السبت، 1 نوفمبر 2014

الحراك الأدبي في المنطقة


 


 
 
 
المشاركون:
 
1) كاظم الخليفة: بنية الشعر الملحمي الحسيني، أشعار ملا علي بن فايز نموذجاً
 
2) جاسم الصحيح: جيل يبدع صوته
 
3) أمينه الحسن: الحراك الأدبي النسوي في الأحساء
 
4) علي النحوي: الحراك الأدبي في المملكة

5) رياض السليم: الحراك القديم المتجدد

6) مهدي الرمضان: في تموجات الصوت وترميزاته، عشقنا الأبدي

7) رياض السليم: الأدب الراقي
 
 

 



جيلٌ يبدع صوتَه
 
جاسم الصحيح
 
الحركة الشعرية في الأحساء حركةٌ ذاتُ تاريخٍ قديم، تتواصل من خلالها الأجيالُ وتتَّسع الخارطةُ ليسكنها الأجداد والأحفاد دون أن يضيق أيٌّ منهم بالآخر. في الحديث عن الجيل الشعري الجديد، نحن نتحدَّث عن جيلٍ يبدع صوته الخاص به بدلًا من أن يكون حارسا للصدى، إنَّه صديق الريح ورفيقها على طريق البحث عن كلِّ جديد.
إنَّ أسماءً مثل (حيدر العبد الله)، (علي الدندن)، (عبد اللطيف بن يوسف)، (يحيى العبد اللطيف)، (أحمد جاسم)، (زكي الجبران)، (عدنان المناوس)، (عبد الله الهميلي)، وغيرهم من شباب هذا الجيل الذي لا يزال يخطو على سكَّة العشرينيات من العمر.. إنَّ أسماءً مثل هذه الأسماء بوسعِها أن تُطيل أعناق النخيل في الأحساء وتمتدّ بها إلى ما وراء الصحراء العربية. إنَّ بداياتهم لا تشي بخريفٍ يخذل الأغصان في حديقة الكلمات.. على العكس تماما، هذه البدايات تبشِّر بقدوم سربٍ أنيق من عصافير اللغة يجيد التحليق في فضاءات الجمال إلى أقصى مداها.
هؤلاء الشباب انتبهوا اوَّلَ ما انتبهوا إلى حقيقةٍ مهمَّةٍ مفادُها أنَّ كثيرا من الفشل في التجارب الشعرية سَبَبُهُ الإعجابُ الخطأُ بالشعراء السابقين إلى درجة محاولة تقليدهم والتأثر السلبي بهم. لذلك، حينما مرُّوا بمحطَّات مَنْ سبقهم من الشعراء مرُّوا خفافًا دون أن يتركوا في كتاباتهم آثارًا تشير إلى ذلك المرور.. إلا ما ندر.
ثانيا.. لقد استطاع هذا الجيل أن يجذِّر أقدامَ وَعْيِهِ في أرض المعرفة مبكِّرا، لذلك ارتفع رأس قصيدته إلى الأعلى.. فالمعرفة تكاد تكون المكتسب الأوَّل والأهمّ لهذا الجيل الشعري، وهذا أمرٌ طبيعيّ في غمرة الثورة المعلوماتية الراهنة.
ثالثا.. حينما تتفحص قصائد هؤلاء الشباب ، لا تجد تلك الجَلَبَةَ التي تصمُّ آذان المشاعر ولا ذلك الصخب الذي يُفزع الأحاسيس ، وإنَّما ترى القصائد ملوَّنة بالرؤية وموشَّحة بالشفافية.
خذ مثلا هذه النماذج من كتاباتهم ابتداءً بالشاعر (عبد اللطيف بن يوسف):
أخافُ من الفكرة المهملةْ
وقد نُسِيَتْ في دروب المعاني
لماذا يمرُّ الذكيُّ عليها ولا ينتبهْ ؟!
إلى أنْ تُصاب بضعف المناعة والهلهلةْ

ويقول الشاعر المذهل (حيدر العبد الله) في قصيدته الوطنية البديعة التي فازت بجائزة شباب عكاظ:
وطنٌ لم تكبح الشمسُ رمالَهْ
عطشُ الآمادِ لم يُنهكْ صُهالَهْ
رحلةٌ تأخذُهُ من حقبةٍ
نحو أخرى، والمسافاتُ سُلالةْ
كلَّما جاءَ على ذاكرةٍ
سارَ عنها مالئًا منها سِلالَهْ

اما الشاعر (يحيى العبد اللطيف) فيتوهَّج عبر حميميته مع ذاته في هذا النموذج:
كان الضياعُ دمي والحبُّ سكِّيني
وحارةٌ في ضواحي الشعرِ يُؤويني
تَصَعلَكَتْ في منافي الوقت ذاكرتي
وأَدمَنَتني مع الشكوى، تلاحيني
أنا الوحيدُ بدربٍ لا رفاقَ به
سوى القصيدةِ أحدوها وتحدوني

بينما يجترح الشاعر (أحمد جاسم) تعابيره الخاصة عن الموسيقى:
عندما يقتربُ الألمُ مني، أدخل في شفة الموسيقى وأُقبِّلُهُ
الموسيقى فرصة الجمادات لارتكاب الحياة
الموسيقى تفسيرُ الجناحِ الذي لا شهوةَ لهُ سوى عنق السماء
الموسيقى رعشةٌ تعلو، وعُلُوٌّ يرتعش.
على الموسيقى ألاّ تَقفَ كَي لا نقَع

وأختتم هذه النماذج بنموذج فاتن من غزليات الشاعر (عبد الله الهميلي):
أفتِّش أرشيفَ الأماني لعلَّني
أُقَطِّفُ من مأوى عيونِكِ أنجما
من النظراتِ الغِيدِ حاورتُ روحَها
طويلًا طويلًا دون أن أرتوي ظَمَا
على عزلة المعنى بأيقونةِ الهوى
أسيرُ بلا دربٍ.. أتيهُ مُهَوِّما

كلُّ هؤلاء الشعراء وأكثر يمثِّلون هذا التيَّار الشعري الأحسائي الجديد الذي يتجلَّى واحدا في إبداعه، إلا أنَّ كلَّ موجةٍ لها لمستُها الفريدةُ على شاطئ اللغة، ولها سحرها الخاص في ملامسة الكلمات وإحالتها إلى أجنحةٍ ملوَّنة تحلِّق في حديقة الوقت كي تضيف رونقًا جميلا على أشجار الحياة



 

 
 
الحراك الأدبي النسوي في الأحساء
 
أمينة الحسن



الحراك الأدبي النسوي في الأحساء على وجه التحديد مازال ينمو ببطء ، رغم وجود عدد لا بأس به من الأديبات و المثقفات و الموهوبات - غير المختبئات - إلا أن الوضع الاجتماعي و الظروف الشخصية في الغالب هي ما تجعل من الحراك الأدبي خارج دائرة الضوء . و الأسباب بشكل آخر قد تكون
1- طبيعة البيئة الملتزمة دينيا (البيت نفسه أو محيط الفتاة بشكل عام و الذي قد يمثل القرية بحكم تعدد المناطق و اختلاف العوائل في الاحساء ) .
2- انعكاس النقطة اعلاه
على شخصية الفتاة ، من حيث عدم رغبتها في الظهور (اختيار اسم مستعار ، الكتابة في موضوعات معينة و تجنب موضوعات أخرى ) .
3- عدم توفر أدوات تنمية الموهبة و النقد بأوجهه الصحيحة .
و عليه لا يوجد ملتقيات أو منتديات أدبية نسائية معروفة باستثناء بعض التجارب الخاصة و المحدودة .
كما أن دور النادي الأدبي بالأحساء - القسم النسائي خاصة - ما يزال بحاجة للعمل على تفعيل برامج أكثر شمولية و أرحب في قبول التعددية . كما لا نتسى أن هناك أديبات و كاتبات معروفات استطعن أن يتجاوزن تلك الظروف و المضي قدما.
 



الحراك الأدبي في السعودية
علي النحوي 

قرأت بشكل سريع ماكتب عن الحراك الأدبي في المملكة أعلاه ولا ارى كثيرا مما كتب بمكانه.
إن الحراك الأدبي مرتبط بالحركة الثقافية والفكرية والفنية ولايمكن أن ينصل عنهم ، ونظرا للحرمان الذي فرض بطريقة ما على المنطقة ، ثم وجود فرصة حضور وإنجاز وكون الأدب هو الصوت الأقدر على التورية والمجاز ، فإن الجانب الإبداعي الفني قد تطور بشكل مدهش ولافت ، مما جعل رجل كأدونيس يقول أتابع باهتمام الحراك الأدبي في المملكة .. المملكة شكلت حضورا مهنا في الشعر والنقد والرواية وأصبحت تتصدر المشهد ، بعيدا عما يحدث في مؤسساتها الثقافية التي لم تحقق أهدافها لملابسات كثيرة ، إن السعودية في نهضتها الأدبية صعد رموزها سقف هذا المنجز ليمتد إلى تصاعد ملحوظ في الخطاب الفكري والثقافي مما جعل السعوديون يسهمون في الحركة الثقافية بشكل فاعل ، ومع انفتاح وزارة الثقافة أصبح معرض الكتاب في الرياض من أهم المعارض العربية وارفعها سقفا في حرية النشر مع وجود ملاحظات بسيطة ، ليمتد ذلك إلى إصدارات لم يتوقع أحد أن تصدر في المملكة كإصدارات الغذامي والبازعي ومعجب الزهراني ومحمد العلي وعلي الرباعي وغيرهم ، ثم تصدر الرواية السعودية وحصولها على جائزة البوكر في دورتين متلاحقتين مع وجود أسماء مهمة في هذا المضمار .
المشهد الأدبي في المملكة يمتد ويتسع بشكل مفاجيء للمتابعين والمهتمين ولعل القصيبي ولمقالح قد أشارا لذلك.
قد تكون الجهود الأدبية فردية وليست مؤسساتية وهذا مايجب أن يكون ، وقد يكون الإعلام لايخدم هذا الحراك بشكل جيد إلا إنه انجب أسماء كبيرة ذات حضور عربي ومازالت.
إن نظرة سريعة على إصدارات نادي الأدبي وحده منذ تأسيسه ينبينا عن ذلك ، وبشكل عام هناك مايطمئن بأن الحركة الادبية في المملكة في تصاعد ،،، تحية
 



 
الحراك القديم المتجدد
رياض السليم
 
 
لا يمكن لشخص ان يقرأ المشهد الادبي قراءة كاملة وهو منغمس في احد ازقة الادب دون ان يدري ماذا يدور في الزقاق الآخر.
ولا يمكن ان يبدي رأيه في الزقاق الذي هو فيه اذ لم يعرف اسلافه الاوائل و المتأخرين الذين بنوا وشيدوا هذا الزقاق.
لكي نقدم قراءة متكاملة للمشهد الادبي بحاجة ان نخرج من مدينة الأدب ونصعد على الجبل فتتضح لنا الرؤية ونستطيع ان نصف المدينة زقاقا زقاقا وعلى حد تعبير القذافي زنقة زنقة.
فمثلا لرصد المشهد الادبي الاحسائي لا يمكن فصله عن ادب الطف بكل الوانه ومراحله بدأ من الشعر و انتهاء بالمسرح و التشبيه.
بل يمتد لمعظم المناسبات الدينية وان كان بشكل اقل.
ورصيد الشعراء من معاني وصور و الفاظ يأخذها من بيئته بالدرجة الاولى.
ومقياس الحراك الادبي النسوي لا يمكن حصره في الانماط الحديثة و المطبوعة رسميا.
فمثلا الشعر النسوي لدى الملايات و المطوعات بعضهم سنويا تطبع لها بعض الدوواين ويوزع ويتم تداوله بين الملايات.
فمثلا المطوعة ام سلمان حافظة للقرآن وحافظة للفخري ولكثير من الكتب والدواوين وكانت تعمل مطوعة في تعليم الاطفال القرآن الكريم ولكن توقفت قبل ثلاثين سنة بسبب عزوف الناس عن الكتاتيب والتوجه للمدارس الحديث وشاعرة وتكتب الشعر الحسيني.
هذا نموذج ادبي يعتبر مصدر اساسي لتغذية مجتمعنا ادبيا خصوصا ان معظم الامهات يستمعون لادبها ليل نهار فمن من المهتمين بالحراك الادبي سلط الضوء على هذا النموذج ودرس وبحث عنه.
لكي نستطيع ان نقرأ قوة الحراك الادبي لا يمكن الا من خلال مقارنته بالمناطق الاخرى وايهما أكثر تأثيرا على الآخر.
وكذلك من خلال تنوع الموضوعات والاغراض ومدى تفاعل الادب مع مجتمعه وقضاياه بحيث يكون هو قلب المجتمع ولسانه الناطق.
ويكون الادب هزيلا والحراك ضعيفا اذا فقد هويته وتناول،موضوعات وقضايا لا تمت بصله لمجتمعه وواقعه بل استوردها استيرادا اعمى ينطق بلسانه ولكنه يشعر ويفكر بقلب وعقل غيره.
والحراك الادبي في الاحساء يبدو لي كمحب للادب يعيش خارج البلد وخارج المجتمع الادبي
ان الحراك الادبي في الاحساء و القطيف يتميز بالإصالة فهي تجربة فريدة ومميزة وليست اسنتساخا او انعكاس او امتدادا لتجارب اخرى.
والادب في المنطقة لم يكن مجرد ادب فقط بل تحول الى عنوان للثقافة بحيث قلما لا نجد احدا يعمل بالثقافة الا ولديه اهتمامات ادبيه بل وفي كثير من الاحيان نجد ان الادب كان الانطلاقة للمثقفين والمفكرين الكبار.
وللامانة العلمية يجب ان يقال ان الحراك الادبي في المنطقة استفاد من تجارب المجتمعات الاخرى التي سبقته كمصر و العراق ولكنه لم ينطلق من الصفر ولم يسر على نفس خطاهم ومنوالهم.
بل انطلق من تراثه الخاص به ومن بيئته الحضارية الخاصة به.
فكان لونا جديدا تميز بالرشاقة والجمال والاصالة.
خاض تجربته في التجديد بما يناسبه و يناسب حاجاته ولم يعش عقده ومأساه في هذا الصدد كبعض المجتمعات التي تاهت ولم تجد طريقا سليما للتجديد.
فاعلنت القطيعة مع تراثها وارتمت الى احضان تراث غيرها فتلوثت ذائقتها وضاعت سليقتها ولم تحافظ على هويتها ولم تستطع اللحاق بغيرها.
امحا الحراك الادبي عندنا لم يعش الرجعية مع التراث الادبي والانغلاق عليه.
بل تجاوزه وثار عليه ثورة خضراء ناعمه فاصطبغ الحراك بلون الحكمة في التعامل مع التراث ومع الفنون الادبية الجديدة الوافدة.
وهذا الحراك الادبي اراه شبيها الى حد كبير بالحراك الديني بل ارى متقاطعا معه في عنواين كثيرا بحيث كل واحد منهما يوظف الآخر في تحقيق طموحاته و في أحيان أخرى تتوحد الهوية ويكون احدهما مصداقا للأخرى.
وهذا ما يميز مجتمعنا و الحراك فيه من قديم واستعراض الامثلة و الاسماء يطول المقام بها وهي لا تخفى عليكم.
 
 
 
 

 

 
 
[١] "بنية الشعر الملحمي الحسيني، أشعار ملا علي بن فايز نموذجاً"
كاظم الخليفة
 

مقدمة:



ليس من أولويات هذه القراءة المحددة بأدب الملحمة الحسينية أن تذهب إلى بدايات حضور الشعر الشعبي في الخطاب الديني إلا بمقدار كشفها عن المحيط الثقافي الحاضن والمولد لهذا النوع من الإبداع الأدبي.
فبروز أدب الملاحم، ترافق مع ظاهرة نمو الشعر الشعبي في الجزيرة العربية وضفاف الخليج العربي، وتعدد قوالبه الفنية والإبداعية مثل الزهيرية والأبوذية والسامري والأوزان الشعرية المستحدثة علي يد محسن الهزاني.
قد يمدنا التاريخ الموثق والمكتوب ببعض النصوص الشعرية الشعبية مثل ابن خلدون في مقدمته، لكنه ليس توثيقا للبدايات. وكذلك لا نعرف بدايات نمو الشعر الشعبي في بيئتنا المحلية، وإن كان أسم الشاعر أبي حمزة العامري يبرز كأول شاعر أحسائي عاش في القرن التاسع الهجري ووثقت بعض اشعاره في كتاب، وإن كان لمؤلف مجهول!

 
أما عن الظروف الاجتماعية والثقافية التي أتاحت للشعر الشعبي بالنمو والازدهار، فهناك من يرجعها (الباحث خير الله سعيد)إلى عاملين: انحدار المستوى الثقافي وتخلي الشعر الفصيح عن مهماته كمعبر عن روح المجتمع لانفصال خطابه عن شريحة عريضة من المجتمع الأمي. والعامل الثاني سياسي اقتصادي جاء كنتيجة لممارسات الدولة العثمانية التي شجعت الإقطاع الزراعي ومارست خطط ضريبية خاطئة جعلت من قطاعات كبيرة من الشعب ترزح تحت خط الفقر. هذان العاملان أثرا على الجو الثقافي ودفعا بالشعر الشعبي للنهوض بما قصر عنه الفصيح كمعبر عن هموم المجتمع الذي تعصف بكيانه الأمية.
فكما لا يوجد توثيق لبدايات الشعر الشعبي، أيضاً لا يوجد توثيق لأول ملحمة شعرية شعبية في ثقافتنا العربية تسبق ملحمة عنترة وتغريبة بني هلال. سيرة سيف بن يزن تبقى الأولى من حيث تاريخ الشخصية، لكننا لا نعلم متى تحولت من حكاية شفهية إلى ملحمة مكتوبة، لأن كمية الأسطورة في بنيتها تغاير الأحداث التاريخية للملك سيف ابن يزن واليمن، وكذلك لا تعتمد كثيراً على الشعر بل السرد. وهذا ما يخرجها عن نطاق الملحمة.



أما على مستوى الملحمة الحسينية التي توثق سيرة الإمام الحسين عليه السلام شعرا، فنحن لا نستطيع الجزم بمن كان رائدا لهذ اللون من الأدب الشعبي. لهذا نستطيع وضع أسم الشاعر علي بن فايز الحجي من ضمن الرواد الأوائل الذين كتبوا الملحمة الحسينية. وكذلك نستطيع وضع تاريخ محدد لوفاته (عام ١٣٢٢هـ) في مدينة سترة بالبحرين، إلا أننا نجهل تاريخ ولادته وإن كان من المؤكد انه من مواليد الاحساء - منطقة الرفعة الشمالية.
هاجر الى البحرين واشتهر كخطيب حسيني، ثم بعدها أشتهر كصاحب مدرسة يجدد في الأساليب الشعرية وفن الصوت والألحان التي باتت تعرف ب(طريقة بن فايز). كتب الشعر الحسيني متأثرا بالثقافة الشعرية المحلية. وهذا ما ينكشف بمقارنة بسيطة بين شعره وبين شاعر أحسائي آخر هو سليم عبد الحي (توفي عام ١٣٢٠هـ)، حيث لم يتأثر بن فايز بفنون الشعر العراقي الشعبية مثل الأبوذية والزهيرية.. بل كان المعبر عن ثقافة بيئته.
للموضوع بقية،،، كاظم الخليفة

 

 

 
 
[٢] "بنية الشعر الملحمي الحسيني، أشعار ملا علي بن فايز نموذجاً"
 
 
أدب الطف الشعبي والأساليب التعبيرية:



يتميز أدب الطف في لونه الشعبي، بفرادة تجعله ينتسب إلى فنون أدبية وشعبية عديدة، ترفده بأدوات وأساليب تعبيرية مثل أدب الملاحم، والفلكلور، والمنولوج، والموال... فمنها يتخذ صفته الشعبية، لكنه في المضمون الفكري يتجرد من هذه الصفة وينهل من حقائق دينية تدفعه إلى أن يحلق بعيدا عن الأسطورة ويتخذ السمة المتعالية والقيمة الإيمانية الرفيعة.
فبالرغم من التزام الأدب الشعبي بما ورد في أدبيات السيرة الحسينية، إلا أنه وفي سعيه للتعبير عن أحداثها إبداعيا،
يقوم بإخراج الحدث بما يتلائم وثقافة مجتمعه، وكذلك حسب ما تنتجه مخيلتة من صور شعرية بلغة سهلة وواضحة. هذه البساطة في اللغة هي من تبعد الشعر الفصيح عن كتابة الملحمة الشعرية لارتفاع مستوى لغته عن اللغة المحكية باعتبارها ركنا أساسيا في بنية الملحمة. وهناك سبب آخر يضاف إلى اللغة، فبالرغم من أن الشعر الفصيح، كما الشعبي، وعند تناوله لواقعة الطف يتخذ نفس الآلية في التوفيق بين المخيلة والحدث التاريخي، لكنه أكثر حرصاً على الالتزام بالمنطق والتيارات الفكرية السائدة من الأدب الشعبي الذي تتحكم فيه الآلية النفسية، حسب فرانز كراتسي. وأيضاً، ليس كل شعر شعبي يعتبر ملحمياً حتى يحقق باقي الشروط التي اتفق عليها النقاد وأساتذة أدب الملاحم وسوف نتعرف عليها فيما بعد.
المهم الآن وقبل البدء، علينا التقديم بملاحظة مهمة على الملحمة الحسينية من كونها تخرج عن نطاق "نظرية البطل الملحمي النمطية" والتي يشرحها الدكتور غسان مرتضى بعد استقرائه لجميع ملاحم الشعوب وقام بصياغة ذلك في نظرية: (سنجد أن هناك تشابهات نمطية بين جميع أبطال الملاحم، وهذه التشابهات تصل أحياناً إلى حد عجيب ، فكلهم يولدون ولادة خارقة ويشفون في طفولتهم عن بطولات خارقة ويعانون في مشكلة الحب ويموتون من مكان محدد في أجسامهم). لذلك تخرج شخصية الإمام الحسين عن هذا التنميط لأن له وجود حقيقي في التاريخ وسيرته مغايرة تماما لهؤلاء الأبطال. وكذلك هو من القداسة بحيث لن يجرؤ أي شاعر شعبي على النيل منه بتزييف تاريخه.
للموضوع بقية،،، كاظم الخليفة



[٧] "بنية الشعر الملحمي الحسيني، أشعار ملا علي بن فايز نموذجاً"
 
 
الفصل الثاني: الرحيل.. "ضعن" يبحر فوق بحر من دموع:
اليوم الثاني من زمن الملحمة هو الخروج من المدينة. الإمام الحسين وعائلته يشدون الرحال نحو مكة لحشد الأنصار والتثبت من صحة وعود أهل الكوفة من خلال التقاء الإمام بالوفد العراقي الحاج.
لكن الرحيل هو علامة الفراق الذي لا لقاء بعده بالنسبة إلى ابن الحنفية:
((يـبكي مـحمّد والـدمع بـالخدِّ مـنثور يـحسين ريّـض الضّعن باودّع هلبدور
اِيـنادي يـخويه والدمع بالخدِّ غدران ريّـض لـضعن يحسين باودّع الشبّان
لاويـن شـايل يـا بـقيّة آل عـدنان يـحسين مـن بعدك علينا موحشة الدور
اِتـزفّر مـحمّد وانـتحب واَهمل العبره اُوضـمّه ابصدر اُوحبّ راسه اُوشمّ نحره))
بقدرية آسرة يودع ابن الحنفية الإمام، وكتأكيد على موقفه، نراه يحث شباب العائلة في عدم التواني عن نصرة الإمام:
((اُونـادي على اَخوانه اُوهو يجدب الحسره دوروا على ايميني اُوعلى اِشمالي يلبدور يـا حـسين اُوصيكم ترى هو علّة الكون لَـيكون يـا نـجوم السعد والعزِّ لا يكون لـو ضـاقت احـلفها عن الوالي تحيدون جولوا على الأعداء اُوحوموا حوم للصقور))
فكما قبل ابن الحنفية بقدر الإمام الحسين واستشهاده، قبل بذلك إيمانا واحتسابا، إلا أنه يبكي قدره (مرضه) الذي حال بينه وبين نصرة أخيه، متذكرا فروسيته في معارك والده، الجمل وصفين:
((لـولا القضا واللهِ ما نرضى ولا نطيع وآنـا غـرامي نازلة بساعة المفزاع
بـالأمس يوم المرتضى والعلَم منشور يا ما على العدوان حمنا حوم لصقور
يا ما هدمنا اِصفوف أعظم من بنا السّور والأرض ما نشفت ولا طير الفلا جاع
يـحـسين مـتـفيد التماني والتزافير طـيرٌ بلا جنحان ما لـه مقْدَرة اِيطير
بـيني اُو بـين ابن النّبي حالت مقادير وآنــا الـذي بالزلزلة ما قلبي ارتاع))
ينتهي اليوم الثاني من الملحمة بخروج الإمام (ع) من المدينة، وشاعرنا ابن فايز يتحرك مع الزمن الملحمي مستمرا في التواري خلف المتحدث الرئيسي في هذا الفصل وهو محمد ابن الحنفية، شارحا أهداف الثورة باعتبارها ضرورة دينية وتكليف إلهي لا يملك الإمام الحسين إلا الامتثال له.
لا يكتفي ابن فارس بابن الحنفية كشارح لسبب الخروج، بل يعزز ذلك بحوارية شجية بين الإمام وقبر جده (ص):
((فـي داعَـة الله يـا قـبـر جدّي يمبرور عـنّك اِمـسافر بالحمولة اُو غـالق الدُّور
مــا هـو اِبـطيبي سفرتي غصباً عليّه طـيـبـة أخـلّـيـها واَروح الغاضريّه)).
ثم يأتيه الجواب من القبر:
((يـحسين روح الغاضريّة اُو غـلّق الدور يـحسين ما لـك في المدينة قبر محفور
غـلِّـق مـنـازلنا اُوروح الـغـاضريّه ولا تْـخـلّي إبطيبة اِمن اُولادك بـقيّه))
يطيل الشاعر ابن فارس في زمن الخروج، وتتعدد مشاهد هذا الفصل لأنه عقدة الحكاية المقدسة وثيمتها. لذلك يجري حوارات كثيرة: بين الإمام وقبر جده، ومع قبر والدته السيدة الزهراء وأخيه الحسن وابن الحنفية وأم سلمة.. ، فخروج الإمام هو بمثابة مانفيستو لبنود الثورة ورسالتها.
للموضوع بقية،،،
 
 
 
 
 
 
[٨] "بنية الشعر الملحمي الحسيني، أشعار ملا علي بن فايز نموذجاً"
 
الفصل الثالث، مكة وكربلاء.. وسجال حول المقدس: عند حديثه عن خروج الإمام الحسين عليه السلام من مكة متوجها نحو العراق، يحافظ الشاعر ابن فارس على الموضوعية في شعره. وتتعدد المشاهد في هذا الفصل من الملحمة حتى تعالج قضية مهمة: رحيل الإمام (ع) من مكة قبل شعيرة عرفة بيوم. لذلك يخلق الملا ابن فارس صور ومشاهد مختلفة تخدم حدث الخروج من زاوية شرعيته.
هنا يحل عبدالله ابن جعفر ويبرز في المشهد الأول محل ابن الحنفية. فمن خلال حواره مع الإمام تتضح فكرة الرحيل عن مكة، لكن كيف أخرج المشهد بن فارس؟
وكذلك تبرز موهبة الملا بن فارس عندما وسع أفق المسرح بحيث لم يكرر ما خلقه في مسرح المدينة. يحرك بن فارس كاميرته ويختار زاوية التقاطها من على مشارف عرفة. قافلة تتحرك عكس السير الطبيعي في الثامن من ذي الحجة مغادرة الصعيد الطاهر. عبدالله ابن جعفر يلحظها باستغراب ويرسل ولده حتى يستطلع الأمر. لكن سرعان ما يعود ولده باكيا ويخبره عن هويتها:
-قلّه اُوهو ايجاذب ونينه
هذي الظعينة اللي راينه
ترى نور سلطان المدينه
بلكت الكوفة امكاتبينه
ثم يشارك الأب أبنه في توقعه بأنها قافلة الامام الحسين وهي متجه إلى العراق:
-اتزفّر اُوهو ايجاذب ونينه
لا يكون هذا القاصدينه.
يذهب ابن جعفر إلى الإمام مستوضحا فيخبره الإمام بأن له شعيرة حج مختلفة:
-حـجّـي مـهو بالحج حجّي يوم عاشور جـسمي الكعبة والحجر نحري المنحور
اُوحـجر النّبي اِسماعيل الأكبر المبرور اُوأمّــا مـبيتي في منى في الغاضريّه
عندي ضحايا يا افضل الموجود في الكون أفـضل مـن اللي كان واللي بعد بيكون.
يشفق عبدالله ابن جعفر على الإمام ويعطيه خيارا آخر بدل من بقاءه في مكة:
-يقلّه اُوقلبه يوقد اُوقيد
اُودمعه على الخدّين تبديد
ردّ الظعن يابن الأماجيد
اُوخل الفيافي اُوقطعك البيد
اُو باَرض المدينة عيّد العيد.
لكن الإمام الحسين يخبره بأن خروجه من مكة وتحلله من إحرامه جاء بطلب من جده وليس هناك مجالا للتراجع:
-قلّه اُو عبراته جريّه
جدّي النّبي اُو عزّه إليّه
جاني ابظلمة هالعشيّه
اُوظمني اُو وصاني ابوصيّه
جد السرى صبح اُومسيّه
إنته وهل بيتك سويّه
اُوخيّم اِبأرض الغاضريّه
وانا ممتثل هذي الوصيّه
قوله ترى واجب عليّه.
كل ما يستطيعه، شاعرنا ابن فارس بعد حديث الإمام هو أن يقبل بهذا القدر كما قبله الإمام نفسه. لكنه من جهة أخرى يهدئ شجنه ويسكن لوعته بوضع حوارية افتراضية ثانية، بين مكة وكربلاء، وينحاز إلى كربلاء في افتخارها:
الـغـاضـريّـة ما مثلها الغاضريّه
فازت على الكعبة اُو سماوات العليّه.
لكنه سرعان ما ينتبه إلى أن ذاتيته بدأت بالبروز، فيتوارى عن المشهد ويبقى محصورا بين مكة وكربلاء:
-الـغـاضـريّة اِتقول للكعبة اِنحطّي
عن شرفي بالْلي ثووا في جنب شطِّي.
مكة لا تقبل ذلك من كربلاء حيث لم تحافظ على الإمام سليما في ارضها ولم يروي مائها ظمئه. انها لم تكتفي باعطاشه، بل ارتوت هي من دمائهم:
-قـالت بدا منّك على المظلوم تقصير لـيـتك نبعتي ماي يوم أنّه حفر بير
اُومـاتوا عطاشى واِرتويتي من دماهم.
في هذه الحوارية تتضح تفاصيل أكثر عن الواقعة لأنها مخطوطة سابقاً على "اللوح المحفوظ. إرادة إلهية مما أدى إلى أن تكسب كربلاء الجولة، وبالذات أنها ستصبح مكاناً يحتوي في باطنها هذه الأجساد الطاهرة:
-آثــرنـي الله بـالـشـرف ما تنظريني عـافـك اُوطـيبة عافها اُوجـا قصد ليّه
لـمّن نـزلني اِحسين طـابت بي الأماكنْ فـضـلٌ مـن الله اُو فـضل ذرّيّة نبيّه.
وهذا ما يؤكده الشاعر أيضاً بقوله: ((بالأمس انتي اتراب اُوصرتي اليوم "تربه")). موضع السجود وقبلة الأرواح العاشقة.
للموضوع بقية،،،
 
 
 
[٩] "بنية الشعر الملحمي الحسيني، أشعار ملا علي بن فايز نموذجاً"
 
 
الفصل الرابع، مسلم ابن عقيل.. أول نقطة دم في مداد قلم الملحمة المقدسة:لعل هذا الفصل هو الأكثر وضوحا وانطباقا على المعنى العميق لأدب الملاحم الشعرية. كل شيء معد وباحترافية شديدة. فقط دع ابن فارس يقرأ أشعاره، ستتجسد تلقائيا شخصيات الملحمة أمامك على مسرح المخيلة. يتحاورون حتى يختفي صوت الشاعر ولا يبقى سوى الحدث.
(المشهدالأول)
طوعة تخاطب مسلم ابن عقيل:
اتنحى يها لواقف على الباب
وامضي لاشغالك ولسباب
يجاوبها مسلم:
نادى عليها بادمع سكّاب
انا غريب ضيفيني لك اثواب
تحتل طوعة الشخصية الرئيسية الثانية في هذا الفصل من الملحمة بعد مسلم. فطوعة في المشهد الأول تسأل ومسلم ابن عقيل يجيب، ويكشف لها عن دوره في الثورة الحسينية وحمله لرسالة الإمام الحسين إلى مجتمع الكوفة الذي أخل بوعوده.
(المشهد الثاني)
طوعه وولدها:
- قالت اُو منها تهمل العين
يابني لا تسألني مهو زين
- قلها دخبريني ولا تخفين
قالت ترى مسلم اتى الحين
يطلب الملجأ ماله امعين
عند حدوث الصدام والقتال بين مسلم ابن عقيل وجيش ابن زياد، لا تفارق طوعة المسرح. فهي الراوية لتفاصيل المعركة بجانب محاولتها تعنيف قومها وتذكيرهم بنقض عهودهم مع مسلم. لكنها تعلم أن المعركة محسومة لعدم التكافئ، فرد يقابل جيش متكامل إضافة إلى الخديعة الحربية التي غدر فيها أهل الكوفة بمسلم:
لـحد يـمسلم خانت ابعهدك الأنذال
لـكن بديت المرجلة يا فحل لرجال
لـولا الـحفيرة والقضا وافق الحيله
ما صابك ابن ازياد بارجاله اُوخيله
لـكـنّهم يوم الحرب صابوك غيله.
(المشهد الأخير)
تفاصيل استشهاد مسلم في قصر الحكم. لذلك تختفي طوعة من المسرح، فتتعدد الأصوات المتحاورة مع مسلم: الحاجب، عمر ابن سعد ابن زياد، ومسلم هو المحاور الرئيسي. وهنا تكمن مقدرة شاعرنا ابن فراس في إجادته لمهارة التواري خلف تلك الشخصيات:
مسلم عند ابن زياد :
- يمسلم سلم واحتشم زين
وقله يمير المؤمنين
- اُوحق الذي كون الكونين
ما لي امير غير لحسين.

لا ينتهي المشهد بالمحاورة الأخيرة بين مسلم وابن زياد لتنتهي باستشهاده مسلم. هنا شاعرنا ابن فارس لا يقفل الستارة ويرثي ابن عقيل، بل نجده يمنح طوعة مساحة أخرى للبوح فقد آلمها تفرد جيش الكوفة بمسلم. طوعة تبعث برسائل تستنهض فيها عشيرة مسلم؛ فتارة توجه خطابها إلى عمه الإمام علي (ع)، وتارة أخرى تستحث آل أبي طالب.
ليس هذا فحسب، بل حتى السيدة زينب تشارك طوعة في استنهاض ابطال القبيلة للدفاع عن مسلم:
يـا لـيـتـكـم جيتونه يا آل غالب قوموا
يـا ولاد عـبـد الـمطلب يا ليتكم جيتونه
وضـعوا حبل بارجوله اُوقاموا اله ايجرونه
مـسـلم جـنـازة امعطّلة ما جيتوا اتدفنونه
دفـنـوا اجـنازة مسلم يا آل غالب قوموا
يـهـل الـفـخر والشيمة ماذا التواني منكم
مـاجـاتـكم اخباره ما حـد لـفى خبّركم.
للموضوع بقية،،،

 
 
 


الادب الراقي
رياض السليم
 
 
الحراك يعني اختلاف في وجهات النظر و تعدد الآراء.
ام الجمود هو عبارة نسخ مكررة لمخلوق ممسوخ خلق له عقل لكن لا يفكر به.
وازدهار الادب هو انعكاس لتطور الذوق العام ورقيه في كل مجالاته.
فتعذب الالسنة وترتقي كلمات التخاطب وتحترم الذوات اكثر فاكثر فتسود لغة الاحترام في الاوساط الاجتماعية مما يولد مجتمع راقي طموح عزيز لا يرضى بالذل و الهوان .
وترق القلوب وتتهذب المشاعر وتصقل المواهب مما يجعل الانسان ملاصق لهويته الانسانية اكثر فاكثر فيولد المجتمع المتماسك المتراحم المتكافل الذي تحكمه لغة الحب والمودة .
هذا الكلام لو حافظ المجتمع على الحراك الادبي الذي يسير نحو الادب الراقي الذي يحافظ على اتزانه ومسيره نحو الاخلاق و الاحترام.
اما لو ساد الادب المنحط على مجتمع ما فتلك دلالة على انحطاط ذلك المجتمع.
ومتى ما سيطرت لغة الكراهية و الكلمات النابية والغرائز البهيمية على الادب وغابت لغة المحبة و الطهارة،و الكلمات الراقية و الجميلة ولغة العقل و الاخلاق فتلك اشارة على فساد الذوق وانحطاط المجتمع.
والحراك الادبي بالاحساء بلغة سامية رفيعة راقية تكشف عن روح جميلة ورائعة ترنو للمعالي تعيش في جسد المجتمع الاحسائي.
واكبر دليل على ذلك ان الاحساء هي المنطقة الوحيدة التي نجد الشعر الفصيح فيها اقوى من الشعر الشعبي ورواجه اكثر من رواح الشعبي.
وكذلك حتى الآن لم ينجرف أدباء الاحساء نحو الشعر الطائفي العدائي الذي يطفح بلغة الكراهية نحو الآخرين.
ولم ينجرفوا نحو الاباحي او الساقط الذي يجعل الامور المستكرهة و المقرفة مادة له.




 

 
في تموجات الصوت وترميزاته، عشقنا الأبدي
مهدي الرمضان
 
"ما يلي تموجات صوتية لمبدع"
على السهول التي تمتد في لغتي
ما زال ينمو معي عنقود موهبتي
«بضع وعشرون» شدت رحلها.. وأنا
أنا.. المعتق في إبريق تجربتي.
"من ديوان ما وراء حنجرة
المغني"
للشاعر المبدع: جاسم الصحيح.
بدأت اللغة بصوت اطلقه من حنجرته الإنسان الأول.
تموجات ذلك الصوت حملها الهواء وفي مضامينه كمنت المعاني والدلالات.
عبّر الصوت بدلالته عن معنى ضاغط إختلج في نفس ذلمك الإنسان فكان لابد له من ان يخرجه ليوصله لشخص آخر.
مذ ذلك الوقت لم يصمت الإنسان أبداً وتحولت تموجات أصواته لمختلف لغات العالم.
تشكلت لغات الارض المنطوقة المختلفة من تعدد إتفاقات البشر وتراضيهم في كل منطقة جغرافية على تعريف معاني الاصوات وبعدها تطورت اللغات بترميز الاصوات برسوم فكانت اللغات المكتوبة.
اللغة المنطوقة والمكتوبة هدفها أن تعبّر عما يكنه ويتناقله الافراد بينهم من أفكار وتطورت بتطور البشر ومفاهيمهم وإدراكاتهم وحاجاتهم لتصنع لغات تتخاطب بها العقول. عراقه ورسوخ اللغة بمقدار إتساع المجالات المستخدمة بها وإتساع الرقعة الجغرافية لمتحدثيها وتقاس قوتها الفاعلية بدقة تعبيراتها عن المحسوسات والمجردات وثبات معانيها وعدد المترادفات بها لكل معنى من معانيها.
يؤكد علماء الآثار والحفريات (الاركيولوجيا) ان بداية توظيف الإنسان الأول لتذبذبات الأصوات في التخاطب لم تتم إلا بعد ان تطور حجم دماغه لما يقارب لما لدى الإنسان المعاصر وتلك الفترة ترجع تاريخياً لما قبل حوالي مليون وخمسمائة ألف عام.
من خصائص الدماغ البشري تذوقه الجمال بأنواعه والطرب للتناسق والتناغم في كل اشكاله من الرسوم والالوان وتموجات الاصوات المريحة بإنسجامها وتناغمها في نوتتها الموسيقية.
يعشق الدماغ في بنيته جمال الوجه البشري المتناسق والجسم ذي المقاسات المتناسبة وكذلك يعشق جمال الأدب بتناغم معانية وموسيقى كلماته ولذا نجد الأدب بتركيباته ومشتقاته يرتبط بالفنون والإبداعات الإنسانية.
كما يعشق الدماغ المبتكرات التي تداعب مخيلته وتستفزها وفي الآداب وفنونه يجد الإنسان كل ذلك التشويق والتحفيز للدماغ.
ربما في البداية اعتبر الإنسان فنون الآداب تحف ومكافئات يتنعم بها بعد أن اشبع حاجاته الحياتية الضرورية ولكنه لاحقا وبتطوره حضارياً اكتشف أن الإنتاج الأدبي لما له من مفعول سحري مؤثر في النفوس لا يجب ان يعامل كنوع من الترف الذهني والفخفخة بل يرقى ليقود الإنسانية في رحلتها نحو الإزدهار و التنمية الحضارية وامسى وقود يقود المجتمعات نحو التطور والنمو.
التفتت المجتمعات البشرية مبكراً لما للآداب وفنونه من تأثيرات إجتماعية بالغة القوة وتنبه بعدها الموهوبون لإمكانية وفائدة تحويل تذبذبات الاصوات في خلق منظومات إبداعية ينسقونها ويصيغونها في عقود جمالية شعرية بحسن إختيار ورصف مجموعة أصوات مسموعة او رموز مكتوبة ليمتلكوا ناصية المتلقي وليتلاعبوا كيفما يشاؤون بوجدانه ويلامسوا ارهف حواسه ويحركوا ارق مشاعره.
هذه القوة العظيمة في الأدب قادت الأمم وأرتقت بالأفراد لمستويات حضارية ما كانت لتكون لولا ان سخرها المبدعون من الادباء بأنواعهم.
لا يحتاج المرء للبحث طويلا ليرى ان
مجتمعنا وبالذات الاحسائي يمر في مفصل تاريخي لحراك ادبي شبابي قوي فهو يزخر بالادباء من الشعراء الشياب والكتّاب المبدعون من الرجال والنساء وتترى إنتاجاتهم وتتواصل ملتقياتهم وتجمعاتهم في منتديات وحراك وزخم لافت خلال العقدين الاخيرين. ربما لا نزال في بواكير نهضتنا الادبية مقارنة بمن سبقنا من المجتمعات ولكننا بالمقارنة بما كنا عليه قبل عقدين فإن وضعنا بكل المقاييس مبشر. التنافس في كل مناحي الحياة هو المحرك نحو الرقي والتقدم ويصدق ذلك على مجالات الآداب وفنونه ويتطلب الحراك الأدبي الصحي في مجتمعنا أن يهيئ المهتمون به كألنوادي الأدبية ووزارات الثقافة الرسمية أمامه الطريق وتذلل العقبات لإكتشاف ودعم المواهب بعقد حلبات التنافس و المسابقات والمنافسات كما إن على المبدعين عدم التهيب من الدخول في معتركها والمنازله في ساحاتها ليستخرجوا أفضل ما لديهم لجماهيرهم العاشقة لتموجات اصواتهم الجميلة.