرات جذرية حدثت للبيئة الحاضنه للحياة نتيجة النهضة الصناعية المتضاخمه يوما بعد يوما والضغط الهائل الذي احدثه الانسان على الموارد الطبيعية، فالمحيطات لم تعد هي محيطات ما قبل مائة سنة والغابات لم تعد نفسها الغابات ولا حتى باطن الارض الذي طالته يد التنقيب والاختلالات في الطبقات الجيولوجية.


من ضمن الدراسات التي اجريت حول تأثير الملوثات على تطور الكائنات، دراسة اجرتها جامعة نيويورك حول  استجابة الاسماك للضغوطات البيئية. حيث ان ما قبل منتصف السبعينات كانت المصانع تستخدم مواد فينيلية متعدد الكلور (PCBs) وهي مواد كيميائية خطره كان يلقى بمحتوياتها الى الانهار والبحار قبل ان يتم حظرها بعد ان ثبت تأثيرها على الجهاز المناعي والهرمونات للكائنات والاسماك. وقد لاحظ الباحثون ان بعض الاسماك قد عملت على التطوير من مقاومتها الداخلية لتأثير PCB من خلال التغير في عمل بعض البروتينات التي تتضر من تلك المادة.


وعلى اعتبار ان الارض مرت بتغييرات جوهرية على صعيد المناخ، فان العلماء يعتقدون ان المناخ هو من قاد عمليات التطور خاصة في الفترة التي تضاعف فيها نمو الاعشاب بعد عصر الجفاف العظيم الذي هيمن على القارة الافريقية. وهذا التحول في البيئة ساهم في وفرة الغذاء وعمل على التطوير من حجم الدماع البشري كما غير في السلوك العام للبشر وجعل منهم اكثر اجتماعية من ذي قبل. التحول الجاري في درجات الحرارة وان كان البعض يظن انه بسيطا الا ان تأثيراته على الانظمه الحيوية كبيره وعلى هذا تلجئ الكائنات الى اعادة تكيفها مع الاجواء الجديدة عادة من خلال تغيرات تطال بنيتها الجينية لتكون قادة على مواجهة ضغوط المناخ بشكل افضل.